الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل شيء كذب ونفاق على الجبهات الوطنية والقومية – 2

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 11 / 23
الادب والفن


" إنه لم يتجاوز التاسعة عشر من العمر، لكنه متطوع في جحيم حرب قتاصات الخنادق. يروي عن الوساخات ، والآلام و الندم. ورغم كل ذلك يحكي عن الصداقات، و التضحيات الحميمية، و الأمزجة .
لا يبتغي هذا الكتاب أن يكون شكوى ولا اعترافا، يقول ريمارك.
هذا الكتاب يريد فحسب أن يكون محاولة الحديث عن جيل تم تدميره في الحرب_ ولو نجى من القنابل."

من رواية " كل شيء هاديء على الجبهة الغربية"
.... .. ..
ولد أريك ماريا ريمارك في اوستنابروك ، ألمانيا، عام 1898 لعائلة من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى. أجبر عام 1916 على الخدمة العسكرية في الجيش الألماني للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، و أصيب فيها بجروح بالغة. وبعد عشر سنوات من انتهاء الحرب، طبع كتابه بالألمانية والتي ترجمت إلى العربية تحت عنوان " كل ّ شيء هادئ على الجبهة الغربية"، وهي تدور حول معايشة الجنود الألمان العاديين للحرب.
وبينما تتحدث روايات أخرى عن الحروب من منطلقات حماسية و العزة القومية و إذكاء نار الفرقة و زرع بذور الشقاق و العنصرية بين أبناء الشعوب ، مثلما كتب كتّاب قادسيتي عكرمة و صدام لتصوير الصور من المعارك،إذ من البديهيات أن على ماكينة الدعايات الحربية للأنظمة لتعبئة الناس للقتل أن تزرع الكراهية والأحقاد لكي يقدر الجندي على قتل الجندي في الطرف المقابل.
وقد حطم ريمارك الأساليب التقليدية لكتابة روايات الحرب ، و أصبحت روايته عالمية و صورت عام 1930 كفلم ناجح تحت نفس عنوان الرواية.
بعد وصول هتلر إلى السلطة عام 1930 في ألمانيا، هاجم النظام النازي رواية" كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" متهما إياها باللا وطنية. وخشية الانتقام لم يبد ِ ريمارك أية مقامة على اعتداءات النظام النازي ، وقام بطبع كتاب آخر عام 1931 باسم " طريق العودة" يصف معاناة المدنيين الألمان من آثار الحرب بعد انتهائها. وعلى إثر نشر الكتاب المذكور الذي اعتبره النظام النازي تحديا له و مثيرا للمعارضة ضده ، هرب ريمارك إلى سويسرا مع زوجته جوتا زامبونا عام 1932. أصدر النظام النازي عام 1932 قرارا بمنع روايتي ريمارك و قام بحرق نسخهما حيثما وقعت عليها عيون النظام وجلاوزته. رحل عام 1939 إلى الولايات المتحدة مثل معظم المثقفين الألمان الهاربين من النازية، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1947. و أثناء الحرب العالمية الثانية قتل النظام النازي شقيقته لصلاتها مع شقيقها.
وقد ألهمه عشقه للممثلة مارلين ديتريخ و هيامه بها إلى كتابة روايته " قوس النصر" . وتزوج عام 1958 نجمة سينمائية أخرى وهي باوليت جوددارد ، فانتقلا إلى بورتو رانكو بسويسرا حيث مات ريمارك في 25 سبتمبر عام 1970.
تعالج أغلب روايات ريمارك القضايا السياسية والاجتماعية في أوروبا في فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية. تحولت العديد من هذه الروايات إلى أفلام. و ستبقى رواية" كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" رائعته وعملهم الأعظم لشعبيتها و كثرة الدراسات النقدية عنها. وستبقى هذه الرواية و العمل السينائي المبني عليها من الأعمال الخالدة المناهضة للحرب و الغطرسة القومية والشوفينية القومية.

أكثر الانتقادات لذعة والموجهة إلى الوطنية والقومية هي مصوبة في الوقت ذاته إلى أفكار شخصية "كاتورك" ومواقفه السياسية ، ذلك المعلّم الذي يحاول ما بوسعه أن يقنع بخطاباته الحماسية باول وزملاءه للانخراط في سلك الجندية في مستهل الحرب. يستخدم كاتورك البلاغة المثالية والوطنية والشاعرية لتبليغ أفكار الوفاء الوطني والأمجاد القومية. في رسالته للشباب، مثلا، يدعوهم بالشباب الحديد، و" ينطوون على القوة والشجاعة والمرونة وغيرها من الصفات التي فشلت في تصوير أهوال الحرب التي تجعل الرجال يائسين ومحبطين يتشبثون بالقش للبقاء على قيد الحياة. وكلما تذكر باول و رفاقه خطابات كانتورك وهم في الخطوط الأمامية للموت ازداد مقتهم واشمئزازهم من القومية و الوطنية. و يحملّون في بداية الرواية ، كاتورك موت جوزيف بيهن المبكر، مدعين أن المعلّم لم يدرك أن الأفكار الفارغة والغطرسة لا يمكنها حماية الشخص فيزيائيا أو نفسيا أو عاطفيا في قلب المعركة.
السلاح الرئيسي للرواية الموجه نحو فكرة الوطنية هو ببساطة تصويرها القاسي لصور الدماء والأشلاء البشرية و الحيوانية الأخرى. فكل مشهد لأية معركة تنقلها الرواية هي صور للعنف الإجرامي و أوصاف دموية للموت والإصابات .مشاهد المستوصف الميداني تنقل للقارئ تعابير رهيبة عن الجروح المروّعة مستحيلة الالتئام بسبب شحة الأدوية والوسائل الطبية الأخرى. وبينما يحمل باول الجريح كات على ظهره لينقله إلى موضع آمن، فتصيب شظية شربنل رأس كات.
وبسبب جفاف مشاعر الجنود يتعاملون مع الموت بكفاءة لا شخصية: الطباخ يتساءل إن كانت الضوابط العسكرية تسمح بإعطاء جراية الجنود القتلى إلى الجنود الباقين على قيد الحياة.، و حين يلفظ كيمريخ أنفاسه الأخيرة، لم تيبس الدموع في مآقيه بعد حتى يتسارع جنود لإخلائه لإشغال سريره. وفي أجواء العنف الرهيبة هذه ، تفقد الخطابات القومية والوطنية قوتها الاقناعية و تكشف عن وجهها الريائي المضلل.

يشير ريمارك في هذه الرواية إلى أن أي جندي لكي يعيش هذه الأجواء الحربية عليه إطفاء ذاكرته والتحرك وفق ما تملي عليه الغرائز، وأن يتحول إلى أقل من كائن بشري ، و أسمى شيئا ما من الحيوان. يتصور باول نفسه "حيوانا إنسانا"، وبقية الجنود الناجين من الموت في المعارك تحركهم الغرائز أيضا. معايشة المعارك بهذه الطريقة حيوانية تماما في هذه الأجواء، حين يطيع الجنود غرائزهم بدل العقل والحكمة ويستشمون كالكلاب إمكانيات الأمان حيثما كانت. وبهذا تتحطم إنسانية الجنود، وتسلبهم الغريزة الحيوانية إمكانية الشعور ما يجعلهم يسلكون كوحوش لا كبشر اجتماعيين.

لا يكثر ريمارك في روايته " كل ّ شيء هادئ على الجبهة الغربية" من توظيف الرموز ، لكن أهم رمز في الرواية هو جزمة كيميرخ التي يتناوب على امتلاكها عديد من الجنود بعد موت مالكها. كيمريخ نفسه انتزعها من جثة طيار مقتول، وبينما كان كيمرخ يستلقي على فراش الموت يبدأ مولر حالا بالمناورة لاستلام الجزمة العسكرية. يأتي باول بها لمولر بعد موت كيمرخ ، ويأخذه لنفسه بعد مقتل مولر في الرواية. بهذه الطريقة، تمثل الجزمة رخص الحياة البشرية أثناء الحروب و سلطات القوى القومية. فرجتان جيدتان لجزمة هما أثمن و أطول دواما من حياة البشر. والسؤال من سيرث الجزمة يظلل موت مالكيها. الجزمة ترمز أيضا إلى البراغماتية الضرورية التي ينبغي لكل جندي أن يحوزها. ولا يمكن لأحد أن يخنع لعواطفه بين أنقاض الحرب، بل عليه أن يردم منابع الحزن و اليأس مثل أية ماكينة.
يتبع

في متناولي الآن الترجمة السويدية للرواية :
E.M.Remarque
PÅ VÄST FRONTEN INTET NYTT
ترجمة:
كورت بري
مراجع مفيدة:

http://en.wikipedia.org/wiki/Erich_Maria_Remarque


http://en.wikipedia.org/wiki/All_Quiet_on_the_Western_Front_%281930_film%29








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
لمى محمد ( 2012 / 7 / 8 - 17:43 )
مقالك رائع أستاذ حميد.. و رواية - كل شيء هادئ على الجبهة الغربية- تستحق القراءة بالفعل، تجعلك تفهم ( نوعا ما) كيف يفكر الجندي المغلوب على أمره، و كيف يستمر في دورانه في أعاصير الجنرالات و صناع الحروب.. فإما أن يشوه جسديا أو أن يموت.. لكن التشويه النفسي لا مفر منه...

قلت دائما:  
الحرب هي أم فخرية للكثير من الأمراض النفسية..
 و في تنجيمي حرب كبيرة ( ثالثة للعالم) .. و أولى للأغبياء الذين لا يبصرون الماضي و التاريخ.. قادمة قريبا..
و سيكون - كل شيء هادئ على الجبهة( الشرق أوسطية).



أقترح عليك إعادة نشر المقال.. مناسب تماماً لهذه المرحلة من تجريم الأبرياء.. تقديري سيد الليلك الصديق.

8-7-2012


2 - إلى الحكيمة لمى
حميد كشكولي ( 2012 / 7 / 8 - 19:36 )
تحياتي لك و شهادتك على المقال اعتبرها وساما على صدري. رغم معاناة البشرية من الحروب الا انها لا تتعلم من دروس التاريخ لهذا تكرر اخطاءها. و الحرب العالمية الثالثة كما تفضاتي على الابواب.
المقال سوف اعيد انشره بعد تشذيبه و اعادة صياغته اذ انه من 3 اجزاء
ممتن لك امتنانا بلا حدود
مودتي
حميد

اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع