الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس من مكناس أو العقد الاجتماعي المرتقب

أحمد الخمسي

2007 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


مكناس الإسماعيلية. بلا حشاشين. مكناس التين والزيتون والرمان وكل ما ذكر في القرآن من حور عين وولدان مخلدين. مكناس الشبيهة بتلالها المخضرة وبقلاعها ذات التربة المحمرة، بما يوجد في غرناطة إلى اليوم. رأس الحربة للمتوسط الموحد وليس فقط المتحد بصيغة ساركوزي.

مكناس أوريد وبلكورة ممثلين للتوازن الحالي والممتد في المستقبل. صيغة التقاء قوتين نابعتين من التاريخ المتوسطي بعمقه الصحراوي. الدولة المنحدرة من جبال القرون أو الصاعدة من كهوف الصحراء. وقوة متغلغلة في مشاعر الناس وتوحشهم المتحضر منذ ألواح حمورابي، العين بالعين والحياة قصاص.

إن ما يوفر لمكناس مداخيلها الضريبية، بما يمكن بلكورة من برمجة الفائض في تشغيل المصلين وعباد الله المخلصين لحزبه ولله في نظر مريديه، هو ما يشكل موضوع الجزاء الحسن في الجنة بلا حساب. لذلك، تشكل مكناس معادلة مركبة بين القوى السياسية أفقيا وبين الأزمنة الوجودية عموديا. إنه الخمر بأنهاره الجارية في الجنة. مصدر مداخيل الجماعة الحضرية لبلكورة، وفقه الله لما فيه خير لمكانسه.

ومن مكناس إلى أرفود أومن مكناس إلى سبتة أو طنجة، طريق التمر والملح والشمع والذهب. أو العمود الفقري للكيان السياسي، المنبني على الارتباط بين المجتمع والاقتصاد، اعتمادا على الوعي بالجغرافيا لصنع التاريخ.

من يتأمل خارطة الطريق التي اتبعها الرشيد بن محمد بن الشريف، في حركته لتوحيد السياسة في المغرب تحت سلطته خلال ستينات القرن 17، يجد منهجية عسكرية مارسها قبله عبد المومن الموحدي ونظّر لها بعده قائد الصين الحديثة الموحدة، ماوتسي تونغ، بما عرف بتطويق المدن عبر احتلال البوادي والجبال في مسيرته الطويلة الشهيرة.

ولما أتى اسماعيل بن محمد بن الشريف، بعد الرشيد، لم يختر مكناس موقعا لبناء عاصمة العلويين، لو لم يقرأ جيدا المعادلة المركبة، ما بين الحطب والجمر، لصناعة التاريخ المغربي خلال القرون الأربعة الأخيرة. ونحن نسمع الحكاية، بغض النظر عن النية المبيتة لمن رددها أول مرة، والتي تصف استقبال محمد بن يوسف بعد الاستقلال لفرق ومجموعات الشرفاء بالمغرب. إذ، لاحظ تواضع العلويين في اللباس والمظهر، فدعا المجموعات للاختلاط حتى لا يظهر البؤس الشعبي ميزة للشرفاء العلويين، مقارنة بأناقة الفرق الشريفة الأخرى. فقال: "تخلطوا تخلطوا أالشرفا". وقد تكون الحكاية من اختلاق أعيان فاس ومراكش للتهكم على أهل مكناس. لكن العودة إلى هذا التفاعل بين الرفعة العسكرية والتواضع الاجتماعي، هو ما يترك القبيلة مادة خام للالتحام بأهل العقيدة قصد تدبير أمر الغنيمة. فمن أخرج ضرائب الخمر في مكناس من مكونات الغنيمة؟ سواء بمرجعية أمر الله الذي كان مقضيا عند بلكورة، أو أمر الدولة الذي وضع في يد حسن أوريد ليتدبر به العلاقة بين السيف والمحراب والمحراث. المهم هو عدم بلوغ القبيلة مرحلة التحلل الحضري وما يليه من تفكك في باقي أجهزة العصبية القبلية.

هذا الكلام كله من باب الإنشاء المكرر، عما بناه ابن خلدون، حول العصبية والدولة. لكننا في عصر الاندماج الحديث، بوسائل العقد الاجتماعي، والسيادة الشعبية، ودولة القانون، والبناء الديمقراطي، والتنمية البشرية، وحقوق الإنسان الفردية والضمانات للأقليات. لذلك من المفيد، البناء عليه، قصد التوليف ما بين الاستسقاء والمعرض الدولي للمنتوج السياحي بالطابع المكناسي.

* * *

تحتضن مكناسة الزيتون الجذور النفسية للعائلة الملكية. فلعل محمد السادس الذي يخاطب أفراد أسرته، يجزم لهم أنه يعيد زخرفة مجد الشجرة كما كانت مكناس في عز اسماعيل.
فمن ملامح التاريخ الاسماعيلي جمع الزوايا الدينية التي تشكلت ساعتها لتعبئة المجاهدين قصد التدرب على المعاناة الجسدية لمجابهة العدو في المعارك. فالتعامل مع الماء الساخن الحارق وأشواك الصبار وتدريب الجسد على مواجهة السكاكين الحادة....كلها أساليب التدريب النفسي والعسكري فيما مضى على لحظات النزول إلى الثغور المحتلة، قصد تحريرها.
وقد نسي الناس تحرير مناطق البوغاز طنجة وما حولها، بفضل التدريب النفسي و"المهني" الذي أعطى نتيجة اخترقت كل توجيهات البابا الكنسية. كما تذكر الناس عبر أزمة الزيارة الأخيرة إلى سبتة وامليلية، الجهد المبذول سابقا لتحرير سبتة.

كانت سياسة اسماعيل جعل الدولة النواة، والزوايا الذوات، والقضايا القلم.
فمواسم اليوم لاحمادشة وعيساوة بقايا من سياسة تجميع للقوى المستنفرة للناس نحو الجهاد، طيلة القرن السابع عشر، للمحتل الإيبيري الذي اقتسم ما بين اسبنيول والبردقيز الساحلين الأطلسي والمتوسطي، على طول المغرب والشمال الغربي لافريقيا. بمباركة البابا في مجمعات الكنيسة الكاثوليكية.

فقد أرسل الملك الناطق باسمه وهو في الأصل من بين أبناء المنطقة. من كرّسه في الرأي العام بتلك الصفة، طيلة السنوات الأولى التي تشكلت خلالها صورة الملكية ما بعد 1999. ولم تمر الانتخابات الأولى بعد ذلك إلا وقد أصبح الرئيس المنتخب في الماركة المسجلة على حساب الحركة الأصولية المعتدلة، العدالة والتنمية: بلكورة.
ففي القرار صيغة من تلك التي جمعت الزوايا بمكناس، بيت القصيد المعارض ومربط الفرس الجانحة. ولعل قرار منح مسؤولية المجلس المنتخب في القصر الكبير وفي تمارة جارة الرباط ومكناس، تلخص رسائل الدولة تجاه الحركة الأصولية. من الارتباط المقبل بين المخزن والأصولية الدينية المسيسة. مما يعني التدرب على التعايش بين القوتين الأساسيتين من حيث النار والحطب.

* * *

لكن، جدل الشرنقة من الدودة إلى الفراشة يحمل التناقض البيّــن، ما بين الاستسقاء والمعرض الدولي للمنتوج السياحي المستهلك في الفنادق المصنفة. من التعليقات التي ربطت بين تفشي الثمالة وحوادث السير، استنتجت الكارثة المحدثة من الاستقراء والاستنباط معا، بكيفية كاريكاتورية. متناسية أن الأصل هو تفشي الأمية في أمة أهل الكتاب. أمية تبقي على النرفزة والمزاجية، خصوصا عندما تكون الطبقة العليا مسؤولة عن الأختلالات الكبرى في الاقتصاد والانتهاكات الجسيمة في السياسة، فينتقل التوتر من فواتير الماء والكهرباء، ومن "مركزية الأخطار" في النظام البنكي المستورد، إلى محاكم التوثيق لتسجيل طلبات الطلاق على حساب التنمية المستدامة والأجيال الصاعدة. لكن في بلدان تعميم التعليم والرفاهية الفعلية بغير الخمر وبه لا فرق، فالتكنولوجيا والتدبير الجيد يضبط خفض نسبة ضحايا حرب الطرق.

أما الربط المتناغم بين جمعة الاستسقاء وجمعة المعرض وجمعة المودة والتغذية الروحية، فالدرس أت من تركيا الجميلة. تركيا التي لم تتراجع أمام زوجة الرئيس المحجبة، تحت نظرة مصطفى كمال، ابن سالونيك التركية الضاربة في النخاع الأوربي. الفرق الوحيد الذي ما زال يفصلنا عن تراث الترك السنيين مثلنا، هي صومعتنا المربعة، والتي استوحى الأوربيون من هندستها صوامع كنائسهم. إن الدرس التركي الذي يمكن أن يفيد في مستقبل الأمة المتوسطية، هي تلك المناعة السياسية، الظاهرة في قدرة تركيا على حماية مسلمي قبرص، بل من أجل ذلك، أرغمت التنظيم العسكري لمنظمة حلف الشمال الأطلسي من استعمال قاعدة انجيرليك ستنين إلى أن أقر الغرب باقتسام شرعي للديانتين، الإسلامية والمسيحية للجزيرة المذكورة.

أما التوريط المتهالك للدين في الأنظمة العربية وبإفراط، لم يحفظ تلك الأنظمة من فقدان المناعة تجاه الاستعمار الغربي. بل هاهو يستبيح الكل ضد الكل. فلعل المغرب الذي استفاد عن مسافة من القوة العثمانية ( القصر الكبير ومعركة واد المخازن)، يجد يوم نفس المصلحة مع تركيا العلمانية، قصد احتساب الحصص وحقن المصالح المشتركة مع الغرب، على غير الأنظمة "المتدينة" رسميا، لتعلن الحرب جهرا على العلمانية لتعمم العمل بنظام الغلمانية (الغين) سرا، في حالة من السكيزوفرينيا لا مثيل لها في العالم كله.

إنه التدرب المغربي على الطريقة التركية لا أقل ولا أكثر. فتركيا توغل في طلب عضوية الاتحاد الأوربي. ومنذ 1964 إلى اليوم ما زالت أوربا نفسها فاشلة في جمع أطرافها المسيحية ضمن دستور فيدرالي ولا حتى كونفدرالي. فقلب سويسرا،
الدولة الديمقراطية الصغيرة، كاد يسع حجمه العالم مقارنة مع النادي القاري الأوربي. أما تركيا بسعيها ذاك، فهي تحفر في الصخر الأوربي مستقبل البشرية. ولا أحد من دول العالم اقتحم على الغير هويته السياسية الاقتصادية، دون أن يحس بنقص في كينونته الأصلية، كما فعلت النخبة التركية.

إن الدولة وهي تقترب بتؤدة من الحركة الأصولية المسيسة للدين، تستأنس بالنبع دون أن تصبح في حالة شرود عن العصر. لكن الميدان الخطر للمس بالعقد الاجتماعي، بل والحيوي لبلورة عقد اجتماعي جديد باشتراك مع الحركة المسيسة للدين، يقتضي ملء التمثيلية الكمية الهلامية نحو السيادة الشعبية الحقيقية، يقتضي الانكباب على أوضاع مختلف الطبقات المهمشة، قصد استفادتها من الثروة الوطنية لتساهم في تحسين صوة الوطن، عبر الاستحقاقات المواطنة الحديثة، بمختلف تلاوينها. بلا وصولية انتهازية ولا احتكار أصولي للكينونة المغربية.

من غير إعادة النظر في العقد الاجتماعي بهذا المحتوى المستقبلي، سنظل نستمع للخوف المتكرر من سقوط الأرواح يوميا على أتفه الأسباب أمام بيوت السكان في الزيتون وفي غيره من أحياء مكناس. وعلى طول وعرض المغرب.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا