الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعر الظل الراحل يرثي شاعراً رحل قبله ومختارات من اشعاره

جاسم العايف

2007 / 11 / 22
الادب والفن


بعد الرحيل، المفجع، للشاعر الصديق “مصطفى عبد الله”، في 1/11/1988 وصلني كتاب، عنه وله، بعنوان “الأجنبي الجميل” من اصدار "رابطة الكُتّاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين-دمشق" احتوى على كتابات لبعض الكتاب العراقيين والعرب حوله وحول رحيله المبكر المفاجئ ومختارات من قصائده وهو بمثابة ذكرى ووفاء لمصطفى عبدالله.. بدأت أسرب، الكتاب الى بعض الاصدقاء من الادباء والكتاب والمثقفين في البصرة، ومن الاصدقاء الذين اطلعوا على هذا الكتاب، صديقنا الشاعر (عبد الخالق محمود)..ليلة أسرّني عبد الخالق وكنا في حديقة اتحاد الادباء بالبصرة ، انه كتب قصيدة رثاء في ذكرى مصطفى عبد الله وهو لا يستطيع نشر القصيدة وهي مهداة الى (مصطفى) داخل العراق، كما لا يمكن نشرها خارج العراق بأسمه، ضحكنا بمرارة والم ، من هذه المفارقة والزمن المر الذي يلاحق حتى قصائد الرثاء . ثم قرأ القصيدة، ولاحظت سواتر الخوف المطبقة عليه، مع انه استبدل (الاجنبي الجميل) بـ(الغريب الجميل)، ثم علق: انه يأمل نشرها في الوقت المناسب والمكان المناسب. مرة وصلتني مجلة (الثقافة الجديدة) ومعها ديوان شعر صغير، للصديق الشاعر عواد ناصر، وكان استلام المجلة والاطلاع عليها يقتضي اقصى حالات الحذر والكتمان والمخاطرة التي ربما تودي الى التهلكة،وهذا ماحصل لبعض الاصدقاء والذين دفعوا ثمنا باهضا لذلك، ومع ذلك تسربت المجلة، الى عدد محدود جداً من الاصدقاء.. كان من بينهم (عبد الخالق) وبعد ان اعاد المجلة ملفوفة بكيس ورقي اسمر لايلفت انتباه احد وجدت قصيدته عن (مصطفى) بداخلها؛ احرقت المجلة بأسف ، واحتفظت بالقصيدة لديّ. أخذت صحة عبد الخالق بالتدهور.. داهمه مرض (الكبد) ، بذل الاطباء جهداً لمساعدته دون جدوى، قال له الطبيب مرة-:
- لم يبق من كبدك شيء..
سأله عبد الخالق:
- كم سأعيش، بما تبقى لي من كبدي؟
أجاب الطبيب:
- ربما سنة أو اكثر قليلاً..
رد عليه عبد الخالق، بصفاءٍ عجيب مملوء بالدهشة واللامبالاة:
- سنة؟.. انها كثيرة جداً..؟ !!
أصر (عبد الخالق) على السير، بإرادته نحو الحافة الاخيرة .. سافر خارج العراق ثم عاد سريعا, واخيراً تمكن منه المرض..غاب التماع عينيه.. تهدم بناء قامته.. ازدادت الرعشة في يديه، تناوب المرض، والحصار في الاكل من جرفه شيئاً.. فشيئاً، الا انه بقي على ولعه بالنكتة. كان راوي طرائف من طراز فريد.. لا بل كان صانع طرائف.. نقل الى (المستشفى التعليمي) وفيه رحل.. وثوي اخيرا في مقبرة (الحسن البصري) بالزبير. ((عبد الخالق محمود.. شاعر ينسجم والطريقة البصرية في الدأب الصامت على الكتابة)) هكذا قدمته مجلة (اسفار في العدد 15 آذار 1993) بمقال كتبه الاستاذ القاص محمد خضير بعنوان "الطبائع السبع لشاعر الظل" واكد فيه ان قصائد عبد الخالق "تتدرج من البوح الواطيئ الى الصوت المرتج بالالوان والبروق والتقلبات" وان الشاعر بذلك يضمن "وصول الاشارة الى كهف المعنى" عبر "التعجيل المتعقل" وان عبد الخالق في نشره لهذه القصائد وبأختياره فأنه يضحي من شبَابته قربانا لمجهوليته التي تكتمَ عليها باباء وإيثار وزهد وحرمان وسيعود بسلام الى مجهوليته ، غنائه الخافت،كهفه الصامت.وقد اعتبر القاص محمد خضير قصائد عبد الخالق السبع بمثابة " الذبائح"الموصولة بحبال القصائد السبع واقترح اسماء لها فالذبيحة الأولى بأسم"الوحدة"والثانية"الانتظار" والثالثة"النقاء" والرابعة"الحزن" والخامسة"الصمت" والسادسة"الوهم"والسابعة"الحقيقة" ولم يكن هذا ترتيب القصائد غير ان الطبائع السبع-حسب الاستاذ محمد خضير- تجتمع في القصيدة الاخيرة"الوان الظهيرة المائية"التي تجسد بالبرهان على"لحظة الاشراق الحقيقية"وفيها يحلق الشاعر نحو" اعلى مدارج الكشف في برج تكويناته الشعرية" ليعود بعد ذلك الى"ظله بعد سياحة محترسة مس خلالها حدود العالم الخطرة..يعود بسلام الى مجهوليته ..غنائه الخافت ..كهفه الصامت".
ولد الشاعر عبد الخالق محمود في البصرة عام 1945 وتخرج في جامعتها 67-68 - كلية التربية قسم اللغة العربية- و توفى ليل 15 /11 /2001 ، مخلفاً ديوان شعر مطبوع بعنوان "مراثي الشمس..وقصائد اخرى " صدر عام 1994/ من منشورات اتحاد الادباء في العراق/وضم 30 قصيدة/ وهي مختارات من قصائده المنجزة خلال الاعوام الممتدة من 1980- 1993 . وله ثمة دواوين مخطوطة . بقيت احتفظ بقصيدته استعيد نشرها في ذكرى المرثي الشاعر "مصطفى عبدالله" والراثي شاعر الظل "الشاعر عبد الخالق محمود" مع مختارات من اشعاره في الذكرى السنوية لرحيله .
• قصيدة الى الغريب
في ذكرى: مصطفى عبد الله
قبل عشرين عاماً عرفتك،
كنت فتىً أخضر الشاربين.
قبل عشرين عاماً عرفتك،
كانت نجوم المساء
فوقنا، غابةً من ضياءْ
وسماءُ الجنوب الخفيضة نلمسها باليدين
قبل عشرين عاماً عرفتك،
أذكر:
ان السماء
هبطت وردة تستظلّ بنا،
وردة تحت قمصاننا نستظل بها،
وبها مابنا:
عطش وارتواء.
قبل عشرين عاماً،
بدأنا الطريق الذي ضمّنا،
ومن المهد، قُلنا، الى اللحّدِ:
نبقى، معاً، سائرين
* * *
بعد عشرين عاماً،
أنا، الآن، وحدي،
أنت وصلت الى آخر الدرب،
بَينْما بقيت انا في العراء
ضائعاً..
المدى ظلمةٌ وعويلْ
فالمدينةُ، حولي، مفجوعةٌ بفتاها القتيل
والفتى عائدٌ كالحسين
فوق مهرتهِ،
ظامىء الشفتين
دون رأسٍ،
يُسائل عن وردة إسمها كربلاء
أهذا الحبيب
بعد عشرين عاماً تجيء..؟
لقد شاب رأس الفتى،
والليالي تكرّ،
الليالي التي لاتفرُّ،
ولم يبق في العمر الا القليل
وسماء الجنوب البعيدة مطفأة،
وانا سائر، وفؤادي الدليل
أيهذا الغريب
أأنا العائدُ، اليوم، أم أنت،
أم أننا، قبل عشرين عاماً قُتلنا،
وصيرنا حبنا شهداء؟
أيهذا “الغريب الجميل”
كيف داهمنا الموت
والحب، لما يزل، دورةً في الدماء؟؟
البصرة: 1992/6/17

• النورس
ينبسط الساحل هشاً ، ناعماً,
يفترش الساحل طفل اخضر الشعر،
وشمس البحر في محفة الافول.
*
تعبرني الريح اجهل ما تقول.
*
ويهبط الليل كئيباً
يختفي الساحل والطفل
وشمس البحر،
لا يبقى سوى الريح التي تجهل ما اقول
.......................
.......................
وهكذا ...
كنورس وحيد
ابقى امام البحر
اجلس فوق الصخر
منتظراً ميلاد فجر العالم الجديد.
• شجر
شجر في الرصيف
شجر من زمان الطفولة ارقبهُ,
شجر من زمان الطفولة يَرقبُني.
شجر ظل يسكنني
شجر ظل يتبعني
ويجيء مع الحلم غضاً وريف.
*
شجر كالربيع
شجر مثل امي حنون..
وديع .
شجر كان يصحبني في السفر
وينادمني.
شجر ليس مثل الشجر
شجر كان يسقط ازهاره فوق روحي,
ويمنحني ظله،
ونداه،
وحلماً شفيف.
*
آه يا شجري،
قد كبرنا، معاً
وعلانا غبار السنين.
آه يا شجري ،
آه يا شجري ،
ذاك حطابنا قادم ..
فلنمت واقفين.
• احزان كلكامش

" ان النازلة التي حلت بصاحبي تقض مضجعي "
ملحمة كلكامش
انا الذي رايت.
انا الذي رايت.
*
رايت ما لم تراه عين،
انا كلكامش الحزين
احمل، وحدي، صخرة السنين
فصاحبي فارقني،
وسار
الى مكان ما له زمان
الى زمان ما له مكان
وقام ما بيني وبين صاحبي جدار.
*
من قال للفجر: انطفئ
وامتلئي يا ارض بالقبور؟
من اطلق النمور
من كهفها تفترس البشر ؟
من قال للموت : ابتدئ
كن خنجر القدر
لا مهرب منه ولا مفر؟؟
*
هذا انا كلكامش الوحيد
في حانة شاحبة ،
اشرب كأس غربتي
منتحباً ، شريد
عيناي دمعتان.
...
فراشة الاحزان
حطت على قلبي
وغابت نجمة الليال.
...
عيناي حفرتان
اعمى اهيم في البراري، شاحباً، طريد.
*
الموت بالمرصاد،
صوت صاحي يجيئ من بعيد
يقول لي : ( تعال
لرحلة اخرى نصيد الوحوش فيها،
ونرود غابة المحال.)
*
الارض في ظلامها تدور
وهاجس في الروح ينعاني ، ويبكي,
هاجس في الروح ينعى سيد الرجال
وسيد العصور
*
انا الذي رأيت .
انا الذي رأيت .
...............
...............
في البدء كان الموت.
في البدء كان الموت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان درويش صيرفي: أعطيت محمد عبده 200 دانة حتى تنتشر


.. بأنامله الذهبية وصوته العذب.. الفنان درويش صيرفي يقدم موال -




.. د. مدحت العدل: فيلم -أمريكا شيكا بيكا- كان فكرتي.. وساعتها ا


.. مين هو أعظم مطرب قام بالتمثيل في السينما المصرية من وجهة نظر




.. عوام في بحر الكلام - مدحت العدل: من حسن الحظ أنك تقابل فنان