الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب العراقية والديمقراطية أول أختبار حقيقي للحياة الحزبية في العراق

أسعد الخفاجي

2003 / 11 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل يخدم التشكيك المفرط  في برامج وخطابات الأحزاب السياسية التي نتعامل معها  عملية البناء الجارية في بلدنا؟  وكيف يمكن للعراق أن يستقر و ينتعش أقتصاده ، ويرتقي مستوى التطور الحضاري فيه ، أذا واصل البعض من القادة السياسيين ورجال الدين والمثقفين والكتاب ، مأخوذين بسحر "نظرية المؤامرة" و بهاجس التنقيب عن "الأجندة الحقيقية" لدى الآخرين ، أذا واصلوا ممارسة منهج التسقيط  و الأقصاء في تعاملهم مع الأحزاب الأخرى؟!

 

تهدف الأحزاب الأسلامية ، أذا أستولت على السلطة السياسية ، الى تحويل العراق الى ولاية للفقيه!  هذا أذا كانت تلك الأحزاب شيعية.  وأذا كانت سنية فسوف تخضع دستورها لمنهج أبن تيمية.   ولدى أستيلاء اليساريين والعلمانيين على مقاليد الحكم فكل المساجد والكنائس العراقية سوف تتحول الى خمارات أو  كازينوهات للعب القمار!   في حين سوف يدمج القوميون العراق ، أذا حكموه ، بسوريا ومصر والصومال واليمن وأريتريا ليقيموا جمهوريتهم العربية المتحدة!   كل هذا بكفة ، وفي الكفة الأخرى سنرى العجب العجاب أذا تسنى للقوميين الأكراد أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم!  حينذاك  سوف يقيمون دولة كردستان الكبرى التي ستبتلع النصف الجنوبي من تركيا وسائر المنطقة الشمالية من أيران وكل شمال العراق حتى مآذن الحضرة الكاظمية ، بالأضافة الى أجزاء كبيرة من سوريا ولبنان وروسيا وربما الصين أيضاً!

 

هذه ليست أخباراً سمعناها من أحدى الفضائيات العربية البارعة في فبركة الأحداث التي لم تحدث!  وأنما حقيقة راسخة في عقول المشككين من القادة السياسيين والمثقفين والكتاب ، قصيري النظر، الذين أشرنا أليهم في بداية حديثنا.   ومما يثير المخاوف لدى المخلصين من القادة السياسيين وعامة المثقفين المواكبين للتغييرات الأيجابية الحاصلة في البنية السياسية والأجتماعية في العراق ، تعاظم الدور التخريبي الذي يلعبه هؤلاء على الساحة ، سواء أكانوا داخل عملية التجديد الفعلية كمتحالفين مع السلطة الحاكمة ، أم خارجها ضمن صفوف ما أصطلحت عليه تلك الفضائيات بالمقاومة العراقية.

 

الطيف السياسي الجديد

 

وقد ينتمي هؤلاء المشككون الى أي جزء من مكونات الطيف السياسي العراقي الحديث!    ولربما يفاجئنا القومي أو الكردي أو الأسلامي أو اليساري ، على حد سواء ، بطرح ما يؤرقه من تصورات مشحونة بالريبة والشك حول خطابات الغير!   والطريف في الأمر أنه لا أحد من هؤلاء ينجو من طاحونة الشك هذه!  الكل ينصبها سلاحاً مضاداً للآخرين ، والكل يصبح ضحيتها!  أنها دوامة الصراع الأزلي بين المتنافسين الساعين الى الكسب الحزبي والعقائدي بأبخس ثمن!   بالدجل ، وتلطيخ صفحة الغير!   وينقلنا هذا الموقف البدائي البليد الى مشهد مشابه في صحراء الله الواسعة:  أقتتال ضبعين من أجل السيادة على بقعة فيها لا تتجاوز مساحتها هكتاراً من الرمال الجافة!

 

فأذا قرأنا في برنامج حزب سياسي ألتزامه التام بالديمقراطية وأحترام حقوق الأنسان ، فمالفائدة أذن من أستنباط أو أستقراء أهداف أخرى مخفية نسندها الى هذا الحزب على ضوء التصورات الجاهزة لدينا المشحونة بالذاتية والتحيز السلبي ضده ، مادامت تلك "الأهداف المخفية" المستنتجة تتناقض جذرياً مع الألتزام الصريح ، الذي يتضمنه البرنامج ،  بالمبادئ الديمقراطية والدفاع عن حقوق الأنسان ،؟!    ومن نافلة القول أن جميع الأحزاب العراقية التي أيدت عملية التغيير الجذري للنظام الحاكم ، قد أدخلت هذه الفقرة الأساسية في برامجها السياسية ، وجعلتها ضمن أهدافها الأساسية!

 

بالأضافة الى ذلك توجد لكل أنحراف محتمل عن تلك الأهداف المركزية المعلنة للأحزاب ، وفي طليعتها الألتزام بالديمقراطية ، محددات طبيعية تمنعها من الأنحراف عنها وتحقيق أي من "الأجندات الكامنة"!   وليس من المعقول ، على سبيل المثال ، أن يحقق القوميون الأكراد "أهدافهم المخفية في الأنفصال" في ظل المناخ السياسي الأقليمي أو الدولي!   كذلك لايمكن توفير أجماع أسلامي على أقامة الدولة الأسلامية أذا كان ذلك أحد "الأهداف المخفية" للأحزاب الأسلامية!  فلا الأسلاميون هم الأغلبية المطلقة في العراق (هناك مسلمون أكراد وسنة وشيعة وعلمانيون!) ، هذا من ناحية ، ولا الظروف السياسية الحالية في الشرق الأوسط ، لتسمح بذلك ، من ناحية أخرى!  كذلك الأمر مع القوميين أواليساريين أو العلمانيين الذين يعلمون ، قبل غيرهم ، أنهم سوف لن يحصلوا على أغلبية مطلقة من أصوات الشعب  العراقي في الأجل القريب!

 

الواقع أن الألتزام بالمبادئ الديمقراطية وأحترام حقوق الأنسان هو صمام الأمان الذي ينجي البلاد من أية مغامرة قد تنتهي بها ـ لا سمح الله ـ  الى منزلق الديكتاتورية وحكم الفرد الذي لاخلاص منه!   وطالما أتفقت جميع الأطراف في الأحزاب والشرائح السياسية المتعاونة والمتآزرة على الألتزام بلعبة الديمقراطية والشفافية في كل خطوة يخطونها سوية ، فليس من السهل على جهة مغامرة أن تسرق الوطن منهم  مرة أخرى ، لا سيما أذا كانت  تلك الجهة المغامرة غير متحالفة مع عملاق دولي!   ومن أهم الأسباب التي تجعل الحريصين على العراق متفائلين ، هو حالة الأبتعاد عن جميع المعوقات والعراقيل التي تنتهك موضوعية التعامل مع الأحزاب السياسية ، على مختلف مواقعها ضمن مكونات الطيف السياسي العراقي.    على أنه ينبغي على الأحزاب أن تكون واضحة وصريحة عندما تضع برامجها السياسية وتعلنها للشعب العراقي للتصويت عليها وتبنيها في مرحلة الأنتخابات الوطنية المنتظرة.   فأصوات الجماهير هي وحدها القادرة على تزكية البرامج والخطابات السياسية للأحزاب ، وليس التنقيب غير المثمر عن "الأهداف والأجندات المخفية" للأحزاب!

 

ومما يدعو الى التفاؤل حقاً أن جميع الأحزاب العراقية مجمعة في خطاباتها وبرامجها السياسية المعلنة على الألتزام بالديمقراطية والتعددية وأنتهاج سياسة المجتمع المدني الذي تحترم حقوقه الأساسية على ضوء الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948.   والمطلوب في هذه المرحلة الحاسمة التي يمر بها وطننا العراق ،  من كل حريص على أنجاح العملية الديمقراطية ، أن يتحلى بالروح الديمقراطية وبالشفافية  ويجبر  نفسه على التعامل الموضوعي النزيه مع الآخرين بهدف الحوار الأيجابي البناء القائم على الثقة المتبادلة ونكران الذات ومناقشة البرامج المعلنة ونبذ التنقيب غير المجدي عن "الأهداف المخفية والكامنة" للآخرين!.   حينذاك فقط تتوطد ركائز بناء المجتمع المدني الديمقراطي ، ويضيق الخناق على قوى الشر المتربصة بالعراق ، وتهل علينا بالفعل بشائر الأستقلال الناجز والسيادة الأكيدة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟