الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة عروسة وعريس

مجدي السماك

2007 / 11 / 26
الادب والفن



بيتها مقابل بيته في نفس العمارة . أمام العمارة مساحة واسعة متربة ، صحيح انه ساكن جديد إلا أنهما أصبحا صديقين من أول لحظة التقيا بها ، كأنها صداقة من زمن بعيد . تملكتني الدهشة حين طلبا مني أن انقل لهما حجرين كبيرين من مسافة ليست بعيدة كي يجلسا عليهما بجانب بعضهما متلاصقين .. و قالا لي بفرح غامر : شكرا يا عمو .
توهج وجهه بابتسامة عريضة حين قال لها : يلا نلعب عروسة وعريس .
قالت ضاحكة : يلا .. فأسرعا و جلسا على الحجرين متلاصقين .
- إنتي بدكيش تلبسي الطرحة .
- لا . بديش البسها ، لأني أنا العريس ..إنته البس الطرحة .. إنته العروسه
- مينفعش .. أنا ولد .. إنتي بنت .. إنتي العروسة ولازم تلبسيها .
- يا سلام !.. يعني كل مرة بنلعب إنته بتكون العريس .. هادي المرة أنا العريس .
- هادي بياخة منك .. إنتي بدك تخربي اللعبة زي كل مرة .
شدت الطرحة - قطعة قماش- عن الأرض بعصبية و زعقت متجهمة : طيب أنا بديش العب .
حاول إقناعها قائلا لها بحماسة : عمرك شفتي عريس شعرة طويل زي شعرك و كمان لابس فستان زي فستانك . فردت عليه بعصبية : إنته عمرك شفت عريس بعرفش يعد للعشرة بالانجليزي ، و ينتش الشوكلاتة من العروسة و يضربها ، أنا بعرف اعد للعشرة . تجهم وجهه و لطمها بكف يده على وجهها لطمة قوية ، فتهدجت أنفاسها و انقبضت تقاسيم وجهها و سالت الدموع على خديها مدرارا ، التصقت بالحائط وأخذت تبكي منهنهة .. و ما لبث أن رق قلبه إليها فوضع يده على ظهرها واخذ يطبطب عليها بحنان .. لكنها تركته غاضبة وأسرعت صاعدة إلى بيتها بأنفاس متقطعة متلاحقة.. و بقي هو وحده يبحث عمن يلاعبه ويؤنس وحدته .. أخيرا قرر أن يذهب إليها موافقا على أن يكون هو العروسة وهي العريس .. إلا أن شعورا داخليا بالكرامة منعه من ذلك و صده .. فذهب إلى بيته بمزاج كدر و منغص .
ذهبت هي إلى أمها وطلبت منها قص شعرها و أن تلبس بلوزة و بنطال بدل الفستان.. بعد إلحاح شديد منها و ممل لبت لها أمها ما أرادت ، فصارت تشعر أنها عريس بكل جدارة. لمّا خرجت في صباح اليوم التالي و قابلته طلب منها اللعب ، لكنها أصبحت أكثر تصميما من ذي قبل على أحقيتها بلعب دور العريس .. كأنها بملابسها و شعرها القصير أخذت شهادة لعب دور العريس أو رخصة بذلك .. فقالت بنبرة عالية رنانة ..
- أنا قصيت شعري .. يلا نلعب .. أنا العريس .
- بس إنتي لسه بنت .
- بس أنا بشعر قصير وبنطال .. إنته مش شايف .
- عندي حل وسط ، إئيش رأيك نلعب أنا مرة العريس وإنتي مرة .. موافقه؟ كويس؟.
- اه ، موافقه .. بس أنا الأول أكون العريس .
اتفقا أخيرا على اللعب ، و أن يكون دور العريس لها أولا .. فوضع الطرحة على رأسه و ثبت طرفها بواسطة مشبك بمقدمة شعره ، و أسدلها إلى الخلف على ظهره .. تسللت هي إلى البيت بهدوء و أحضرت ربطة العنق خلسة من بين ملابس والدها على غفلة من أمها ، و دست الروج في جيبها.. ثم عادت و أخذت تلف ربطة العنق حول رقبتها و جلست بجانبه فرحة ، فتكوم الطرف الآخر لربطة العنق على الأرض .. مدت إليه يدها لتعطيه الروج .
- لا .. أنا ولد .. محطش الروج ، يا عيب الشوم ! .. إنتي لازم تحطي !.
- بس انته العروسه .. لازم تحط روج .. بنفعش بدونه .
- لا .. أعطيني ربطة العنق اربطها في رقبتي ، و إنتي حطي الروج .
- يعني انته بدك تخرب اللعبة .. كل حاجة عندك بالقوة و الغصب .
- إذا شافني حدا وأنا حاطط الروج ؟ حتكوني مبسوطة ساعتها على الفضيحة ؟ .
سكتت بغيظ ، و سكت هو أيضا سكوت المنتصر .. قطع السكوت صوت انفجار قوي ، فتفتفت الصمت و اختلط بصدى فرقعة قوية وشديدة .. هي فرقعة انفجار صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية على سيارة في الشارع المقابل . هرعت سيارات الإسعاف إلى المكان .. و الناس تجري على غير هدي ، جلبة وفوضى سرت في المكان .. كأن الصمت تحول إلى نثار من الأصوات المبعثرة بعشوائية .
تملكهما الخوف و استبد بهما الذعر ، فعادا أدراجهما إلى البيت عدوا.
الآن هدوء . قليل هو الهدوء ، إلا انه موجود ولو إلى حين ، ما أن رآها حتى بادرها بالسؤال مبتهجا ..
- إئيش بدنا نلعب ؟.
- يلا نلعب يهود وعرب !
- يلا .. بس أنا العرب .
- لا . بديش .. يعني أنا يهودية .. علشان اطخني وتموتني .
- مش حأموتك ، بطخك عن كذب .. معايه باروده من خشب .
- لا .انته بدك تنتقم من اليهود لأنهم قصفوا السيارة و قتلوا الناس .
- أنتي دايما هيك .. لازم تقلبيها نكد وتخربي اللعبة .
- انته دايما راكب راسك .. وبدك تلعب زي ما بدك على كيفك .. طيب ليش متكونش إنته اليهودي .
- أنا بعرف أطخ .. أما إنتي مبتعرفيش .
احتدم النقاش بينهما ، قطعه هدير طائرة حربية إسرائيلية على علو منخفض ، فجريا إلى البيت مذعورين ،و وقع هو على الدرج وتدحرج فكسرت ساقه . توجهت في اليوم التالي مع أمها لزيارته .. ما أن رأته ممدا على السرير بلا أي حركة حتى غرقت في صمت حزين و كأنها صنم .. سالت الدموع على خديها ، وقعدت بجانبه على حافة السرير ثم مدت يدها وأمسكت يده قائلة : لمّا تقوم بالسلامة حخليك تلعب انته العريس . فقال لها : و أنا حخليكي تلعبي إنتي العرب .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_