الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمام -الغول- الدمغرافي اسرائيل تراوح بين الترانسفير والانسحاب

محمد بركة

2003 / 11 / 13
القضية الفلسطينية


في معزل عن تباين التقييمات والمواقف من وثيقة جنيف التي جرى التوصل اليها في حوار بين شخصيات اسرائيلية وفلسطينية بارزة، ولكن غير رسمية، فان طرح هذه الوثيقة على سوق التداول السياسي والاجتماعي في اسرائيل قد ترك بصمات واضحة على مستويات القرار والرأي العام في اسرائيل.
شارون- رئيس الوزراء الاسرائيلي- عاد لادعاء تبنيه لخارطة الطريق ( مع تحفظاته ال14) بوصفها " برنامج السلام " الوحيد، تحت وطأة الاخفاق الامني الاسرائيلي في تصفية الانتفاضة الفلسطينية الى جانب فداحة الثمن الاقتصادي الذي تدفعه اسرائيل بينما اعتبر ان تبني وثيقة جنيف من قبل اوساط اسرائيلية يحمل نزعات خيانية لاسرائيل وللمشروع الصهيوني.
في اول استطلاع للرأي تبين ان 39% من الاسرائيليين يؤيدون هذه التفاهمات، وهذا الامر وجد تعبيره في خروج اكثر من 100 الف اسرائيلي للتظاهر في ذكرى اغتيال رابين يوم السبت المنصرم ( 1.11.2003 ).
اليسار الصهيوني ممثلا بحزب العمل وحزب ميرتس، بدأ يسمع اصوات معارضة لحكومة شارون في السياق الاقتصادي والاجتماعي اساسا، ولكن في السياق السياسي ايضا.
كل ذلك الى جانب انهيار كذبة براك التي امتطاها شارون في المعركة الانتخابية التي جاءت به الى السلطة ( شباط 2001) ومؤداها انه بعد مفاوضات كامب ديفيد ( تموز 2000) ثبت انه لا يوجد شريك فلسطيني للتوصل الى السلام، وان عرفات يهدف الى القضاء على اسرائيل، و"ثبت" بالتالي حسب نظرية براك انه لا يوجد ما يمكن التفاوض عليه اذا كان الامر منوطا بتهديد وجود اسرائيل.
لكن الامر الملفت للنظر هو ان الاوساط اليسارية الصهيونية المشاركة في صياغة وثيقة جنيف قد قررت ان تلوّح للاسرائيليين بخطر التوازن الديمغرافي وتكاثر العرب في فلسطين التاريخية   وتهديد يهودية أسرائيل، لاقناعهم بضرورة الانسحاب من المناطق المحتلة عام 67 وقد عبرت الوزيرة السابقة واحدى المشاركات في صياغة تفاهمات جنيف عضو الكنيست يولي تمير عن هذا التوجه بصراحة.
لا شك ان الهاجس الدمغرافي يسكن الفكر الصهيوني منذ بدايات الحركة الصهيونية في اواخر القرن الماضي عندما قيل ان فلسطين هي "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض".
وقد عبّر دافيد بن غوريون، اول رئيس حكومة في اسرائيل ومهندس قيامها، عن هذا الهاجس الاقتلاعي ضد الشعب الفلسطيني عندما كان مسؤولا بارزا في الحركة الصهيونية، وتحديدا في المؤتمر الصهيوني العشرين عام 1937 بقوله " ان الترحيل الاجباري للعرب اصبح من اهم القضايا التي عالجها ووافق عليها المؤتمر الصهيوني العشرين في زيوريخ".
وانبثقت لجنة الترحيل عن المؤتمر المذكور التي قررت ان الحل الوحيد هو "ترحيل العرب من هنا الى البلدان المجاورة".
وبعد ذلك اعترف اسحق رابين في كتاب مذكراته الذي حمل عنوان "مفكرة خدمة"، بالمجازر التي قامت بها الحركة الصهيونية في اللد والرملة لتهجير اهلها عام 1948 بقرار من بن غوريون.
وجرى تتويج هذا التوجه عام 1952 من قبل رئيس الوكالة اليهودية رؤوبين بركات الذي اعلن، على خلفية بقاء اكثر من 160 الف فلسطيني في الحدود التي قامت فيها اسرائيل، " اننا لم نتوقع بقاء عرب في هذه البلاد".
والحقيقة ان ادبيات الحركة الصهيونية تعج بالقرائن والمستندات فيما يتعلق بفكرة الترانسفير والتهجير.
ومن الخطورة بمكان ان تجتاح فكرة الترانسفير رأس السلطة ومركز القرار في اسرائيل حيث يروج لها اليمين الاسرائيلي من خلال احزاب مركزية تشارك في حكومة شارون، والتي جرى صياغتها في ما عرف باسم وثيقة مؤتمر هرتسليا (19-21/12/2000) بمشاركة مجموعة من ابرز المثقفين والعسكريين والسياسيين والاكادميين الاسرائليين، وجرى تقديم الوثيقة رسميا الى رئيس دولة اسرائيل موشي كتساب، لا بل فان الكنيست قد اقرت بالاغلبية عددا من القوانين منها تعديل قانون الجنسية لمنع الفلسطينيين من جانبي الخط الاخضر من اقامة عائلات مشتركة فيما بينهم الامر الذي تعتبره المؤسسة شكلا من اشكال التنفيذ الزاحف لحق العودة.
 على ذلك فان حقيقة لجوء مجموعة جنيف الاسرائيلية الى لغة شمعون بيرس، رئيس حزب العمل والزعيم التاريخي في الحركة الصهيونية ، يحمل دلالة واضحة على ان الدعوة لفكرة السلام والانسحاب منوطة بدغدغة ومخاطبة الذهنية الاقتلاعية المتجذرة في اعماق الفكر والتربية الصهيونية.
فقط قبل عدة اسابيع عاد بيرس، في اجتماع لرؤساء كتل المعارضة في الكنيست، وطرح مقولته حول ضرورة الانسحاب واقامة دولة فلسطينية بسبب الحاح القضية الدمغرافية وعندما واجهته بالقول انه آن الاوان للدعوة الى الانسحاب واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لان هناك شعب يناضل من اجل حريته وتقرير مصيره أصرّعلى تغليب القلق الدمغرافي.
نحن نعلم بالطبع من اين تأتي هذه المخاوف...
وفق كتاب الاحصاء السنوي الصادر عن دائرة الاحصاء المركزية في اسرائيل حول معطيات العام 2002 يتبين انه يعيش في اسرائيل اليوم 6631100 مواطن منهم 5091000 من اليهود الى جانب 1264900 من العرب وبضمنهم سكان القدس العربية المحتلة الفلسطينيين وسكان هضبة الجولان السورية المحتلة السوريين.
وهناك ايضا 276 الف مواطن غير يهود وغير عرب وهم بالاساس ممن هاجروا الى اسرائيل في اطار الهجرة الكبرى من روسيا في اواخر الثمانينات واوائل التسعينات.
كما يتبين ايضا ان عدد السكان في منطقة الشمال يبلغ  1.115.300 مواطن منهم 542.000 من اليهود الى جانب 567.700 من العرب.
وبحسب التقديرات الرسمية الاسرائيلية فان عدد السكان في اسرائيل سيبلغ مع حلول عام 2020 زهاء تسعة ملايين مواطن بينهم اكثر من مليونين من العرب.
واذا اخذنا بعين الاعتبار ان عدد السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967 ( حسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني) يبلغ اليوم زهاء 3.6 مليون فلسطيني فان هؤلاء سيبلغ عددهم عام 2020 ستة ملايين فلسطيني.
خلاصة القول انه بحلول عام 2020 سيكون التوازن السكاني ( الدمغرافي ) في فلسطين التاريخية كما يلي : 6.9 مليون يهودي الى جانب 7.7 مليون فلسطيني.
ان محاولة الاوساط العنصرية في اسرائيل أضفاء النزعة التآمرية على مجرد انجابنا لاطفالنا-الامر الذي يعتبر اجمل ما يحصل لنا كما لكل البشر- هي محاولة مريضة تحاول الطعن في انسانيتنا، وبالمقابل فان صيحات النصر التي يطلقها بعض الفلسطينيين المقهورين الذين يتباهون بحرب الرحم- ادفأ واشرف ما في الكينونة البشرية- هي صيحات تتراوح بين السذاجة وبين الترويح عن الذات في مواقع العجز وبين التخلف.
ان معطيات التوازن السكاني للعام 2020 وحقيقة ان يعيش مجتمعان متقاربان عدديا في دائرة صراع ابدي، احدهما يملك السيطرة على الاقتصاد وعلى البنى التحتية وعلى السلاح والقوة العسكرية وعلى الابحاث والتكنولوجيا وعلى الدعم الامريكي،  والآخر يتنامى عدديا ويلقى به في مهاوي الذل والقهر والتهشيم والتهميش، هذه المعطيات وهذه الحقيقة تحمل في طياتها بذورا مأساوية فظيعة قد يتحول فيه الواقع المريع الذي نعيشه اليوم الى حلم الناس في تلك الايام.
لذلك بالذات فان ضرورة الانسحاب والتوصل الى سلام شريف وعادل يجب ان لا يستند الى توازن الرعب المتبادل باطلاق "غول" اختلال التوازن السكاني، انما بتوازن المصالح في الحياة والاستقرار باطلاق حمامة السلام العادل.

 

*الكاتب رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام المساواة، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك