الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان وانابوليس

كاظم محمد

2007 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


جماعات واطراف الاعتدال العربي وبمختلف ألوانهم السياسية تمنوا وحثوا ادارة بوش على أن تأخذ على محمل الجد ، دعوتها لعقد مؤتمر( السلام ) الخاص بالقضية الفلسطينية ، وعلى ان تبذل الجهد الضروري لعقد هذا المؤتمر، والذي كما يبشر البعض منهم وبحياء ، بانه سيحيي (عملية السلام) التي صنعتها امريكا وقبرتها بعد ذلك ادار ة المحافظين الجدد ، بنهجها وبسياستها المتوائمة مع مطامح ومطامع اسرائيل .
أن هؤلاء يدركون تمامآ الغايات والاهداف الامريكية من الدعوة لعقد مؤتمر الخريف القادم ، وارتباط هذه المرامي والغايات بالوضع السياسي والعسكري التي وجدت ادار بوش نفسها فيه في منطقة الشرق الاوسط ، وهم وإن لم يخفوا قلقهم من التصلب الاسرائيلي في فرض برنامج عمل المؤتمر والمسائل التي سيناقشها ، فأنهم من جهة اخرى يرون فيه جهدآ ضروريا لتخليصهم من بعض اعباء القضية الفلسطينية وتأثيراتها المحلية والاقليمية ، خاصة مع استعداد قيادة ابومازن وحكومته المعينة لتقديم التنازلات المطلوبة ، وخلق الظروف المؤاتية لتسويةٍ ، مُهد لها عبر نزع شرعية المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب واقالة الحكومة الشرعية ، والعمل على عزل حماس ، وتأليب الراي العام العربي والدولي ضدها ومقاطعتها ، حيث وصل الامر الى محاولة تمرير قرار دولي يوصف حماس بمليشات مسلحة انقلابية ، تمهيدا لتصنيفها كمجموعة ارهابية ، وبفرض الحصار الاسرائيلي العربي على غزة لتركيعها ومعها الارادة الفلسطينية الممانعة والمقاومة ، ولأسقاط نتائج الانتخابات الديمقراطية التي اوصلت حماس الى دفة السلطة .
لقد دللت جميع الجهود والاتصالات والزيارات التي قامت بها ادارة بوش ، للترويج لمؤتمر انابوليس ، والتحضير له ، بأن نتائجها السياسية ، لا تؤشر بالمطلق الى جدية حقيقة في التعامل مع القضية الفلسطينية على اساس الحقوق المشروعة لهذا الشعب والمكرسة بقرارات الأمم المتحدة ، ومبادئ اتفق عليها في مؤتمرات دولية ، بل ان كل المؤشرات تؤكد ، ان دعوة عقد مؤتمر انابوليس مرتبطة كامل الارتباط بطبيعة سياسة طغمة الحرب الامريكية في المنطقة ، وكيفية التعامل مع مفاصلها في فلسطين ولبنان وسورية وايران ، خدمة لنجاح مشروعها في العراق ، الذي اصبح المأزق الامريكي فيه يمثل العنوان الاوضح لفشل السياسة الامريكية وانكفاء مشروعها في الشرق الاوسط الجديد .
وعليه وبعد ان فشلت اسرائيل في تحقيق اختراق فعلي للساحة اللبنانية ، وضرب وتصفية المقاومة وعمودها الفقري حزب الله ، في حربها العدوانية 2006 ، والتي تمت بتشجيع وتوجيه امريكي ، الذي ادار تفصيلاتها السياسية والدبلوماسية ، فأن هذه الحرب اضافت اعباءً وتداعيات ، كرست بمجملها مأزق النهج الامريكي وهزت الكيان الاسرائيلي ، الذي رسم بدوره لنتائج باهرة وسريعة لحربه على لبنان ، بالخلاص من حزب الله والهيمنة على القرار اللبناني وفك الارتباط السوري اللبناني ، وعزل التاثير الايراني وتصفير هامش مناورته السياسية الاقليمية ، ليعبد الطريق لمحاصرة سورية وعزلها واخضاعها ، والقبول بتسوية تستند الى الى منطلقات السياسة الاسرائيلية المتبعة منذ مؤتمر مدريد ، بابتلاع الارض والتهويد ، وخلق المناخات اللازمة للانقسام الفلسطيني ، وفي الوقت الذي يتم فيه دعم وتسمين بعض البطانات الفلسطينية الجديدة (المعتدلة) ، اليسارية منها واليمينية ، لتلعب دورها السياسي المتناغم مع متطلبات النهج الامريكي ، والمستعدة لتقديم التنازلات اللازمة لأستمرار دورها السلطوي في بعض المحميات على الارض الفلسطينية .

لقد اختارت ادارة بوش تغيير المسار دون المساس بالاهداف الاستراتيجية لمشروعها المتعثر، خاصة بعد ان غرزت عجلات التها الحربية بالرمال العراقية ، وبعد ان عجزت وفشلت اداتها الاسرائيلية في تحقيق الرافع الضروري لمأزقها العراقي ، لا بل ان المقاومة اللبنانية حققت توازن الرعب النسبي ، الذي جعل اعادة الحساب ودوزنة المسار مسألة لابد منها في ظل واقع جديد ، جعل وزيرة خارجية ادارة بوش تبتلع تصريحاتها الشهيرة ، في الايام الاولى للعدوان الاسرائيلي ، (بأن هذه الايام تشهد ولادة شرق اوسط جديد) .
ان تغيير التكتيك الامريكي بأعادة الحياة ل(عملية سلام) فلسطينية اسرائيلية ، ترافق مع توجهات سياسية وعسكرية جديدة ومتخبطة في العراق ، لم تخرج بمجملها عن جوهر المشروع المعد للعراق ، وبنفس الوقت سخرت ادارة بوش الكثير من ثقلها السياسي والدبلوماسي لصياغة الوضع اللبناني وفق اجندتها ، وساهم سفيرها في بيروت بمنع اي اتفاق او تقارب بين اطراف الموالاة والمعارضة ، واستطاعت ان تحقن اطراف الحكومة ومواليها بكل ما ضروري لديمومة صراعها مع المعارضة وايصاله الى حافة الهاوية ، على امل محاصرة هذه القوى وخاصة حزب الله ، وتحجيم دورها والتهيأة لتطبيق قرار نزع سلاح المقاومة ، وترافق كل ذلك ، بمحاولة خلق المحاور الطائفية وامتدادها لتشمل دولا واطراف في مواجهة ايران ، كونها (الخطر الاكبر) .
لذلك فان طبيعة هذا التغيير في التكتيك السياسي الامريكي ، لازال يدخل ضمن سياسة تدارك تداعيات الفشل العام لسياسة بوش واحتواء نتائجه ، وبنفس الوقت وبتعنت غبي تأكيد نهج سياسي ومعالم استراتيجية معروفة لهذه الأدارة ، فقدت الكثير من قوة الدفع اللازمة لها ، والتي تريد من خلالها نقل رسائل سياسية ذا مغزى ، تتعلق بديناميكية استمرار هجومها الاستراتيجي المتعثر والمتأزم والذي ينذر في بعض محاوره بخسارة او هزيمة قد تؤدي إلى انهيار كامل لمشروعه الكبيروما يعنيه ذلك من تداعيات على طبيعة الوجود الامريكي في المنطقة ومصالح الولايا ت المتحدة الاستراتيجية .
ومن هنا جاءت الدعوة الكسيحة لعقد مؤتمر السلام في انابولس ، والاصرار الامريكي على حضور بعض الاطراف العربية له ، والسعي لحضور كل اعضاء جامعة الدول العربية ، ومحاولة اسباغ الاهمية التاريخية على نتائجه المقبلة .

ان مأزومية كل من السلطة الفلسطينية بقيادة ابومازن ، وخاصة لناحية خلافاتها مع حماس ، والانقسام الفلسطيني المٌقزم لأهلية سلطة ابومازن ، وكذلك حكومة اسرائيل ، والتي لازالت تعيش تداعيات خيبتها في الحرب الاخيرة على لبنان ، هي من دواعي قبولهما المتحمس لحضورهذا المؤتمر ، رغم الفشل الكبير لأبو مازن ومعه اطراف (الاعتدال العربي) في الحصول على اطار مبادئ عام لأنطلاق مفاوضات جدية ، يتم عرضها على المؤتمر . لذلك وتلافيا للحرج والقلق من تداعيات الفشل القادم ، تبنى وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة يوم 23-11-2007 بيان تبرير حضورهم ، عدا وزير الخارجية السوري الذي ربط موافقة سورية في الحضور بادراج بند الجولان المحتل ، والذي جاءت الموافقة الامريكية عليه سريعة .
فبعد ان كان التهديد والوعيد وسياسة العزل التي تنتهجها واشنطن ضد سورية ، اصبحت اليوم ترحب بحضورها لمؤتمر انابوليس ، وغضت الطرف مجبرةً عن عودة الاتصالات الاوربية مع سورية ، خاصة فيما يتعلق بالاستحقاق اللبناني ، حيث وافقت واشنطن على التوكيل الفرنسي بهذا الخصوص ، واصبحت دمشق محطة مهمة للمساهمة في حل توافقي لمسالة انتخاب الرئيس اللبناني القادم ، الذي لازالت واشنطن تأمل في حسمه لصالح حلفائها من قوى الرابع عشر من اذار ، رغم يقينها باستحالة فرض حل غير توافقي ، ورغم معرفتها الدقيقة بامكانيات المعارضة في افشال اي حل يتعارض ومتطلبات القوى الوطنية والمقاومة اللبنانية .
لقد اصبح الان انتخاب رئيس جديد ، مفصل اساسي في الصراع الدائر في لبنان بين ارادة امريكية واخرى وطنية ممانعة ومقاومة ، يكثف بمجمله بارومترالسياسة الاقليمية والدولية ، ويعكس اهمية الموقع الجيوسياسي للبنان ، الذي تحاول ادارة بوش واسرئيل احتواءه ، (بالشكل الدستوري) عبر اعطاء الشرعية لحكومة حلفائها بادارة البلاد ، بعد ان استقال الرئيس اميل لحود ليلة 23-11-2007 .
ان رفض حلفاء واشنطن في لبنان لمبادرات التوافق الوطني على المستوى الوزاري او الرئاسي ، رغم تراجع وتغير نبرة خطاب بعض اقطابهم ، تعكس الامل الذي لا يزال يراود ادارة بوش في تحقيق انجاز سياسي لصالح حلفاء النهج الامريكي عبر ايصال الامور الى حافة الهاوية ، والاستعداد لما بعد مؤتمر انابوليس وتداعيات فشله القادمة .
لذلك فمن المرجح ان يستمر الفراغ الرئاسي في لبنان الى مابعد هذا المؤتمر وربما لأشهر قادمة ، وبهذا تبقى الساحة اللبنانية مستعدة لاحتمالات خطرة ، تخضع درجات خطورتها لطبيعة التوجه الامريكي القادم في التلاعب السياسي بالمنطقة من اجل تكريس اصطفافات سياسية وطائفية تصب لصالح اهداف ادارة بوش ، ومصالح الامن الاستراتيجي الاسرائيلي الذي تمتد حدوده الجغرافية لتشمل ليس لبنان وسورية فحسب بل العراق وايران وباكستان .
وعليه ، وخاصة بعد ان حاولت اسرائيل استبعاد سورية ولبنان من مؤتمر انابوليس ، رغم ان رغبة واشنطن كانت معاكسة في ضرورة حضور هذه الاطراف ، ولكن لأجل تامين تغطية عربية ، لا تؤدي الى اطر حقيقة ملزمة في عملية تفاوض قادمة تدعم مواقف الاطراف الممانعة والمقاومة للنهج الامريكي ، فليس من المستبعد ان يكون هذا المؤتمر هو الغطاء لترتيبات الحرب القادمة على ايران او لتفجير الوضع اللبناني ، والذي من غير المضمون ان تسلم اسرائيل وحلفاء امريكا من شظاياه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ