الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأجيال المتبدلة

رحيم العراقي

2007 / 11 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف هذا الكتاب هو خبير في مجال التوقعات الاقتصادية وصاحب العديد من الكتب من بينها كتاب أثار اهتماما كبيرا لدى النقاد هو «صدمة الأجيال» - على غرار «صدمة الحضارات»-. ومن كتبه أيضا مجتمع الأطفال المدللين و«مدينة المستقبل».
(الأجيال المتبدلة) التي يتحدث عنها برنار برييل هي جيل الحقبة الجميلة، أي جيل نهايات القرن التاسع عشر وجيل الانحسار الاقتصادي الذي سبق الحرب العالمية الأولى، وجيل مايو 1968، أي جيل مظاهرات الطلبة التي انضم لها العمال في شهر مايو 1968 وعُرفت باسم «ثورة الطلبة».
لماذا هذه الأجيال الأربعة؟
لأنها أجيال متبدلة إذ أن السياق التاريخي الذي عاشت فيه أرغمها على التأقلم مع معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لم تكن مؤهلة لها، أو أنها لم تكن تظهر في أفقها، هكذا انتهى جيل الحقبة الجميلة أي نهاية القرن التاسع عشر في خنادق وساحات معارك الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وذلك الجيل الذي عاش في فترة ما بين الحربين العالميتين لم يكن ينتظر أبدا أن يشهد معجزة الثلاثينات المجيدة.أي تلك الفترة من الازدهار الكبير الذي شهدتها أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وهي «أجيال متبدلة» أيضا لأنها قد عرفت كلها «قطيعات» فصلت بينها ثلاثون سنة، وكانت «قطيعات» على مستوى الحساسيات والممارسات والأذواق مثلما عرف أولئك الذين كانوا في العشرين من العمر عندما قامت أحداث الطلبة في فرنسا خلال شهر مايو 1968.
يقول المؤلف: «ليس أمرا يدعو إلى اللامبالاة أن يبلغ المرء عامه العشرين في خنادق فيردان ـ أثناء الحرب العالمية الأولى ـ أو في صفوف المقاومة ضد النازيين ـ أثناء الحرب العالمية الثانية ـ أو وراء الحواجز التي أقامها الطلبة في شوارع باريس عام 1968 أو في الصفوف الطويلة المتجمّعة أمام مكاتب إيجاد فرص العمل».
إن مؤلف هذا الكتاب يحاول أن يرسم «صورة» للأجيال التي وُلدت في سنوات «الحقبة الجميلة» حتى تلك التي رأت النور مع ظهور بوادر الأزمة في أوائل عقد السبعينات الماضي.
وهذه الأجيال كلها، وفيما هو أبعد من «الصدمة» عاشت واقع «التباعد» بينها وبين الجيل السابق، وربما الجيل اللاحق. هذا مع أن المطلوب من الجميع الوصول إلى درجة من التعايش واقتسام الثروات والعمل ونقل التراث من جيل إلى آخر وكذلك نقل المبادئ والمعتقدات.ويقدم المؤلف في هذا الكتاب فرضية وجود دورة من حوالي 30 سنة لـ «تبدل» الأجيال التي تغدو عناصر فاعلة في التاريخ وأحيانا «دون درايتها» وبحيث يكون عليها أن تجدد من أجل الإجابة على التحديات التي تطلقها الحقبة.
أي أن التاريخ قد يرغمها على مقارعة وضع جديد ثم التأقلم معه حيث «لم يكن الأهل والتجربة قد مهّدوا الطريق لمثل ذلك». وفي مواجهة مثل هذه الحالة يقوم الجيل المعني باختراع «حلوله» وغالبا ما تكون الخطوة الأولى فيها هي «التمرد ضد أهلهم».
ثم إن التبدل يخبئ دائما مفاجآت «سارّة أو ضارّة». لكن بكل الحالات يجد الجيل «المتبدّل» إنه من المستحيل بالنسبة له العيش حيث القواعد التي كانت قد زخزّنتها خلال مسيرة حياتها السابقة. وهذا ما كان قد عبّر عنه الفيلسوف هنري بيرغسون عام 1913 عندما كتب «هل لاحظتم ميلنا إلى مخالفة الجيل السابق والسير في اتجاه غير ذلك الذي سلكه سابقونا؟».
ويعلل المؤلف اختياره لدورة الثلاثين عاما بالفرق الوسطي بين الأهل والأطفال والذي يمكن أن يشكل مجد ذاته مصدرا للتوترات.
ثم إن من الثلاثين يمكن أن يكون «النقطة الفاصلة» لولوج مرحلة الأبوّة والأمومة ثم بعد ثلاثين سنة أخرى يصل سن التقاعد. وهناك أيضا، كما كتب الاقتصادي الروسي كوندرا تييف، تعاقب «موجات تدوم بين 50 و60 سنة بمرحلتين تدوم كل منهما حوالي 30 سنة».
وكان الباحثان الأميركيان وليام ستروس ونيل هاو قد تحدثا في كتابهما الشهير: «أجيال: تاريخ المستقبل الاميركي» عن «إعادة إنتاج اللحظات الاجتماعية » كل ثلاثين سنة داخل « دورة من 60 سنة تشهد فترتين من التوترات الحادة». وكانت الموسيقى الأميركية قد شهدت «ثورة» كل ثلاثين سنة، مع الجاز في سنوات العشرينات والثلاثينات والروك خلال سنوات الخمسينات والستينات وأخيرا التكنو في الثمانينات والتسعينات.
ويعتبر المؤلف في تحليلاته أن «دور التاريخ والحقبة والسياق هو مركزي» في وصول لحظات «التبدل» لدى الأجيال. هذا مع وجود «الذاكرة الجماعية» و«التراث» وكل ما يوحّد الأطفال والأهل والأجداد وبالتالي يساعد على الاحتقاظ بـ «الهوية» و«التضامن بين الأجيال» أو «تضامن الجذور»، كما يقول المؤلف.
هكذا رغم التبدل تتم المحافظة على «الإطار» و«الديكور». ويولي المؤلف أهمية خاصة لدور «الفن» في صياغة حساسيات الأجيال.
إذ «في معسكر الفنانين ذوي الحساسية الحيّة يوجد غالبا مطلقو الأفكار الجديدة». هكذا يتم عادة قبول الفكرة القائلة أن الفنون قد سبقت لسنوات عديدة الانهيار الفعلي للمجتمعات الليبرالية في القرن التاسع عشر. والفنانون هم الذين يكشفون عن «حقيقة العام المقنّعة».
كذلك يتم التأكيد على خاصّية أخرى لدى الأجيال وهي «أن أبناء جيل واحد ليسوا مجرد نسخ متكررة، وإذا كان يتواجد لديهم نوع من «الحساسية والهيمنة» فإنها لا يمكن أن تكون حصرية.
ثم هناك «فترة جنينية» لولادة أية حساسية جديدة. وهكذا يحدد المؤلف بدايات تكوّن الحساسية التي قامت على أساسها أحداث الطلبة في فرنسا خلال شهر مايو 1968 لدى «الإخوة الكبار» من الجيل السابق مع موسيقى الروك وما يسمى بـ «الموجة الجديدة» في الفن والأدب.
وقد كان أولئك «الإخوة الكبار» لا يشكّلون سوى أقلية ضئيلة جدا ولذلك أثاروا نوعا من «الفضيحة». وبالتالي كما يوجد هناك «روّاد» و«طليعة» فإن هناك من يتأخرون كثيرا عن قبول الموجة الجديدة، بل ويحاربونها.
إن كل إنسان هو «ابن زمانه» ولا شك أن هناك الكثير من التشابه بين أبناء الجيل الذين يعيشون «نفس الزمان».
لكن مصيرهم يرتبط إلى حد كبير بـ «مجرى العالم الذي يحيط بهم». ثم «إن الأجيال السعيدة ليس لها تاريخ ولا تضع تاريخا.
«فهل هناك أجيال على ضفاف بحيرة ليمان، في سويسرا؟»، يتساءل مؤلف هذا الكتاب. و«التاريخ» وحده هو الذي يترك بصماته على مسيرة تطور العالم «من جيل إلى آخر». لكن في أي سن تتكوّن حساسية الجيل؟
يشير المؤلف في معرض الإجابة على مثل هذا السؤال بالاعتماد على آراء العديدين الذين حاولوا الخوض في الموضوع.
هكذا يمكن أن نقرأ في نتيجة تحقيق حول الشباب عام 1913 ما يلي: «عند نهاية الدراسة الثانوية وقبل الدخول في معترك العمل المهني ترتسم خطوط وجهنا الأخلاقي وتتحدد التوجهات الفكرية التي سنبقى أوفياء لها طيلة حياتنا.
وأولئك الذين اقتربوا من سن العشرين بدوا لنا أنهم يمثلون حقيقة نموذجا فريدا». وكان عالم الاجتماع كارل مانهايم، رائد النظرية المتعلقة بالأجيال، قد حدد القول حيال الشباب الذين يبلغون السابعة عشرة من العمر: «على هذا الشمع الذي لا يزال بحالته البكر تقريبا يمكن أن تتطبع المشاعر الأولى وتأخذ معنى الأحداث الراهنة، بينما تجعلهم جاهزيتهم وخفتهم وبراءتهم قادرين على تقديم نظرة جديدة».
وفي ذلك العمر الغض أيضا يتم الاهتمام بجميع مشارب الحياة ونشاطاتها من سياسة ومعتقدات وموسيقى وآداب وغيرها. «إنها فترة المحك» و«التشرّب» كما يقول عنها علماء تطور السلوك الإنساني، و«التبلور» مثلما أضاف ستندال، صاحب رواية «الأحمر والأسود» الشهيرة. وفي مثل هذا السن «حوالي العشرين» قد تحدث التبدلات والقطيعات على خلفية الأزمات.
في القسم المكرّس لـ «جيل الانترنت» يحدد المؤلف ولادته ما بين عام 1975 وعام 1984 حيث بلغ أبناؤه سن العشرين في أواخر القرن العشرين. ووصلت معه مقولات «نهاية العالم» و«صدام الحضارات»، أما فيما بعد فـ «ربما أن ما سيبقى هو الانترنت الذي مهر بطابعه الجيل الحالي الذي غدا يتواصل مع العالم «خلال الزمن الحقيقي».
وإذا تمّ القبول بدورة الثلاثين سنة التي شهدت «أزمة متصاعدة» منذ عام 1975 فهذا يعني أن «جيل الانترنت» يواجه «رهان» فترة رخاء جديدة «على شاكلة سنوات الثلاثين المجيدة». ويشير المؤلف في هذا السياق إلى أن أهم حدثين كان لهما تأثيرهما على شباب هذا الجيل في أوروبا عند بلوغهم سن العشرين قد حدث أحدهما بتاريخ 9/11/1989، أي يوم انهيار جدار برلين، والآخر بتاريخ 11/09/2001، أي تفجيرات نيويورك وواشنطن.
وكان الحدث الأول قد «أنهى» القرن العشرين بينما «افتتح» الثاني القرن الحادي والعشرين بما تلاه من حروب في أفغانستان والعراق وتفجيرات في مدريد ولندن وبالي و«الخوف الذي ينتشر» في كل مكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام