الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو حركة نقابية مستقلة

بدر الدين شنن

2007 / 11 / 26
الحركة العمالية والنقابية


بات الحديث عن النقابات العمالية في سوريا حديثاً عن الماضي . فعلى الرغم من الهياكل التراتبية المنظمة بعناية ومجمعات المكاتب الفخمة ، وعلى الرغم من تنفيذ ا ستحقاقات الدورات النقابية وعقد مؤتمراتها في مواعيدها ، فإن النقابات بالمعنى العمالي الطبقي ، منذ إقالتها من مهامها المطلبية والحاقها بآليات السلطة ، في منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، وذلك تطبيقاً ل " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " ، ومنذ إلتحاق مجموعة من الأحزاب الشيوعية والأحزاب الاشتراكية القومية " التاريخية " الانتهازي بحزب النظام ، ضمن إطار " الجبهة الوطنية التقدمية " ، وماتلاه من سياسات قمعية متواصلة ، لاحتواء وتصفية التيارات والشخصيات النقابية المكافحة في الحركة النقابية ، ومنذ الانحسار القسري لقوى ورموز اليسار عموماً في المشهد السياسي ، أو انتقال بعض هذه القوى والرموز لاحقاً إلى مواقع الليبرالية " الديمقراطية " واختيارها اصطفافات طبقية أخرى ، منذئذ ، لم تعد النقابات موجودة .. تلاشت بصفتها مكونات حركة نقابية عمالية كفاحية . إذ لم تعد معادلة الأجور والأسعار ، والتصدي بحزم لموجات الغلاء والبطالة وشروط العمل من مهامها ، وحذف حق الاضراب من ثقافتها وممارساتها ، واكتفت بتأدية بعض الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية النقابية المحدودة . في أكثر الأزمات والأمور تعقيداً تقوم فقط بتقديم المذكرات إلى الرفاق في الفريق السلطوي الواحد ، حيث يتم الحوار على الورق .. وتبقى الحلول والوعود منقوشة على الورق .. بينما مفاعيل الأزمات المعاشية وموجات الغلاء تفعل فعلها المدمر ، وتنحدر مستويات معيشة الطبقة العاملة بكاملها إلى ماتحت .. تحت خط الفقر ..

ولهذا ، فعندما يتعين على القيادات النقابية الأساسية تقديم تقارير أو تصريحات عن أنشطتها ، تظهر الفضيحة والخيانة الطبقية ، وتجري محاولة التمويه على ذلك بتسليط الضوء على تحركاتها الداعمة لسياسات النظام " الوطنية " وتعزيزه في مختلف المجالات ، وعلى ا ستقبالها الوفود النقابية العربية والأجنبية ، وتبرز مواقفها في الشأن السياسي الإقليمي ، لاسيما في المسائل الساخنة في المنطقة . ومن أ سف شديد ، أن ممثلي الاتحاد الدولي للعمال العرب والاتحاد النقابي العالمي يبهرهم ا ستقبالهم بفادق الخمس نجوم ، فيغضون الطرف عن الواقع المرير الذي تكابده الطبقة العاملة السورية ، إن في لقمتها أو في حرياتها العامة والنقابية ، ويقومون بتمثيل دور شاهد الزور ، بدل أن يقوموا بواجبهم النقابي المكرس في متن د ساتير مؤسساتهم النقابية ، في رفض وإدانة ا ستلاب الطبقة العاملة حقوقها وحرياتها النقابية .

ما يؤشر على أن الواقع النقابي العمالي ينحدر نحو الأسوأ هو ، المؤتمر 25 للإتحاد العام لنقابات العمال الذي عقد خلال الشهر الجاري ، وذلك ليس لكونه تعامى عما يحدث في الحقل الاقتصادي والمعاشي ، من تصاعد موجات الغلاء وانحدار مستويات المعيشة وتجميد الرواتب والأجور مادون مستويات الأسعار الاحتكارية المافيوية ، ومن فرض قوانين " اقتصاد السوق " ورفع الدعم الحكومي عن المواد المعاشية والمحروقات والإصرار على خصخصة مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدماتية ، فحسب ، وإنما إضافة إلى ذلك قد أمعن في " النقابية السياسية " ، التي كان لها ، إلى حد ما لدى البعض ، ما يبررها ولو شكلاً ، " للدفاع عن القطاع العام وتوسيعه " وتعزيز " مسيرة التقدم " في البلاد ، إلى ما هو أسوأ بتبني الشعار الذي انعقد تحته المؤتمر " نحن مصممون على البناء والعطاء " ..
والسؤال هنا ، عطاء ماذا وبناء ماذا ؟ .. وهل بقي لدى العمال الذين يتضورون حرمانات لاحدود لها ليعطوا منها ؟ .. ولمن سيعطون في المستقبل من عرقهم وجهودهم .. ألحيتان اقتصاد السوق الذين نهبوا أولاً القطاع العام واقتصاد البلد وهم يستعدون ويدأبون لفرض قيود أ شد قسوة على الحياة الاقتصادية لتحقيق المزيد من الثراء ؟

وللدلالة على بؤس المؤتمر المعبر عن بؤس الواقع النقابي الراهن ، أنه إذا حذفت منه المشاهد الاحتفالية والكلمات السياسية الاستعراضية ، لن يبقى من أعماله وقيمة مقرراته شيئاً . لأنه لم يتعاط مع الوقائع التي تكابد منها الطبقة العاملة معيشة وحرية .. ولم يتخذ القرارات النقابية الكفاحية للتصدي لها .. ولم يعلن مبادرة لقيادة الطبقة العاملة في المرحلة القادمة لتسترد حقوقها وحرياتها .. بعد أن أعطت وتعطي طوعاً وقسرأ كل ما في طاقاتها انتاجاً وجهداً وعرقاً .

وعلى ذلك ، فإنه إذا ما أخذت الأمور على حقيقتها ، فإن فراغاً نقابياً عمالياً يعم كافة المدن والمصانع والمهن السورية ، في وقت يتطلب نشاطاً نقابياً مكثفاً وواسعاً لمواجهة الأوضاع الاقتصادية والمعاشية المأزومة المتردية للطبقة العاملة ، والتي تنبئ بالمزيد والمزيد من التأزم والتردي ، ولمواجهة النظام ، الذي يعمل بتصميم ودأب على جر البلاد إلى الارتباط باقتصاد السوق والتجارة الدولية العالمية وفق الشروط الدولية المجحفة ، تحقيقاً لمصالح رموزه وفئاته الاجتماعية ـ السياسية على حساب لقمة المواطن ومستقبل الوطن . الأمر الذي يوحد مهام النضال الوطني الديمقراطي العريضة بالمهام النقابية المطلبية ، ويستدعي من كل القوى المؤمنة حقاً بالديمقراطية .. والقوى الملتزمة فعلاً باليسار السياسي ـ الاجتماعي ، المساعدة جدياً في عملية إعادة بناء حركة نقابية مستقلة مناضلة تملأ الفراغ النقابي النضالي القائم .. حركة تستطيع أن تقود نضالات الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الأخرى من أجل حقوقها وحرياتها المهدورة . وذلك على أ سس ديمقراطية تحترم خصوصية وا ستقلال الحركة النقابية ، وعلى خلفية أن النضال النقابي العمالي بطبيعته وبأهدافه عامة ، يشكل ، دون إلتزام شكلي ، جزءاً لايتجزأ من مسار النضال الوطني الديمقراطي . آخذة بعين الاعتبار التجربة الملموسة في الستين عاماً الماضية ، التي أثبتت ، أن هيمنة الحزب السياسي على الحركة النقابية ، يفقد هذه الحركة دورها النضالي المطلبي ويعزلها عن جذورها الطبقية ، ويحولها إلى ديكور شكلي وأداة في خدمة الحزب المهيمن عليها .. وخاصة حزب السلطة ، ما يفقد الفعل السياسي ذاته أهم آلياته دينامية ، ويضعف القدرات للوصول إلى الأهداف السياسية . كما أثبتت هذه التجربة وخاصة في عهد " الحزب القائد " الاستبدادي ، أن المستفيد من هذه الهيمنة هو العدو الطبقي ، الذي يوظف بخبث ومهارة إفراغ المشهد السياسي ـ الاجتماعي من النضال النقابي ، ليملأ خزائنه مرتاحاً مما ينتزعه من فائض القيمة مضاعفة من جهد الكادحين خاصة وجهد المجتمع عامة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( حدود التعامل بين المخطوبي


.. فيديو لطفل مكبل ويعامل بشكل عنيف يثير غضبا بالكويت




.. رئيس الاتحاد العمّالي العام لـ-الحرّة-: الإجتماع مع رئيس الح


.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ( التعامل بين الأولاد ووالد




.. الطريقة المثالية للتعامل مع الموظفين المتأخرين