الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكي لا نبقى أسيري فزّاعة انسحاب قوات الاحتلال المبكر !

نجاح يوسف

2003 / 11 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أشك أبدا بدوافع المخاوف المشروعة التي يعبر عنها العديد من الكتاب والمثقفين العراقيين حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الأمنية في عراقنا لو انسحبت قوات الاحتلال منه , وقبل أن تتماسك لبنات بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد.. ولكي نكون أكثر دقة وموضوعية , علينا دراسة وتحليل فترة السبعة اشهر التي مرت ما بعد سقوط النظام وما آلت إليه الأوضاع الأمنية , وعلى من تقع مسؤولية تدهور هذه الأوضاع,  وإيجاد الحلول الواقعية للخروج من الأزمة التي يمر بها وطننا, ومن أجل أن نجنب وطننا وشعبنا المزيد من الدم والدموع..

ولقد اثبت شعبنا العراقي أبان الأزمة وما بعدها أنه شعب يستحق حياة العز والسؤدد, وبأنه شعب واع يعرف جيدا مصلحته الحقيقية والمخاطر التي تواجهه, وهو بذلك خيب آمال وخطط أعداء شعبنا ووطننا , الذين عملوا بالعلن والخفاء من أجل جره إلى حرب أهلية, أو محاولاتهم تمزيق وحدة هذا الشعب وبذر الشقاق بين قومياته وأديانه وطوائفه . . لقد كان شعبنا واقفا بالمرصاد لتلك المخططات.. وكلي ثقة بأنه سيبقى عينا ساهرة للمحافظة على أمن واستقرار العراق وشعبه,  حتى ولو قرر الأمريكان سحب قواتهم مبكرا من العراق .. وإذا أردنا فعلا تجنيب شعبنا ويلات ومآسي جديدة ,لا بد من تشخيص الخلل الأمني  والسياسات الخاطئة التي قادت إلى الفوضى السائدة , لكي نتجنب الوقوع في مستنقع الحرب الأهلية و التدخلات الأجنبية,  أو عودة الدكتاتورية المقيتة . 

أولا , الكل يعلم بأن قوات الاحتلال وبعد سقوط بغداد مباشرة, أصبحت الحاكم الفعلي للبلد, وتتطلب هذه المهمة ليس فقط المحافظة على الأمن والاستقرار, بل كذلك حماية الممتلكات العامة والخاصة.. وكما يعلم الجميع فإن تلك القوات لم تقم بواجبها كما هو مثبت في المعاهدات الدولية ومسؤولية القوات المحتلة , لا بل كانت توجه لها الانتقادات اللاذعة ليس فقط من الدول المناهضة للحرب , بل أيضا من الأمم المتحدة والكونغرس الأمريكي, لإهمالها واجباتها تجاه الشعب العراقي وممتلكاته وثرواته..إلى جانب عدم مطاردتها لفلول النظام المنهار في الفلوجة وتكريت والرمادي وكامل (المثلث السني) , وعقد صفقات مع ما يسمى بشيوخ العشائر هناك والذين هم في الحقيقة أنصار النظام السابق والذين يقودون , أو يشتركون في العمليات الإرهابية ضد أبناء شعبنا وقوات التحالف..

ثانيا, إن هذه الحرب التي شنت على العراق بهدف (تحريره) والقضاء على النظام الدكتاتوري المقيت , لم تقض على هذا النظام فقط بل شلت كذلك كل مرافق الحياة,  ودمرت ما تبقى من البنى التحتية ,من وزارات ومؤسسات ومصانع ومستشفيات...الخ ,  إن كان جراء القصف الجوي , أو نتيجة عمليات النهب والسلب التي تمت تحت سمع وبصر ولا أبالية قوات الاحتلال !! ونتيجة لكل ذلك وجد غالبية العراقيين أنفسهم بين ليلة وضحاها وقد أصبحوا عاطلين عن العمل , إلى جانب تفاقم عمليات السرقة وتفشي الجريمة بكل أنواعها وتهريب الثروة الوطنية خارج الحدود المستباحة والتي كان على القوات المحتلة حمايتها من الإرهابيين والقتلة والمهربين ..

ثالثا, إن الفوضى التي سببها قرار السيد بريمر بحل جهازي الجيش والشرطة , والذي ألقى بمئات الآلاف من منتسبي هذين الجهازين إلى جيش العاطلين وما سببه ذلك من استياء عام وحقد على النظام الجديد , لا سيما وأن غالبية منتسبيها هم من الجنود والرتب العسكرية البسيطة والمتوسطة , ورغم النصائح والمقترحات التي تقدم بها المخلصون من أبناء شعبنا للسيد بريمر إلا إنه لم ينصت لصوت العقل والمنطق .. وفي جانب آخر يصدر السيد بريمر قرارا حكيما وجيدا وهو قانون اجتثاث البعث من المجتمع العراقي, والذي قوبل من جميع المخلصين بالترحاب والتفاؤل , إلا إننا نفاجئ بإطلاق سراح بعض المجرمين من أقطاب البعث والمطلوبين للعدالة العراقية,  و’يسفّر آخرون خارج العراق ويسمح لآخرين باللجوء إلى دول عربية , وكان آخر هذه الإجراءات هو إطلاق سراح المجرم المعروف سمير الشيخلي الذي ارتكب الموبقات بحق أبناء شعبنا .. فالشعب العراقي ومجلس حكمه الانتقالي مغيبان عن عملية التحقيق مع هؤلاء القتلة ومقاضاتهم .. وهذه الممارسات بحد ذاتها تثير العديد من التساؤلات والشكوك بنوايا قوات الاحتلال !! ولا تستغربوا إن قلنا أن هذه الممارسات وغيرها والتي تقوم بها قوات الاحتلال , هي التي شجعت فلول النظام  ومرتزقته من إعادة تنظيم أنفسهم  من اجل فرض واقع يصعب على قوات التحالف تجاهله , كما أدى التساهل الذي تبديه هذه القوات تجاه من تقبض عليهم , تشجيع ما يسمى (بالمقاومة ) بالقيام بعملياتها التخريبية والإرهابية, لأنهم سيعاملون بلطف من قبل محققي قوات الاحتلال والذين لا يرافقهم أحد من ممثلي مجلس الحكم , كما ويطلق سراح هؤلاء بسرعة عجيبة , إن لم يجد المحققون أدلة ثبوتية عليهم , ولا ادري من أين سيحصلون على هذه الأدلة , وهؤلاء القتلة المأجورون مدربون جيدا على المراوغة والكتمان, وهم يواجهون محققون ليس لهم خبرة ودراية بالمجتمع العراقي وأساليب عمل مجرمي البعث!! 

رابعا, أما قرار السيد بريمر الآخر وهو تسليم الأسلحة إلى السلطات مع تقديم حوافز لذلك , فقد قوبل بعدم المبالاة والازدراء , بسبب ميوعة الإجراءات المتخذة من قبل السلطات المحتلة .. فاليوم نجد أن الأسلحة المتنوعة الخفيفة والثقيلة تباع في الأسواق , ولا أعتقد يختلف اثنان من أن البائع والمشتري هما من أعوان النظام البائد أو من المستفيدين من تدهور الأوضاع الأمنية.. وقد شنت بعض الغارات على هذه الأسواق من قبل الشرطة العراقية وقوات التحالف, ولكن طريقة العلاج هي سحب السلاح بشكل كامل من غير منتسبي الشرطة والجيش , خاصة وقد أثبتت الشرطة العراقية أنها مؤهلة للقيام بدورها بفاعلية .. ويستوجب وضع خطة متكاملة لغرض سحب السلاح من سكان بغداد أولا , وفي حالة نجاحها تتبناها بقية المدن , وتتضمن هذه الخطة منع حمل السلاح منعا باتا ويعاقب بالسجن والغرامة من يضبط ومعه سلاح, وكذلك إعطاء فرصة أخيرة لجميع المواطنين لتسليم أسلحتهم يحدد أمدها بأسبوع فقط , بعدها يتم فرض منع تجول ويتم التفتيش عن الأسلحة المخبأة ..

 خامسا, الاقتصاد وثروات البلد:
يقول بعض الاقتصاديون العراقيون والأجانب , إن نظام صدام الباغي وهو في ظل الحصار كان ينفق على التسليح بما يعادل 80 –90 بالمائة من ميزانية الدولة , وأما العشرين الأخرى فكانت تنفق على بقية القطاعات..
واليوم يقول الخبراء وكذلك صرح بذلك وزير النفط العراقي بأنه وصل إنتاج النفط العراقي إلى معدلات ما قبل الحرب. وإذا كان ما قاله السيد الوزير دقيقا , فلماذا إذن نحن نستورد النفط من شركة هالبيرتون الأمريكية؟ ولماذا أيضا نستورد الأيدي العاملة الأجنبية , ومئات الألوف من الفنيين والكوادر الجيدة عاطلين عن العمل؟  لست خبيرا بالنفط والاقتصاد, ولكن أحاول أن أكون منطقيا ومحاججا بعض الشيء , فإذا كان صدام ونظامه المتعفن قادرا على تمشية أمور البلد واقتصاده رغم ضعفه وصرفه الباذخ على التسليح وشراء الذمم وبناء القصور ..الخ لماذا لا يستطيع شعبنا العراقي باستخدام ليس عشرين بالمائة ولكن80- 90% من ثروات العراق لإعادة بناء البلد ؟ واما العشرون بالمائة الأخرى فتدفع للديون المستحقة على العراق.. كما أن الجدل الدائر حول الخصخصة وبيع القطاع العام وغيرها من الأمور التي تتمحور حول بيع المؤسسات العراقية بالمزاد العلني وبأسعار بخسة , والتي كما يقول مروجوها أنها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الإقتصادية التي يمر بها العراق , ما هي إلا محاولة لنهب ثروات العراق وشعبه .. وعلى كافة قوى شعبنا الوطنية الوقوف بوجه هذه المخططات الأنانية الجشعة التي لا تريد لشعبنا غير الانغماس أكثر وأكثر في الديون والفقر والتبعية .. كما ليس من حق مجلس الحكم الحالي ولا قوات الاحتلال تقرير مصير اقتصاد وثروات ومؤسسات البلاد .. إن هذه مسؤولية البرلمان والحكومة الجديدة المنتخبان ديمقراطيا..  

سادسا,  ورغم النجاحات التي تحققت في جوانب عدة مثل إعادة بناء المستشفيات والمدارس والجامعات , وتوفير الماء والكهرباء والاتصالات الهاتفية,  والجهود تبذل كذلك في مجال تشغيل العاطلين عن العمل ودفع رواتب الموظفين والمتقاعدين,  والاهتمام بنظافة الأحياء السكنية وغيرها من الأمور التي لها تماس مباشر بحياة المواطنين , إلا إن تأثير كل ذلك سيكون هامشيا إن لم يجر فعلا لا قولا فقط , عملية اجتثاث بقايا البعث ومحاكمة أقطاب النظام البائد المعتقلين منهم والفارين واللاجئين في بلدان أخرى , كما يستوجب توفير الأمن والطمأـنينة للمواطنين وسن دستور للبلاد وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية تحت إشراف دولي..

وعلى قوات الاحتلال أن تعلم أن مسؤولية تردي حالة الأمن والاستقرار في العراق تتحمل قسطا كبيرا منها , لأنها عمليا تحاول تهميش دور مجلس الحكم والقوى المشاركة فيه من خلال ترددها لا بل امتناعها عن تسليم الملف الأمني إليه , رغم إلحاح المجلس وغالبية الشعب العراقي على ذلك .. واليوم تجرب الإدارة الأمريكية فقاعة اختبار جديدة  مفادها بأنها تدرس استبدال هذا المجلس,  وبحجة إنه بطئ باتخاذ القرارات..وهي بذلك تحاول ترحيل أزمتها وفشلها وإلقائها على أكتاف مجلس الحكم !!  كمالا ندري أين سيصبح مصير قرار مجلس الأمن 1511 الذي نص صراحة على الاعتراف بمجلس الحكم كونه ممثل للعراقيين , فيما لو نجحت هذه الإدارة باستبدال المجلس بمجلس ترضى عنه!!

وبعد كل ذلك , إن كان هناك من يريد فعلا رحيل هذه القوات عن أراضي العراق وبأسرع وقت , فهو الشعب العراقي ومجلس الحكم الانتقالي , أما الصيحات التي نسمعها من معسكر أعداء شعبنا ووطننا والتي تدعي الحرص على مستقبل العراق , ولكنها تتآمر عليه وتصدر له الإرهابيين ليقوموا بقتل الأبرياء فسوف لن تحصد غير العار .. وحتى لو رغب الأمريكيون الرحيل الآن , فإن شعبنا وقواه الوطنية المخلصة وبعد أن ذاقت طعم الحرية وتخلصت من نظام القمع والإرهاب والمقابر الجماعية والحروب العدوانية , فإنها سوف لن تفرط أبدا بهذا النصر , وستصون وحدة هذا الشعب وتحمي الوطن وتهزم العدوان..

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|