الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة النظام السياسي الفلسطيني

عياد البطنيجي

2007 / 11 / 21
القضية الفلسطينية


إن الوضع الفلسطيني القائم الآن يعكس بشكل واضح مدى الأزمة التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني . فلو جاء فنان ليرسم لنا لوحة لما هو قائم اليوم في الأراضي الفلسطينية فستكون لوحته عبارة عن : فوضى, أشكال متلاحقة من العنف المعنوي(الفظي) والمادي، عدم استقرار, جمود في المسار السياسي، فجوة بين المواطن والسلطة، انشطار النخبة الفلسطينية، غياب القيادة القادرة على توحيد مفردات النظام، عجز، تشاؤم، قتل، دماء، فقر، بطالة إلخ..

ولو جاء أديب أراد الكتابة عن الوضع الفلسطيني لحار من أين يبدأ روايته. هل يبدأ من النخب السياسية العاجزة عن إدراك مصالح شعبها!، أم يكتب على مشاهد القتل والمذابح المُبررة من قبل من يمارسها!. فهل يكتب عن قيادة تبرر القتل والدماء!! ، والتي من المفترض أن تراعي مصالح شعبها؟. أم يكتب عن القهر والحرمان! ، وعنف الصراع الجسدي والمعنوي المستشري اليوم. أم عن غياب التسامح عن الحياة السياسية الفلسطينية. هل يكتب عن الثقافة السياسية المتشرذمة، والتي تفتقد عنصر الثقة والتي بدونها تنعدم الحياة السياسية وتتحول إلى ساحة صراع وتخوين وعنف ودماء كما هو حاصل اليوم.

وبرغم من قسوة الكلمات هذه إلا أنها لابد أن تقال، فهي حتماً ستعرف طريقها. فالمهم " أن تشعل عاطفة أو حزناً أو نزوة غافية.. أن تشعل لهيباً في المناطق اليباب الَمَوات" على حد قول الأديب محمد شكري في روايته الخبز الحافي.

وبرغم أن الواقع الفلسطيني مرير ويعاني من معضلات ومشكلات مستعصية إلا أن الأمل في إيجاد حالة من التغيير والإصلاح يبدو ضئيلا وضعيفا, وربما في كثير من الأحيان تسود حالة من الإحباط و اليأس من إيجاد مخرج من الحالة الراهنة. إلا أنه لابد من أن يبقى الأمل. فهي لعبة الزمن، أن نرقص على حبال المخاطرة نُشداناً للحياة. وعلى حد قول الأديب محمد شكري أقول ، والقول له: " يُخرج الحيّ من الميت. يخرج الحيّ من النتن ومن المَتحلّل. يخُرجه من الُمتَخم والمنهار.. يُخرجه من بطون الجائعين ومن صُلبِ المتعيشين على الخبز الحافي".
بعد وصف الحالة الراهنة للنظام السياسي، لابد من تشخيص أزمته الراهنة، وهو موضوعنا في هذه المقالة. نعلم أن الكلمات ستكون قاصية ولكن لابد من أن تقال، فهي حتما ستعرف طريقها، لا انتقاصاً من طبيعتنا الذاتية نحن الفلسطينيون، أو أن التأزم الذي يعانيه النظام السياسي يرجع إلى طبيعة متأصلة فينا. فطبيعة الأزمة الراهنة لها أسبابها الموضوعية والذاتية، ولكن لابد من معرفة حقيقية للأزمة الراهنة. لأن بداية الحل أو العلاج تتطلب منا معرفة الداء حتى يتسنى لنا وصف الدواء .
فالحالة السياسية الفلسطينية منذ زمن تدار بأسلوب إدارة الأزمة أكثر مما تدار بأسلوب التسيير الطبيعي للشأن السياسي كما هو الحال في دول العالم. لذلك تراكمت الأزمات حتى أحدثت تحولاً نوعياً في الحياة السياسية الفلسطينية. فما تفسير هذا التأزم السياسي للنظام السياسي الفلسطيني. هذا السؤال لا بد من الإجابة عنه بمعزل عن الايدولوجيا الرومانسية والحلول التسكينية كالحلول العشائرية و "الدواوينية" كعادة العرب في المجتمع القبلي .

وتنطلق هذه الورقة من عدة تساؤلات نسعى في هذه المساحة الضيقة الإجابة عليها: لماذا هذا العجز الفاضح في ممارسة العمل السياسي في الحياة السياسية الفلسطينية؟ وعجز القادة السياسيون على إدارة الشأن السياسي؟ وعجزهم عن الاقتدار على تسيير الإدارة اليومية للحياة العامة في كافة المجالات والقطاعات السياسية والاقتصادية الاجتماعية؟ وهل يمكن لقيادة -هي من جنس ولون وثقافة واحدة ولشعب واحد ومصيرها واحد - لا تستطيع أن تتفاهم مع بعضها وتحل إشكالاتها عبر مؤسساتها؟ هل يمكن لهذه القيادة أن تتفاهم مع العالم وكيف لها ذلك؟ ففاقد الشيء لا يدركه. ولكن هل الإشكالية هي فقط في القيادة؟. فالمشكلة ليست فقط في القيادة التي هي مأزومة، بل الشعب هو الآخر مأزوم. فالقدرة على الاستشهاد والقتال ضد العدو لا تقترن بها القدرة على البناء والتعمير. لماذا هناك استعداد بلا حدود في مجال الاستشهاد والنضال لدى المواطن الفلسطيني لكن من المشكوك فيه استعداده بالدرجة نفسها للخروج من داره لتنظيف الطريق أمام تلك الدار؟- إماطة الأذى كما يقول الحديث النبوي- والقيام بسائر الخدمات والواجبات التي تتطلبها الحياة العامة وبالتالي المصلحة القومية للمواطن الفلسطيني؟. ونهدف من وراء الإجابة على تلك الأسئلة إلي معرفة أسباب المباشرة والأسباب الكامنة وراء هذا التمزق في النظام السياسي الفلسطيني ، وكيف ساهم النظام السياسي في ازدياد وتنامي ظاهرة العنف السياسي والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني وذلك بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني؟ .
وقد عددنا الأسباب وراء مأزق النظام السياسي الفلسطيني في النقاط التالية: أولاً الأسباب الكامنة ثانياً الأسباب المباشرة.
أولاً: الأسباب الكامنة

1. طبيعة البنى الاجتماعية-الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني. فبنية المجتمع الفلسطيني هي بنية قبلية عشائرية بقشور حداثية. وهذا بدوره انعكس على الحياة السياسية والعملية السياسية برمتها، فأصبحت العملية السياسية وكذلك الحياة السياسية تدار بعقلية زعيم قبيلة، والفصائل الفلسطينية هي اقرب إلى فصائل قبلية عشائرية منها إلى أحزاب وحركات سياسية بالمعني الحقيقي للأحزاب السياسية.
2. فالحياة الديمقراطية والتنافس السلمي على السلطة والعملية السياسية والتداول، كل ذلك يحتاج إلي شروط هي في الحقيقة غير متوفرة في (المجتمع السياسي الفلسطيني) ، وهي، أولاً: وجود دولة لأنها هي مدرسة السياسية فبدون الدولة الحياة السياسية لا تستقيم بل لا معنى للسياسة في غياب الدولة. لأن غاية أي عمل سياسي هو السيطرة على الدولة. وثانياً : وجود بنية اجتماعية – اقتصادية تتقبل الفكر الديمقراطي والتنافس السلمي وهي أيضاً غائبة عن المجتمع الفلسطيني لأنه أولاً: شعب محتل وهو ثانياً: مجتمع قبلي عشائري فالحياة السياسية الفلسطينية تدار بعقلية زعيم قبيلة، والفصائل الفلسطينية هي اقرب إلى فصائل قبلية عشائرية منها إلى حركات سياسية بالمعني الحقيقي للأحزاب السياسية كما قلنا سابقاً .وحتى تتوفر الحياة السياسية السليمة وبالتالي تنافس سلمي بين الأحزاب والقوى السياسية لابد من توفر دولة وسيادة . ولكن إذا أدركنا أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أنماط الصراعات الاجتماعية الممتدة أي انه صراعاً لا يمكن حله وغير قابل للحل أصلاً . فالتحدي المطروح علينا هو كيف يمكن بناء نظام سياسي ديمقراطي تتشكل فيه الأحزاب وتتنافس سلمياً على السلطة في ظل غياب الدولة وفي ظل بُنى عشائرية، وعدم خبرة الفصائل والأحزاب العيش في ظل دولة ؟ اعتقد أن أزمة النظام السياسي الفلسطيني تتبلور بتلك الإشكالية . هذا هو التحدي المطروح علينا نحن الفلسطينيون، كيف يمكن الإجابة على هذا التحدي الخطير الذي هو أس البلاء؟ هذا هو الاختبار التاريخي الذي ينتظرنا كيف يمكن الإجابة عنه.هذا ما سيكشفه لنا المستقبل .
3. إن القوى السياسية الفلسطينية لم تخبر أن تعيش في ظل دولة التي هي مدرسة السياسة فبدونها لا معنى للنظام السياسي ولا معنى للعملية السياسية، أي التنافس على السلطة وبالتالي الهيمنة على الدولة لتسييرها وفقا لمن يسيطر عليها.

ثانياً: الأسباب المباشرة
1. غياب الإجماع الوطني حول الأهداف والقضايا الأساسية والمصيرية بين مكونات النظام السياسي، فلا يوجد إجماع وطني شامل على الأهداف والغايات. ويظهر غياب الإجماع من خلال وجود إستراتيجيتان على الساحة الفلسطينية، إستراتيجية لمنظمة التحرير الفلسطينية(الممثل الشرعي) وأخرى للمعارضة وخصوصاً الإسلامية منها. فلا يوجد إجماع حول المرجعية التي بدورها تتطلب رؤية إستراتيجية واحدة تحدد الأهداف من النظام وكيفية تحقيقها. فغياب الأهداف وعدم وجود إستراتيجية محددة من قبل النظام افقد النظام السياسي توازنه الذي هو هدف أي نظام سياسي مما ولد مظاهر متلاحقة من العنف السياسي والانقسام وتفتت مكونات النظام. فهناك علاقة طردية بين غياب الإجماع الوطني وعدم الاستقرار، أي أن كلما كان هناك غياب للإجماع الوطني افتقد النظام إلى الاستقرار السياسي والعكس صحيح .
2. غياب التوافق والانسحاب بين النخب السياسية، وكذلك غياب الإجماع والتوافق حول القيم السياسية التي تحكم النظام. فكلما كان هناك اتفاق وانسجام بين النخب السياسي تحقق الاستقرار السياسي والعكس صحيح.
3- سيادة ثقافة سياسية غير ديمقراطية وغير مشاركة، ووجود فكر سياسي يشجع على العنف واستخدام القوة كأداة تغيير وكسلوك سياسي، ووجود ايدولوجيا دينية مسيسة تكفر الآخر وتخونه وتلغيه وتدعو لإقصائه وشطبه، بدلا من الاعتراف به، وبوجوده وبحقه في الحياة والرأي.

الخلاصة:
. خلاصة ما قلناه أعلاه هو أن التحدي الأكبر أمام الديمقراطية والحياة السياسية الفلسطينية وتحقيق الاستقرار هو أن أية قوة سياسية أياً كانت أيديولوجيتها وشعاراتها لابد أن يتحكم فيها " القاع السوسيولوجي" والمقصود بذلك توفر الشروط السابقة والتي بدونها لا يمكن توفر نظام سياسي مستقر ومتزن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدمة في طهران.. لماذا يصعب الوصول لطائرة رئيسي؟


.. نديم قطيش: حادث مروحية رئيس إيران خطر جديد على المنطقة




.. البحث مستمر على طائرة رئيسي.. 65 طاقم إنقاذ وكلاب خاصة| #عاج


.. تحديد موقع تحطم طائرة رئيسي -بدقة-.. واجتماع طارئ للمسؤولين




.. مسيرة تركية من طراز- أكنجي- تشارك في عمليات البحث عن مروحية