الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سلطات الملك بين الظرفي و الإستراتيجي
أحمد عصيد
2007 / 11 / 24مواضيع وابحاث سياسية
استطاعت المَلكية بالمغرب أن تنجز تحت إشرافها و بشروطها، و على مدى عقود ثلاثة، الإنتقال الحتمي من صراع الوجود إلى صراع المواقع، في مسلسل الشدّ و الجذب بينها و بين المعارضة اليسارية، و استطاعت أن تقنع الأحزاب التاريخية بالتصويت لصالح تعديل دستوري محدود و محسوب عام 1996، و أن تدفع بهذه الأحزاب إلى المشاركة في الحكومة بمعية أحزاب سياسية أخرى كانت المعارضة تهاجمها باستمرار و تعدّها صنيعة السلطة و تعتبرها عديمة المصداقية، كان ذلك توافقا سياسيا يرمي إلى ضمان انتقال العرش باعتماد وعود هشّة لا يدعمها أي سند قانوني أو مؤسساتي. و اليوم يشهد الناس كيف ظل المغرب على المستوى السياسي يراوح مكانه مترددا بين "الإنتقال الديمقراطي"، و العودة إلى الماضي المعيب للتقاليد المخزنية، و بدأت المخاوف تعود بقوة بعد أن لاحت بوادر الفشل في إعطاء مفهوم "العهد الجديد" مدلولا واقعيا ملموسا و حاسما، برز هذا على الخصوص بعد أن تم إخماد النقاش العمومي حول تعديل الدستور أكثر من مرة، بتواطؤ مع الأحزاب السياسية نفسها التي لا يمكن أن يكون لها شأن يذكر في الحياة السياسية المغربية بدون هذا التعديل.
حدث كل هذا بعد أن حكمت موازين القوى الداخلية بانتصار النظام المدجّج بكل وسائل الغلبة و القهر على القوى المعارضة له و إنهاكها و إرغامها على قبول تنازلات لم تكن تتصور من قبل، خاصة بعد أن أحكم صنع البعبع الإسلامي و أحسن توظيفه و لو إلى حين. ليس هذا فقط بل إن السلطات العليا نجحت في أن تحول الإصلاحات الإيجابية من مكاسب للمعارضة السابقة، إلى مجرد مبادرات ملكية هدفها الأول تجديد شرعية العرش و جعل الملك فاعلا سياسيا وحيدا في الساحة، خلفه قوى متطاحنة ضعيفة و منكسرة، تنتظر "الإشارات" الملكية بلهفة و تواكل قاتلين، عوض أن تعمد إلى التحريك و التفعيل و التعبئة و التأطير .
هذه الوضعية أصابت الحياة السياسية بالجمود و العقم، و خلقت مناخ عدم الثقة في العمل السياسي و المؤسساتي، مما جعل مختلف القوى الحية تعلق آمالا كبيرة على تعديل دستوري أضحى مصيريا لإعادة الثقة و الدفع بقطار الدمقرطة و التحديث في الإتجاه الصحيح، و لعل هذه الآمال لا توازيها إلا الخيبة و المرارة التي أصابت أنصار الديمقراطية بعد أن شرعت السلطة مباشرة في الدعاية لانتخاباتها على الطريقة المعهودة، مُقبرة من جديد ملف الإصلاح الدستوري، الذي ربطته بشكل آلي و محدود الأفق بمقترحها بشأن الحكم الذاتي في الصحراء، و بعد خيبة السابع من شتنبر الأخير الذي أظهر استحالة وجود انتخابات ذات شرعية بالمغرب بدون إصلاح دستوري.
انطلاقا من هذه الوضعية أعتقد أن من الضروري التأكيد على المبادئ التالية:
1) أن إجراء انتخابات تشريعية أخرى في عهد محمد السادس بدستور الحسن الثاني، و الإغراق في نقاشات تقنية حول قانون الإنتخابات و قانون الأحزاب في غياب المطلب الجوهري لإصلاح الدستور، هو مهما كانت المبررات إنما يعبر عن ضعف الإرادة السياسية للمرور نحو "عهد جديد" حقا، و هو ما لن ينجم عنه إلا الدفع بالحياة السياسية نحو الإفلاس التام، و يقوي مبررات التطرف و النشاط السري و يشيع النزعات اللاعقلانية و يضعف الوطنية المغربية.
2) أن للديمقراطية أسسًا و مبادئ كونية إما أن تقوم بها أو لا تكون، و أن من حق المغاربة أن يحلموا بأن ينضمّ بلدهم في يوم ما إلى بلدان العالم الديمقراطي الحرّ و المتقدّم، حيث تحترم كرامة الإنسان و لا تهان، و حيث تسود المساواة و العدل و الحرية.
3) أن الملكية طرف جوهري في الحياة السياسية المغربية، لكنها لا ينبغي أن تسعى لأن تكون الطرف الوحيد، و أن تحتكر الأدوار كلها رغم ما قد ينجم عن ذلك من حلول ظرفية لبعض القضايا و المشاكل الخلافية التي تلجأ فيها الأطراف المتصارعة إلى آلية التحكيم الملكي، و إذا كنا نثمن الخطوات الديمقراطية التي ينجزها الملك و نساندها، فإننا رغم ذلك لا ننسى بأن احتكار الملك لكل الأدوار و الوظائف و الوسائل و القرارات يؤدي إلى خنق المؤسسات و إضعاف الحس الديمقراطي و الوعي المؤسساتي، إضافة إلى ما يؤدي إليه ذلك من إنهاك الأطراف الأخرى و تحييدها و إشاعة فكرة عدم جدوى العمل بالسياسة ما دام هناك من هو مكلف بعمل كل شيء و تحديد السياسة العامة سلفا. ولا أدلّ على ذلك من أشكال المقاومة الشديدة التي تواجه القرارات الديمقراطية للملك في المجتمع و داخل دواليب الإدارة، كما هو الشأن في موضوعي المرأة و الأمازيغية، لقد كرست السياسة الرسمية ذهنية التقليد السلفية و أشاعتها على مدى عقود سابقة، و هي اليوم تجد صعوبة في إنجاز التغيير المطلوب تحت ضغوط الداخل و الخارج، مما يحتّم إشراك كل القوى الفاعلة في مشروع الإنتقال المأمول.
4) أن المدافعين عن السلطات المطلقة للملك، مهما كانت الذرائع و الحجج التي يتخفّون وراءها، إنما يساهمون شاؤوا أم أبوا في تأخير الإنتقال نحو الديمقراطية الحقّ، و ذلك بتوقيعهم على بياض للسلطة و تفويضهم لها كل أمرهم بإطلاق، و تقزيم موقعهم إلى حدود الولاء و الخدمة عوض المشاركة السياسية الفعلية في بناء المستقبل. و إن تجديد شرعية الملكية بعد انتقال العرش ليست بحاجة إلى أحزاب أو صحافة ملكية أكثر من الملك، كما أنها لا تتوطّد باحتكار الملك لكل الأدوار و السلط، بقدر ما تتعمق بإحداث القفزة المأمولة في طريق التحديث و الدمقرطة عبر الحسم في اختيار التوجهات و الأسس السياسية و القانونية و الثقافية لهذا الإنتقال المطلوب.
5) إذا كان صنائع الإستبداد و مريدوه من يمينيين و محافظين و يساريين، أولائك الذين نصبوا أنفسهم حماة للملكية التقليدية، غير معنيين بما نطرحه من أفكار و قضايا، فإن الذين يستعملون فزاعة الإسلاميين من الديمقراطيين و اليساريين لتكريس ثوابت الملكية التقليدية و تبرير نفوذها المطلق هم مخطئون من وجهين، أولا لأنهم يعبرون من خلال موقفهم ذاك عن ضعفهم و سلبيتهم في تأطير المواطنين و بناء وعي مستقبلي، مما ترك عموم الناس نهبًا للأصولية و التطرف الديني و النزوع اللاعقلاني، ثانيا أنهم بواقعيتهم السياسية البراغماتية يخلطون بين التكتيك الظرفي و بين المبادئ الأساسية التي لا ينبغي أن تكون موضوعا للتنازل، فثمة فرق بين أن نُسند للملكية دورا جوهريا في السياق الراهن لعوامل قاهرة، و بين أن ننتصر للإستبداد المطلق و الأبدي .
إن الإسلاموية عودة إلى الوراء ما في ذلك شك، غير أنها لا ينبغي أن تحملنا على اتخاذ مواقف و قرارات من شأنها أن تجعلنا نعود إلى الوراء بنفس الوتيرة التي تتهدّدنا مع الإسلاميين.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر