الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى متى الخلط بين الرشوة والهدية ؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ليست هناك ثمة علاقة بين الرشوة والهدية. فالمفهومان مختلفان تماما، هذا رغم الخلط القائم بينهما لدى العامة. فالمرء يقدم الرشوة نظير خدمة آنية أو مستقبلية لن يستطيع الحصول عليها بالسبل المشروعة. وتأتى الرشوة فى أشكال مختلفة، فقد يعرض طالب الخدمة رشوة مالية فى سبيل إنجاز المهمة المطلوبة أو رشوة عينية وهى عبارة عن شقة أو سيارة أو حتى قميص أو قطعة قماش أو طعام أو رشوة جنسية عبارة عن تقديم الجنس مقابل إنجاز المهمة. ويتحدد مقدار الرشوة حسب الخدمة المقدمة ومكانة متلقى ومقدم الرشوة. وليس صحيحا أن الرشوة تقدم فقط لإنجاز أعمال غير مشروعة يترتب عليها ضياع حقوق الآخرين إذ إن هناك رشوة لسرعة إنجاز المصالح وتفادى العراقيل التى يضعها الموظفون. أما الهدية فنقدمها للأصدقاء والأقارب للتعبير عن المحبة والمشاعر الصادقة دون انتظار مقابل سريع أو خدمة محددة ومن المتوقع أن يردها الصديق أو القريب فى مناسبة مماثلة.

قد يعثر الموظف أو مقدم الخدمة عشرات المبررات التى يتحدث بها مع نفسه على مرأى ومسمع من المواطنين، منها أن ما سوف يقوم به يتطلب الكثير من الجهد وأنه سيتغاضى عن العيوب التى تشوب المستندات المقدمة ولا يمكن غض الطرف عن تلك المبررات التى يقدمها مقدم الرشوة ليرفع الحرج عن الموظف المرتشى منها أن ما يقدمه هدية بسيطة وأن الرسول (عليه السلام) قبل الهدية ولم يرفضها. هذا رغم أن هذا التمسح بالنبى لتبرير تلقى أو تقديم الرشوة بعد تسميتها بالهدية غير مقبول ومخالف للحقيقة، إذ إن الرسول الكريم—حسب رواية البخارى ومسلم— رفض ذلك عندما أتى أحد الصحابة (ابن اللتبية) بحصيلة بيت المال وأشار إلى أن الأهالى (بنى سليم) قدموا له هدايا لم يدرجها فى قائمة الأموال المحصلة فاستشاط الرسول غضبا وقال له "فهلاّ جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً" ومن الظلم أن نلقى دائما باللائمة على الموظف البسيط بحجة أنه صاحب المبادرة فى طلب الرشوة، إذ غالبا ما نجد بعض أصحاب المصالح يبادرون بتقديم الرشوة وإغراء الموظف بمبالغ مالية يصعب رفضها. حضر إلى منزلى ذات مساء أحد الضيوف ومعه لفافة لم أعرف ما بداخلها ووضعها على المائدة ولم أشأ أن أتحدث عنها لظنى أنه سوف يأخذها عند المغادرة. وبعد أن تجاذب معى أطراف الحديث عرفت منه أن له نجلا يلتحق بالكلية وأنه فى حاجة إلى رعاية وتشجيع، وعندما هم بالانصراف لاحظت أنه لم يلتقط اللفافة فنبهته بأنه نسى شيئا تركه على المنضدة، ففوجئت به يقول بأن هذه هدية عبارة عن قطعة قماش، فأصررت أن يحملها معه حتى لا اغضب. وربما يعتقد القارئ بأننى وضعت الرجل فى موقف حرج وأنه كان من الأحرى أن أتقبل ما قدمه كهدية أقوم بردها فى وقت لاحق. وفى ظنى فإن هذا السيناريو هو الذى يدفع الإنسان إلى الانزلاق فى مستنقع الرشوة، فمن الواضح أن الرجل أتى بقطعة القماش بعد أن التحق نجله بالكلية أو القسم الذى اعمل به. ألا يعتقد القارئ أنه كان ينتظر أشياء كثيرة فى المقابل؟ وفى رأى فإن الإنسان الذى يتلقى الرشوة هو فى الواقع ضحية اغراءات أصحاب المصالح وهذه الفئة التى تشجع الآخرين على تلقى الرشوة هى فى الواقع تستحق أقسى العقاب بيد أن القانون يلاحق فقط متلقى الرشوة ولا يطارد مقدمى الرشوة.

لقد شاهدنا فى الانتخابات السابقة وخاصة الشعب 2005 والشورى 2007 تزايد استخدام المال لشراء الأصوات. لقد انفق بعض المرشحين الآلاف الجنيهات فى محافظات المعمورة، فمنهم من اشترى الصوت الواحد بعشرين جنيه أو خمسين جنيه ومنهم من قدم رشاوى أخرى عبارة عن أطعمة ومأكولات للبسطاء والمعدمين. وقدم أحدهم مبالغا مالية لبعض القبائل التى تسعى لبناء مساجد. ولا يستطيع أحد أن يأتى اليوم ليقول لنا بأن هذه الأشياء المقدمة عبارة عن هدايا للبسطاء والمحتاجين، إذ إنها رشوة واضحة المعالم لأنها ترتبط بإدلاء الأصوات لصالح مقدم هذه المبالغ. ولو كان الأمر خلاف ذلك فلماذا لا يساهم هؤلاء الآن بتقديم المساعدات لهؤلاء المحتاجين؟ والغريب أن الأجهزة التى تتصدى لرشاوى الموظفين يقفون مكتوفى الأيدى أمام الرشاوى الانتخابية والتى لا تقل—بل ربما أكثر— خطورة من الرشاوى الأخرى. وفى رأى فإن هذه الرشاوى التى تقدم أثناء الانتخابات تساهم ليس فقط فى عزوف المثقفين عن الترشيح فى الانتخابات بل أيضا فى انتشار ثقافة الرشوة بين المواطنين وتترك انطباعا لديهم بأن تلقى الرشوة ليس جريمة أخلاقية يستحق من يرتكبها أقسى العقاب. إن الأمر يتطلب سن قوانين تجرم تقديم وتلقى الرشاوى الانتخابية وتطبيق عقوبات غليظة على المخالفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط


.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين




.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال