الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر -أنابوليس- في أرجوحة استراتيجية العدوان الامريكية – الاسرائيلية

احمد سعد

2007 / 11 / 28
القضية الفلسطينية


يبدأ اليوم الثلاثاء، السابع والعشرين من تشرين الثاني الجاري، مؤتمر "أنابوليس" الدولي أعماله الرسمية، مع ان طابع هذا المؤتمر وما سيتمخّض عنه قد حددا وتقررا قبل بدء أعماله. فمجرد عقد هذا المؤتمر يعتبر مكسبًا سياسيًا لإدارة بوش، فهذا المؤتمر جاء بعد سلسلة من الهزائم والضربات التي واجهتها سياسة واستراتيجية ادارة بوش الخارجية التي ادت الى انخفاض في شعبية الرئيس بوش بين اوساط الرأي العام الامريكي والعالمي، لم يصل الى مستواه أي رئيس امريكي سابق – التورط الامريكي في العراق المحتل، تصاعد المقاومة للمحتل الامريكي وحلفائه في أفغانستان، تمريغ انف المعتدي الاسرائيلي – الامريكي في لبنان بأيدي المقاومة اللبنانية وحزب الله، تخلّص العديد من البلدان والأنظمة في امريكا اللاتينية من قبضة الهيمنة الامبريالية الامريكية وأخطبوط شركاتها الاحتكارية عابرة القارات في فنزويلا والبرازيل وتشيلي وبوليفيا وغيرها. فتحت يافطة عقد مؤتمر دولي للسلام لحل قضية الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني استطاعت ادارة بوش التمويه وتضليل الكثيرين مستغلة حقيقة ان الوجدان العالمي، غالبية الرأي العام العالمي مع انهاء مأساة الشعب العربي الفلسطيني المخضبة بدماء ومعاناة الألوف المؤلفة من شهدائه وأبنائه، والتوصل الى تسوية نهائية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي. بالتمويه والتضليل نجح بوش وادارته وبمساعدة الدواجن الداجنة في القن الامريكي من أنظمة العرب، أن يجنّد للمشاركة في المؤتمر الامريكي جميع أعضاء الجامعة العربية – مصر والسعودية والاردن ولبنان والعراق والبحرين والامارات العربية والجزائر والمغرب وتونس واليمن وموريتانيا وعُمان وقطر والسودان والأمين العام للجامعة العربية عمر موسى. فقد اشترطت لحضورها بادراج موضوع هضبة الجولان السورية المحتلة على أجندة مؤتمر "أنابوليس" وهذا ما حدث فعلا.
فهذه المشاركة العربية الرسمية الواسعة اضافة الى أعضاء مجلس الأمن الدولي دائمي العضوية وعدد من الدول الاسلامية والاوروبية (حوالي 40 دولة ومنظمة دولية) جعل بعض المعلقين السياسيين يدّعون انه بمؤتمر "أنابوليس"، بعدد ونوعية المشاركين فيه استعادت الولايات المتحدة الامريكية مكانتها ودورها كالقوة المركزية في الشرق الاوسط وانها يكفي ان تطلق صفارتها حتى يهرع الجميع للتجمع حولها!! والمقصود هنا، المدلول السياسي هنا، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة العربية الواسعة واسرائيل وتركيا، ان مؤتمر "أنابوليس" المرحلة التحضيرية غب المساعي الاستراتيجية الامبريالية الامريكية باقامة "الشرق الأوسط الكبير" كإطار تحالفي سياسي – اقتصادي – عسكري تطبّع فيه العلاقات العربية – الاسرائيلية ويكون بمثابة تحالف استراتيجي تحت المظلة الامريكية. كما انه ليس من وليد الصدفة ان يركّز الساسة ووسائل الاعلام الرسمية وشبه الرسمية وكأن مؤتمر "أنابوليس" يفرز بين القوى "المعتدلة" - الأنظمة المعتدلة العربية التي تشارك في المؤتمر و"مركب الشر" الذي تعتليه حكومة الشر المعادية لمؤتمر "أنابوليس" - ايران وحزب الله وحماس وسوريا في حالة عدم مشاركتها في "أنابوليس". والتركيز الامريكي – الاسرائيلي على هذا الفرز الامبريالي ليس صدفة، فإحدى القضايا المركزية التي سيتداولها الوفد الاسرائيلي الى مؤتمر "أنابوليس" ويضم اضافة الى رئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير "الأمن" ايهود براك، هي قضية مواجهة ايران!! ولهذا لا نستبعد أن يكون مؤتمر "أنابوليس" أيضًا مرحلة تحضيرية لعدوان "استباقي" عسكري بالطيران الامريكي والاسرائيلي على ايران واجتياح عسكري لقطاع غزة وتفجير حرب أهلية في لبنان مع دعم خارجي لحسم الصراع في لبنان في حالة فشل انتخاب رئيس توافقي للجمهورية في الثلاثين من الشهر الحالي.
قد يتعجب القارئ انني لم أتطرق حتى الآن الى القضية المركزية التي من اجلها يدّعي بوش وأولمرت يُعقد مؤتمر "أنابوليس"، قضية حل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني! فبرأيي انه لا احد يأخذ مأخذ الجد انه يمكن ان يتمخض عن مؤتمر "أنابوليس" أية نتائج تؤدي الى دفع مسيرة التفاوض نحو الحل الدائم والتسوية العادلة للقضية الفلسطينية. فعندما أعلن بوش عن "مبادرته" بعقد المؤتمر الدولي كان وضعه السياسي في الحضيض و"حبل المشنقة" يتأرجح حول رقبة حكم أولمرت من جراء الأزمة التي خلفتها الحرب العدوانية الاسرا-أمريكية الفاشلة على لبنان. واعتقد بوش أن بعقد مؤتمر حتى لو انه "سيطحن ماء" يمكن ان يساعده وحلفاءه في تخفيف الأزمة والنقمة على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الامريكي في العراق والاحتلال الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، خاصة في قطاع غزة المحاصر عسكريًا واقتصاديًا، وسيجري تسويق الوحوش من ذئاب الغاب، حكام اسرائيل و"البيت الأبيض" انهم دعاة سلام ورجال سلام. ولكن بعض الأمور قد تغيرت في الاشهر الأخيرة قبل مؤتمر "أنابوليس". فالانقلاب "الحمساوي" على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة قد أضعف الموقف الفلسطيني، وتفجر الأزمة والصراع المسلح "فجأة" بين تركيا وحزب العمال الكردستاني التركي على الحدود العراقية - التركية قد صرف أنظار الرأي العام العالمي مؤقتًا، قذف اكثر من أربعين ألف جندي أمريكي جديد الى العراق المحتل، قاموا بارتكاب مذبحة بشرية ضد شعب العراق، مجازر دموية ضد المدنيين تقشعر لها الأبدان وليرتفع عواء الذئاب بأن "المقاومة للمحتلين في العراق قد خفّت"!!
في خطابه امام وزراء خارجية الجامعة العربية اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحقيقة انه يذهب الى مؤتمر "أنابوليس" "بأيد فارغة" ان صح التعبير، فالطرف الاسرائيلي بقيادة أولمرت في لقائه مع الرئيس محمود عباس، وطاقم المفاوضات المشترك الاسرائيلي – الفلسطيني – تسيبي ليفني – أحمد قريع (أبو العلاء)، الطرف الاسرائيلي رفض جميع المقترحات الفلسطينية الجوهرية، رفض في البداية أن يبحث مؤتمر "أنابوليس" قضايا الحل الدائم (الدولة، الحدود، القدس، العودة والمياه) ثم رفض صياغة "وثيقة مبادئ مشتركة" تكون منطلقًا يجري التفاوض حولها بعد مؤتمر "أنابوليس"، حتى صدور بيان مشترك اسرائيلي – فلسطيني بعد انتهاء المؤتمر رفضه الاسرائيليون. كما رفضوا أي التزام بجدول زمني محدد لانهاء المفاوضات حول الحل الدائم. فاسرائيل تذهب الى مؤتمر "أنابوليس" دون ان تلتزم بأي شيء، بالرغم من انها تحتل مناطق أرض الدولة الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
ولعل جدول أعمال مؤتمر "أنابوليس" يعكس حقيقة طابعه. فعشية افتتاح المؤتمر، الأحد الخامس والعشرين من هذا الشهر، أي قبل يومين من افتتاحه يلتقي لتنسيق المواقف أولمرت وليفني مع وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس وستجري محاولة لصياغة بيان مشترك اسرائيلي – فلسطيني!! وفي اليوم التالي في السادس والعشرين من الشهر نفسه يلتقي الرئيس بوش كلا على حدة، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومع رئيس الحكومة الاسرائيلية أولمرت، "لتلاوة الوصايا العشر الامريكية"!!
في السابع والعشرين من هذا الشهر ينتقل الرؤساء بالطائرات صباحا الى القاعدة البحرية العسكرية "أنابوليس" حيث يعقد المؤتمر، يختلي بوش وعباس وأولمرت للقاء قصير ثم ينتقلون الى قاعة الوفود حيث يلقي كل واحد منهم ما تيسّر من الكلمات، أما بعد الظهيرة يواصل المؤتمر عمله على مستوى وزراء الخارجية و"الشاطر من شطارته في طزع الحكي الفارغ"! في الثامن والعشرين من الشهر يلتقي بوش مع عباس وأولمرت "لتلخيص" المؤتمر ولإقرار كيف ستستمر بعد ذلك المفاوضات. اما تسيبي ليفني فستلتقي مع وزراء الخارجية العرب!!
كما يتضح فإن جدول أعمال هذا المؤتمر يعكس حقيقة ان جدول أعماله لا يشمل أجندة محددة ولا يطرح أفقًا استراتيجيًا واضحًا ومحددا مجسدًا في إطار بيان مشترك يشمل الخطوط العريضة على الأقل لمبادئ وقواعد الحل الدائم، والموقف من القضايا المركزية التي تعكس ثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية – الحدود، القدس، العودة والمياه – بعد زوال الاحتلال الاسرائيلي ودنسه الاستيطاني من جميع المناطق والاراضي الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين.
وما أود تأكيده في النهاية ان هدف التحالف الاستراتيجي العدواني الامريكي – الاسرائيلي من مؤتمر "أنابوليس" ليس أبدًا بناء أسس السلام العادل في المنطقة على أساس انصاف الشعب الفلسطيني بانجاز حقوقه الوطنية بالحرية والاستقلال الوطني ولا عودة هضبة الجولان السورية المحتلة الى الحضن السوري الرؤوم، بل بلورة الظروف لتطبيع العلاقات الاسرائيلية – العربية تحت المظلة الامريكية بشكل يدفع المشروع الاستراتيجي الامريكي بإقامة "الشرق الأوسط الكبير". كما لا نستبعد ان يكون مؤتمر "أنابوليس" مرحلة تحضيرية لخلق المناخ المناسب لشن حرب عدوانية تحت يافطة "محاربة الارهاب" ضد ايران وحزب الله وقطاع غزة.
فالامبريالية الامريكية التي ترتكب الجرائم ضد الانسانية في العراق المحتل، واسرائيل التي ترتكب الجرائم الهمجية ضد الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة لا يمكن ان تتجها نحو السلام العادل، بل يجب ايجاد وبلورة الظروف التي تضطرهما الى الإقرار بالحقوق الشرعية للشعوب، بحق الشعبين العراقي والفلسطيني بالحرية والاستقلال الوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا