الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في قصة ( سلامة ) للكاتبة أميرة بيت شموئيل

أسعد الخفاجي

2003 / 11 / 12
الادب والفن


كانت القصة القصيرة "سلامة" آخر نتاجات الكاتبة الشابة ذات المواهب المتنوعة ، أميرة بيت شموئيل ، نشرتها الكترونياً في بداية نوفمبر 2003. والمعروف عن أميرة أنها في سياق مساهماتها الجادة في الحوار السياسي ، تكتب في الأمور الوطنية العراقية الشاملة بنفس الروحية التي تتبناها وهي تعالج هموم شعبها الكلدوآشوري القومية. وتعد قصتها السياسية القصيرة هذه أفضل ما قرأته من خطابات آشورية سياسية وأكثرها فعلاً وتأثيراً في وجداني على الأطلاق لأن هذا الخطاب الصادر عن الكاتبة جاء على شكل عمل أدبي قصير ومركز ومفعم بالخلجات الأنسانية! ولم تستهلك الكاتبة الآشورية الصاعدة أمكانياتها الكتابية في صياغة خطاب حماسي طويل وعريض لكسب تعاطف القارئ مع قضية شعبها العادلة. ولم يتشنج صوتها ولم تصرخ بشكوى سافرة ، والأعظم من ذلك كله لم ترهق قراء قصتها ، و هي تعلم أن أغلبهم من غير الآشوريين ، بشحنة ثقيلة من الأتهامات والتقريع بسبب الأضطهاد الذي عاناه الشعب الآشوري من لدن الحكومات و بعض الأفراد على حد سواء!.

 

عند الأنتهاء من قراءة القصة يصبح القارئ النزيه ملماً بذلك الأضطهاد الذي يعاني منه المسيحيون في العراق ، دون أن تذكره الكاتبة البارعة لفظاً! كما ويتعزز ذلك الخطاب السياسي الرائع عندما تعكس القصة نوعاً آخر من الأضطهاد الذي تعاني منه شريحة ثانية من الشعب العراقي وهم الشيعة. لقد برهنت القصة على نجاعة الخطاب السياسي للأثنيات العرقية المضطهدة أذا أتسم بالموضوعية وأبتعد عن الذاتية والأنانية والتسطيحية والأنعزالية ، تلك الأمراض الطفولية التي نشخصها في معظم الأدبيات السياسية الآشورية والشيعية والكردية وغيرها من خطابات الأضطهاد. 

 

نعود الى العمل الأدبي "سلامة"! 

 

فيفيان وسلامة فتاتان عراقيتان جمعتهما الصداقة الحميمة البريئة. الأولى مسيحية والثانية مسلمة. فيفيان تهاجر بفعل الأضطهاد الى الخارج بينما تبقى سلامة في وطنها فيغتالها ويقتل أهلها النظام! وبعد سقوط النظام تعود فيفيان من الغربة. وأول ما تفكر به أن تستأنف صداقتها القديمة المتميزة مع سلامة! و تأتي الى مدينة الثورة باحثة عن سلامة..

 

فتاة ملفعة بالعباءة تمشي في مدينة الثورة. من يتصور أنها مسيحية؟ لماذا ، يا ترى ، كل هذا الفاصل الحضاري الذي يقدر بمئات السنين بين فتاتين تعيشان في البلد نفسه والعصر أياه؟! بلباقة أدبية شفافة ، وبدون تكلف أو أستعلاء ، تتناول أميرة معولها الأصلاحي الأنتقادي وتقتحم مع بطلتها فيفيان تلك المدينة الفقيرة التي تتمنى أن يحتويها التقدم والتطور الأجتماعي والرفاهية كما تلف العباءة جسد فيفيان.

 

."وصلت فيفيان الى بغداد بعد ايام قصيرة من قلع جذور الشر واختفاء الوحش الكاسر"

 

ظلت فيفيان سبيلها الى صديقتها سلامة بفعل التشابه بين البيوت والأزقة المعدمة: " هذه الازقة التي تتشابه في تصميمها وفقرها حد تشابه التوأم" وسرعان ما ئيست فيفيان من العثور على صديقتها:

 

"ابتعدت بعدما عادت الاقدار لتوصد هذا الباب ايضا بوجهها... خرج صوتها ، كالمسيح، يكلم السماء بلغة اجدادها : ايل ايل لما شبقتني ( الهي الهي، لماذا تركتني)".

 

! "آني عرفتج... انتي المسيحية"

 

"ما هذا الصوت الذي دخل اعماقها وفضح هويتها الدينية برغم العباءة التي تلفها من اعلى رأسها حتى اغمض قدميها؟ هل هو عذاب جهنم اقترب ليخطف ذاتها المعذبة؟".

 

هكذا تبدأ دراما فيفيان وهي تبحث عن صديقتها سلامة في مدينة الثورة. لكن الكاتبة تفصح في البداية متعمدة ودون لف أو دوران عن هوية بطلتها الآشورية فيفيان بشكل ممعن بالعفوية واللامبالاة:

 

" انها غريبة وبعيدة عنه بعد الاختلافات القومية والدينية التي تفرقها عن سلامة"

 

وهنا يصطدم القارئ التقدمي العراقي بهذا الطرح السلبي الغريب على جو الحكاية المتحضرة. لكن الكاتبة القديرة تسارع لطمأنة القارئ بعد أن منحت قصتها لمسة دينامية حاسمة وأيجابية حيث نقرأ:

"ولكنها مصرة على ان يجمعهما القدر (بسلامة) مرة اخرى، كما فعل في السابق ... انها مصرة على تحقيق امنيتها بمفاجئة سلامة، بعودتها من الخارج الى بغداد"!

 

  بهذه العبارة تعيد الكاتبة اواصر الحلف المقدس بين ضحايا الأضطهاد!  تصف الكاتبة الأجواء البائسة لمدينة الثورة مدينة الكادحين ، ثم تتحدث عن التسامح العفوي كما نلمسه في الرد الحنين للسيدة التي سألتها فيفيان عن صديقتها قائلة: "اني من الشمال خالة... جيت ادور على صديقتي، سلاّمة"  فأجابتها السيدة: "والله يا بنيتي ما عدنا ها الاسم"   أذن لم تنفر العجوز الأمية من الفتاة الغريبة القادمة من الشمال ، بالرغم من أن الشمال فيه أكراد وتركمان وآشوريون!   وبذلك تؤكد الكاتبة على عراقية أهل الثورة وتضامنهم مع كل الأثنيات بعكس ما يردده الأعلاميون الأجانب من أساطير حول عنصرية  وأغتراب أهل الجنوب.

 

القصة القصيرة "سلامة" موسوعة شاملة لأشكالية القوميات العراقية!   دونت الكاتبة بفكرها العراقي الملتزم في قصتها القصيرة ميثاقاً بين مكونات الشعب العراقي المتآخية! فبعد أظهار الصداقة المصيرية بين فتاتين عراقيتين آشورية وشيعية ، عكست الكاتبة في عملها الأدبي طيبة الأم العراقية التي تحنو على صديقة أبنتها المنتمية الى دين آخر وتعدها أبنة لها مما يمحي تهمة التعصب عن بسطاء العراقيين.

 

من جانب آخر ، تدين القصة بلباقة ملموسة التعالي اللامبرر على تعلم اللغات الأخرى التي يتحدثها شركاؤنا في الوطن الواحد عبر الحوار اللطيف ، مسخرة أستهزاء سلامة بلغة  فيفيان العربية لأنتقاد هذه الحالة الأجتماعية غير المتوازنة.   ترد  فيفيان على سلامة قائلة::

 

! " دروحي اتعلمي آثوري، بعدين عاتبيني"

 

وفي الختام ، لا يسعني ألا أن أشارك القارئ العزيز بالتمتع ببعض الصور الشعرية الرشيقة التي تضمنتها القصة. على سبيل المثال: 

 

" انكسرت نظراتها الحزينة الى الارض واخذت خطواتها تتراجع الى الوراء، ككسير يتهاوى امام جراحه." أو " اخذت نسمة الى احضانها واطبقت يديها حولها، كمعدم عثر على كنز ثمين، يخاف ضياعه" أو " حاولت باسراعها سرقة البعض المتبقي من الذكريات القديمة"."

 

أرجو من الكاتبة أن تخفف من درجة العامية في الحوار وتستبدله ، أن شاءت ، بعربية مبسطة يفهمها الجميع كذلك أن تستعين بخبير لغوي لمراجعتها.   وأتنبأ لها مستقبلاً مرموقاً في كتابة القصة القصيرة الملتزمة.

 

شيكاغو 10 نوفمبر 2003

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا