الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغزى ومدلولات تراجع مستويات العنف في العراق

نزار عبدالله

2007 / 11 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مع تراجع مستويات العنف في العراق تطرح اسئلة كثيرة حول مغزى ومدلولات الحدث ومن له الفضل في انخفاض مستوياته، فرغم ان احدا لايجرؤ على قول ان العراق قد تخلص من كابوس القتل والذبح والتهجيرو العنف ولايكاد يمر يوم دون ضحايا ودون اكتشاف مقابر جماعية وكومة هائلة من الجثث، الا ان هناك مؤشرات كثيرة تدل بوضوح على ان العنف المتواصل في انحسار مستمر وتعود الحياة في بعض المناطق الساخنة الى مسارها على الاقل من الناحية الامنية. والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو من له الفضل في ذلك وكيف تحقق وهل يمثل حالة طارئة ام انه بداية حقبة جديدة تخلص العراقيين من الكابوس الذي خيم على صدورهم؟
الاسباب كثيرة والردود تتلاحق من قبل مختلف الاطراف السياسية المتصارعة في سوق المزايدة السياسية، فقد صرح اللفتنانت جنرال راي أوديرنو مساعد القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق إن الزيادة في عديد القوات الأميركية حققت نتائج إيجابية على صعيد تثبيت الاستقرار في العراق. وقال المتحدث باسم السفارة الامريكية في بغداد يوم 18 نوفمبر الحالي فيليب ريكر ان نسبة العنف في العراق انخفضت بنسبة 55 بالمئة منذ ان تمت زيادة عديد القوات الامريكية في العراق اوائل الصيف الماضي، الا ان ريكر اشار الى ان "الدور الذي لعبته ايران في هذا الانخفاض، في حال لعبت اي دور، لا يزال غير واضح حتى الآن". من جهة اخرى، قال الناطق العسكري الامريكي جريجوري سميث ان قدوم 30 الف جندي اضافي الى العراق ساهم بخفض نسبة العنف بـ55 بالمئة حتى ان بعض المناطق في العراق تشهد النسبة الادنى للعنف منذ عام 2005. واضاف الناطق العسكري ان "ايران بلا اي شك كانت المزود الاساسي بالسلاح والتدريب والاموال للميليشيات الشيعية وهذا الامر لم يتغير".
اما رئيس الوزراء نوري المالكي أكد أن نسبة العنف انخفضت فى العاصمة بغداد منذ تطبيق خطة فرض القانون منتصف شهر شباط فبراير الماضي بنسبة 75%، مؤكدا على حاجة العراق لاستمرار بقاء القوات الأجنبية بالعراق.
وفي هذا الصدد قال اللواء الركن محمد العسكري المستشار الاعلامي في وزارة الدفاع العراقية للوكالة المستقلة للانباء (أصوات العراق) في بداية هذا الشهر بان الاسباب الرئيسية التي ادت الى انخفاض اعمال العنف في بغداد ومدن العراق الاخرى هي التنامي الواضح في قدرات قوات الامن العراقية من حيث التجهيز والتسليح واستخدامها اسلحة متطورة وحديثة وذات تأثير فعال)
وأكد عبد الكريم السامرائي نائب رئيس لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب ان " من اهم الاسباب التي ادت الى انخفاض العنف هو نهضة الاهالي بوجه الارهاب والعمل على طرد تنظيم القاعدة من مناطقهم، وكذلك الانتشار الواسع لقوات الامن العراقية والقوات المتعددة الجنسيات في بغداد ومناطق العراق الاخرى."
وذكر عباس البياتي عضو لجنة الامن والدفاع ان من الاسباب التي ادت الى انخفاض العنف في العراق هو نجاح خطة فرض القانون وانفصال بعض الجماعات المسلحة عن التنظيمات الارهابية وانخراطها مع قوات الامن العراقية وتعاونها مع الاجهزة الامنية. واضاف البياتي وهو عضو في الائتلاف العراقي الموحد لـ(اصوات العراق) ان " للمصالحة الوطنية دور كبير في استتباب الامن بعد انفتاح الحكومة على كافة شرائح المجتمع العراقي وشمول الاجهزة العسكرية في النظام السابق بقانون التقاعد واعادة النظر في قانون اجتثاث البعث واتساع دائرة المصالحة فضلا عن ظهور صحوات عشائرية في كافة ارجاء العراق."
وبعيدا عن ذر الرماد في العيون وتضليل العراقيين والرأي العام العالمي والاجواء النتنة من المزايدات السياسية يبقى السؤال الجوهري باق دون رد اي تقصي الاسباب الحقيقية لتراجع مستويات العنف وخصوصا في المناطق المسمى بـ"المثلث السني" وفي العاصمة بغداد، وهل ان ذلك امر عرضي وحالة طارئة وهدنة مؤقتة ام انه دليل على تغير هام وستراتيجي في العراق؟
لاشك بان اسباب ذلك سياسي بالدرجة الاولى، وتحديدا فان الامر يتعلق بتغيير الخطط السياسية والمشاريع الاستراتيجية للمحتل الامريكي في العراق وتكيف او فهم مختلف القوى والاطراف السياسية العراقية والاقليمية مع القواعد الجديدة للعبة السياسية الجارية.
ان المصالح السياسية والاقتصادية للمارد الامبراطوري الامريكي في الشرق الاوسط والعالم باسره تستوجب استمرار اللجوء الى القوة العسكرية المفرطة لضمان بقائها ورفع سياسة العصا الغليضة بوجه كل من يتحداها، رغم استمرار عمليات العنف في العراق والدور المزعوم لمنظمة القاعدة في ذلك فانها لاتقدم المبرر الكافي الضروري لبقاء القوات الامريكية في العراق والمنطقة، كما ان تزايد التحالف الايراني مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى يمثل تحديا اكبر للولايات المتحدة وكابوس يقض مضاجع احلام الامبراطورية الامريكية للهيمنة على نفط الشرق الاوسط. عليه فان وضع ايران بين فكي كماشة وفرض الحصار والعزلة عليها واندلاع (حرب باردة) ضدها اصبحت محور السياسة الاستراتيجية الامريكية الراهنة والمقبلة. ولذلك نحن نشهد تداعيات انهيار التحالف الامريكي-الايراني الذي عبر عنه جورج فريدمان في حينه بقوله "هل تعرفون ما هو أهم حدث عالمي في بداية القرن الحادي والعشرين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ إنه التحالف الأمريكي الإيراني".
ومن اولى تداعياته هو تعزيز التحالف المناويء له اي التحالف الامريكي- السعودي والخليجي واستمالة الدول العربية الاسلامية خصوصا الخليجية التي طالما عبرت عن مخاوفها من تهديد هيمنة ايران على ماسموه بـ"الهلال الشيعي". وفي هذا السياق فقد بدلت سوريا ايضا من سلوكها تجاه الاحتلال الامريكي للعراق حيث اصبحت متأكدة ومطمئنة بانها خرجت من دائرة الاستهداف الامريكي على الاقل بشكل مؤقت ولذلك هناك مؤشرات هامة على تعاونها لاخماد نار المعركة واستتباب الامن في العراق.
اما فيما يتعلق بالجانب الايراني فانها على دراية تامة بمواطن ضعفها في العراق وتمارس حاليا سياسة حذرة محافظة ولاتريد في الوقت الراهن اللعب بالنار وصب الزيت عليها في الوضع العراقي، انها تريد درء مخاطر الحملة العسكرية الامريكية التي تواجهها وعدم اغضاب المارد الامريكي وتجنب المغامرة والمخاطرة مع الابقاء على خطوط للتراجع وابرام الصفقات والمساومات.
بدأت امريكا بغية تحقيق تلك الاهداف الاستراتيجية المنشودة على الصعيد الداخلي العراقي بتطبيق سياسة توزيع ادوار جديدة تبغي من ورائها وضع حكومة المالكي بين فكي الكماشة عبر اللعب على اوتار "المصالحة الوطنية" التي ترجمت عمليا في الاونة الاخيرة الى سياسة انهاء هيمنة الحركات الاسلامية الشيعية والحركة القومية الكردية في اطار حكومة المالكي وتوزيع جديد للادوار مع اعطاء مكاسب وامتيازات اكبر للبعثيين القدامى (الركائز الرئيسية للتمرد ضد القوات الامريكية) وخصوصا العسكريين منهم عبر السعي لانهاء وتغير قانون اجتثاث البعث واستبداله بقانون المسألة والعدالة، والسعي ايضا لافلات المجرمين الصداميين امثال سلطان هاشم وغيرهم من عتاة المجرمين من قبضة العدالة ومن العقاب وتعبئة بعض قوى العشائر العراقية في مناطق "المثلث السني" واغراقها بالاموال والسلاح والامتيازات المادية وتأليبها على جماعات القاعدة المنبوذة، هذه الجماعات التي لاتتجاوز اعدادها المئات حسب تقرير لنيورك تايمز في 17/7/2007والتي اصبحت فريسة من السهل مطاردتها والبطش بها عقب استنزاف قواها وهلاك رجالها في العمليات الانتحارية المتتالية والتدني الملحوظ لتدفق المجاهدين الاجانب الى صفوفها وفقدان بوصلتها.
عليه فان كل ذلك لعب دورا هاما في انخفاض مستويات العنف في "المثلث السني" ومن ثم في العاصمة بغداد بعد تطبيق سياسة بناء الجدارات والقواعد العسكرية الصغيرة فيها واستهداف الميلليشيات الاسلامية الشيعية ووقف جموحها.
ولكن هذا الهدوء النسبي الحذر يمكن ان يتحول الى هدوء قبل العاصفة في منطقة الشرق الاوسط في حال استمرت واشنطن في ممارسة سياسة العصا الغليظة واللجوء الى استخدام القوة المفرطة لضرب ايران كاحد غرمائها ومناوئيها الرئيسيين، وعلى الصعيد الداخلي العراقي يبدو بانهم يريدون للرياح ان تغير وجهتها، تارة باتجاه الشمال العراقي وتارة اخرى باتجاه جنوبها، فممارسة سياسة التشدد مع ايران بحاجة ماسة الى تقليم اظافر اتباعها في العراق واستهداف الجماعات المحسوبة عليها، عزلها وتحجيم دورها بقدر مايمكن، وزرع الخلاف والشقاق بين صفوفها والاستفادة من تناقضاتها السياسية المستعصية والسعي لانشغالها بصراعات منهكة على السلطة والنفوذ، بعثرة صفوفها عبر ضرب مرجعيتها التي بدأت في الآونة الاخيرة بسلسلة من الاغتيالات الكيدية لاتباع السيستاني، وخلخلة الاوضاع الامنية في الجنوب العراقي و..الخ.
وفي الختام من الضروري ان نقول بان الوضع الظاهري بسيط للغاية الا ان اللوحة الضوئية والتحركات الخفية شديدة التعقيد، ويتطلب من العراقيين ان يكونوا حذرين اكثر من ماينبغي من السياسات والخطط التي تريد ابقاء الاحتلال الامريكي في العراق والمنطقة مع تغير ركائزه وتغير مسار حروبه وعليهم اخذ الحيطة والحذر والتأهب لافشال المخططات التي ترمي لا الى استئصال العنف من جذوره بل الى تغير وجهته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي