الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نظريات الحداثة والتطوير التنموي وحلقة التبعية

اكرم سالم
(Akram Salim Hasan Al-janabi)

2007 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لم يتفق معظم الكتاب حول معاني التحديث والتطوير والتغيير ، اذ ان التركيز هنا حول التحولات الرئيسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . فالتحديث Modernization هو اكثر المصطلحات عمومية ، اذ يصفه دانيال ليرنر بأنه عملية منظمة تشمل تغيرات متكاملة في قطاعات المجتمع السكانية والاقتصادية والسياسية والثقافية . ويعني التحديث حرفيا ، حلول شيء ما مكان آخر كان مقبولا في الماضي كطريقة لعمل الاشياء . والنقطة الاساسية في مفهوم التحديث ، هو عملية التحريك بأتجاه العلاقات المثالية الحديثة ، والى انماط مثالية من الترتيبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، المرغوب فيها التي تحققت في الدول المتقدمة – النموذجية ( المحتذى بها ) .
وحسب ديامنت ، فليس من الضروري تحديد المقصود بالتحديث بدقة .. الا انه نوع من التحول الذي نراه في اوربا و اميركا واجزاء اخرى من العالم ، وان كان باشكال اقل كمالا . وحسب شلز ، فان دول اوربا الغربية واميركا لاتحتاج الى التحديث لانها قد حققته ، والتحديث جزء من طبيعتها . . وهو الواقع المعاش فيها وهو الاسس والمعايير والنماذج التي يقرر في ضوئها قادة دول العالم الثالث اعادة قولبة بلادهم على اساسه
وعلى الرغم من اهمية التحديث وصلته بالتحولات الاجتماعية التاريخية في العقود الاخيرة ، لكن الكتاب ابدوا انزعاجهم كون هذه النظرية ذات الطبيعة العرقية – الغربية .. وذلك ادى الى البحث عن صيغ – نماذج للتحديث اقل ارتباطا بأمثلة معينة في اوربا واميركا .
ومن تراث الادارة المقارنة مقالة رجز 1957 بعنوان ( المجتمعات الصناعية والزراعية .. نحو نظام تصنيفي للادارة المقارنة ) اقترح فيها تطوير نماذج افتراضية مثالية للادارة في المجتمعات الزراعية والصناعية ، لتكون اساسا للتحليل التجريبي للانظمة الادارية ، لكنه اصبح عنوانا يصف المجتمع الصناعي الامريكي ، بينما يصف المجتمع الزراعي للامبراطورية الصينية .. فعملية التحديث تسير طبقا لخط واحد ، أي ببعد واحد من المرحلة الزراعية الى الصناعية بتأثير نوع من القوى الحتمية التاريخية المحركة للمجتمعات من نموذج لآخر .
ان هذه الصيغ تتفق مع نزعة التحديث من خلال التقليد للنموذج الاوربي والامريكي .. فالتحديث يقاس هنا بدرجة الانجاز لهذا الهدف . ان هذه النظرية وفقا لذلك لاتعطي اهمية لمستقبل الدول المتقدمة – التي حققت التحديث – وهذا يوحي انها قد وصلت للكمال ، أي ان المستقبل مهمل فيها ، او ان الحياة قد تجمدت بحالة سكونية ، وان الصورة الوحيدة المثلى هي المجتمعات المعاصرة التي يجب ان تحافظ على ما وصلت اليه .. وعلى الدول النامية ان تقلد نموذجها للوصول اليها ، وهنا فان الحداثة يعني ما هو كائن معاصر في الدول الغربية .. لذلك فان العديد من الكتاب يتجنبون ( ما هو كائن ) بالاتجاه نحو مصطلح ( التطوير ) Modernization
، ولكنه هو الآخر اثار خلافات . فقد استخدمه الاقتصاديون اولا في التطوير الاقتصادي المتضمن تحويل موارد الامة المحدودة وقواها الانتاجية بشكل يزيد انتاجها القومي من السلع والخدمات وزيادة نصيب الفرد . ثم استخدم مرادفا للتحديث السياسي ، وادى لنفس المحاذير – بالاكتفاء بالاشارة الى الدول الغربية المتقدمة ، او تقليد الغرب ( التغريب ) Westrenization . فالتطوير استخدم بأربع طرق مختلفة جغرافية ، لغوية ، هدفية ، وظيفية .
جغرافية : يشير للدول النامية المتطورة Developing states ، أي الدول الفقيرة الاقل تصنيعا .
لغويا : ربط التطور السياسي بعملية التحديث الواسعة ، وبالتالي تعريف التنمية السياسية – التطور بأنها التحديث السياسي بشكل مترادف .
من وجهة النظر الهدفية : فالتطور السياسي هو التحرك باتجاه تحقيق الاهداف المرجوة التي يراها النظام السياسي .. ومن هذه الاهداف : الديمقراطية ، الاستقرار ، الشرعية ، المشاركة التعبئة ، المساواة ، القدرة ، التخصص ، التكامل ، العقلانية ، الاتجاه نحو البيروقراطية ، الأمن ، الرفاه العدالة ، الحرية .
و من وجهة النظر الوظيفية: يعني حركة النظام السياسي باتجاه مماثل للعملية السياسية في المجتمع الصناعي الغربي ، مثل وجود الاحزاب السياسية ، وغيرها من منظمات مجتمعية ، كضرورة وظيفية في المجتمع ، ووجود هذه الاحزاب وتطورها ضرورة مهمة للتطور – التنمية السياسية .. وبهذا الشكل فالتطور السياسي ليس نتيجة للتحديث ، لكنه يشير للمتطلبات السياسية للمجتمع المعاصر الذي يؤدي وظائفه بفعالية . فالتطور يحدث عندما يكون النظام السياسي قادرا على التكيف وتحويل المدخلات الكمية والنوعية ، والا فانه يتراجع ، أي يكون تطوره سلبيا !!!
فهنالك اربعة انواع من المشاكل والتحديات التي تواجه أي نظام سياسي :
مشكلة بناء الدولة – لزيادة التكامل .
مشكلة البناء الوطني ، الولاء والانتماء
افساح المجال للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار .
مشكلة توزيع الرفاه – اعادة توزيع الثروة .
وحسب الموند فان هنالك خمسة عوامل تؤثر في التطوير السياسي :
تتابع أم تراكم المشاكل .. في الغرب كانت بالتدريج التاريخي .
توافر الموارد .
تطور النظم الفرعية بشكل منسجم .
مدى تكيف النظام السياسي القائم .. أي قدرته على التفاعل مع المؤثرات البيئية .
قدرة القيادة السياسية وابداعها .
اذ ان الموند يستخدم المنهج الوظيفي في التحليل ، وهي في نظرة تعتمد على ثلاثة ابعاد :
القدرة على تحويل المدخلات الى مخرجات ( انتاج )
صيانة النظام والمحافظة عليه ( الاستقرار والامن والاتصالات )
التكيف مع البيئة .
كذلك لابد من التأكيد على اهمية التخصص الوظيفي للنظام لزيادة قدراته .. من خلال ظهور التنظيمات البيروقراطية العقلانية ، اذ لايمكن لأي نظام ان يطور قدراته دون بيروقراطية حكومية عصرية .
وفي النظم المعاصرة تقوم الشرعية في جانب مهم منها على الاداء ، أي وظائف الدولة ، النظام السياسي في حفظ النظام ، وفي توزيع الموارد ، وفي التعبئة للموارد الوطنية ، اضافة الى مشاركة المواطنين في العمل السياسي .
وحسب مونتي بالمر فان التحدي الذي يجابه التطور السياسي هو كيفية انشاء نظام من المؤسسات السياسية القادرة على تعبئة الموارد البشرية والمادية لتحقيق الاهداف الاقتصادية واحداث التحديث الاجتماعي ، ومعالجة المشاكل الناجمة من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. فالدول التي يستطيع النظام السياسي فيها ان يكون على مستوى التحديات - استمرارية – لعدة سنوات تعتبر دولا متطورة سياسيا . وهنا يشير بولسون الى اهمية المؤسسات الادارية لحل التناقضات والمشاكل والوصول الى توافق وطني .. وان التطور السياسي حسب نيدلر هو عملية الانتقال من حالة توازن مستقر الى اخرى . وان التطور السياسي هو عملية استيعاب الدولة اكبر عدد من المواطنين في العملية السياسية على اساس من المساواة .
أما جاكورابيه فأنه يقدم نظرية من اكثر النظريات الشاملة الحديثة اهمية ، من خلال استعراض ما قبله :
التطور السياسي مرادف للتحديث السياسي .. على اعتبار ان التحديث هو التحول الذي حدث في المجتمعات الغربية منذ القرن الثامن عشر .
الكتاب الذين يفهمون التطور السياسي بانه التعبئة السياسية والتكامل السياسي والتمثيل السياسي .
فجاكوربيه يقدم نظريته الخاصة ، اذ يرى ان التطور السياسي هو التحديث والتأسيس . وان التحديث يتحدد بالاتجاه العقلاني ، والتخصص الوظيفي ، والكفاءة . وتقاس العقلانية في اتخاذ القرار بمدى استعمال المعلومات ودقتها.. وانه كلما زادت عقلانية القرارات كلما زادت علمانية النظام السياسي .
أما مفهوم التأسيس : فهو زيادة عوامل المشاركة في الدولة من خلال التعبئة والتكامل والتمثيل . ويؤكد جاكورابيه على ضرورة التوازن بين التحديث والتأسيس ، اذ ان أي خلل في أي منهما يؤدي الى اضرار ، كالعنف او الى احباط قدرات النظام او فشله .
الفكرة الاخيرة لجاكوارابيه تدور حول ما يسميه بالجوانب السياسية الثلاثة :
تطور قدرات النظام السياسي .
تطور مساهمة النظام السياسي في التطور الشامل للمجتمع .
تطور قدرة النظام على الاستجابة ( التفاعل والتكيف ) .
هذه الفكرة تتجنب المرحلية او المراحل اللازمة لتطور السياسي .. بل ترى امكانية الافادة من المؤسسات والمفاهيم التقليدية للوصول للتحديث ، وبذا تتجنب الايديولوجيات السياسية التي لاترى الا السير وفق النمط الغربي ( وتقسيماته المرحلية ) للوصول للتحديث . وبالرغم من ان مشكلة هذا التحليل في انه لايفرق بين الاستقرار السياسي – الاستمرارية – وبين التطور او التحديث .. فهو لايرى فرقا بين بريطانيا وتايلند ... وغيرها فكلها متطورة سياسيا
فيما قدم صموئيل هنتنجتون أفضل تحليل لعملية الانحلال السياسي ، فهو يهتم بفهم الظروف المؤثرة في التغيرات الاقتصادية الاجتماعية وان مؤشرات وجود النظام السياسي او عدمه واضحة ، من خلال عدم الاســـــتقرار ،العنف ،العصيان ، الاضطرابات . ويطرح فرضية ( الهوة السياسية ) كتفسير لذلك ويجمع الجوانب التحديثية في فئتين ، التعبئة الاجتماعية والتنمية .. فالتعبئة هي تغير في اتجاهات وقيم الناس من التقليدية الى المعاصرة بفضل الاتصالات الحديثة والتعليم ووسائل الاعلام والتمدن .. اما مفهوم التنمية ، فيشير للنمو في النشاط الاقتصادي والناتج القومي ومستوى التصنيع والرفاه . فالانسان التقليدي عندما يتعرض لخبرات جديدة في عملية التعبئة الاجتماعية تزداد طموحاته واحتياجاته بشكل يصعب على النظام السياسي تلبيتها ، فيؤدي الى فجوة بين الطموحات والقدرة على اشباعها فيكون هذا مؤشرا على عدم الاستقرار .. وهذه الفجوة تظهر بمظاهر عديدة مثل التضخم والفساد والفجوة بين الريف والمدينة ويؤدي ذلك الى صراع طبقي ، للاعتقاد بان المجتمع قد اصبح تحت سيطرة الصفوة ، ويؤدي الى الثورة .
ان المؤسسة المتميزة للدولة المعاصرة هي الحزب السياسي فمنذ 1800 م فان تنمية الحزب السياسي سارت بشكل مواز لتنمية الحكومة الحديثة ، واصبح دور الحزب المنظم رديفا للاستقرار ( ان الحزب ليس مجرد تنظيم مكمل انه مصدر الشرعية والسلطة ) .. يفهم مما مر ان عملية التحديث معقدة وممكن ان تؤدي الى انهيار سياسي وفساد واسع لان المؤسسات ليست قادرة على تلبية الطلبات الجديدة الناتجة عن توسيع المشاركة السياسية . وبذا تتساوى لديه طبقا لتعريفه للدول المشاركة ، النظم الديمقراطية الغربية والنظم الشعبية الشيوعية .. فهي دول مشاركة رغم اختلاف الطريقة ، واشكال الحكومات .
وحسب هيدجر في كتابه ( سياسة التخلف ) فان السياسة في العالم الثالث تقوم على الجماعات والفردية والمناورات ، وهناك تتفشى النزاعات الاقليمية والخلافات والعنف مما يدفع الجيش للاستيلاء على السلطة .. وذلك يفاقم تفتيت النظام السياسي .
فيما اقر جون كوتسكاي ان ليس هنالك طريقة – نموذج واحد للتطور السياسي . فالتحديث يجلب تغييرا سياسيا ثوريا يؤدي عادة لصراع بين قادة التحديث مما قد يؤدي للارهاب ، والى قمع قوى المعارضة .
لذا فأن نظرية التبعية تقوم فرضيتها الاساسية على التركيز على دور العوامل البيئية – النموذج الغربي في عملية التنمية ، فيؤدي الى التخلف وذلك لمحدودية الخيارات . اذ ان ظهور ما يسمى بالمسألة الثنائية ، في النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ، من خلال اكثرية من دول العالم الثالث في حالة تبعية وعدم استقلالية ، مع بروز هيمنة امبريالية ، أي بتقسيم العالم الى شمال متقدم ، وجنوب تابع من خلال الاستعمار الكولونيالي المباشـــر ، أو تبعية من خلال الاستعمار الجديد- اقتصاديا ، من خلال مبادلة السلع المصنعة بالمواد الخام ، وما يستتبعه من التشويه والمسخ الاقتصادي ، أي اقتصاد البعد الواحد والانحدار نحوالمزيد من التبعية السياسية والمالية والثقافية ، ومن ثم السقوط في هاوية التخلف .



المصادر :
ـــــــــــ
للمزيد انظر :
1- فيرل هيدي ، ترجمة الدكتور محمد قاسم القريوتي " الادار ة المقارنة الحديثة " دار وائل ، عمان ، 1989
2- الدكتور ابراهيم درويش " الادارة العامة نحو اتجاه مقارن " القاهرة ، 1974
3- الدكتور محمد فتحي محمود " الادارة العامة المقارنة " الرياض ،1997








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية