الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغيف الخبز .. يا حكومتنا الموقّرة !

عبد الجبار السعودي

2007 / 11 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أرتبط رغيف الخبز منذ القدم ، بعادات الشعوب الغذائية في العديد من دول العالم، فلا تجد بيتاً أو وجبة طعام إلا والخبز حاضراً فيها. وحبة القمح قد وجدت نفسها منذ عهود غابرة محط تقديس وأهتمام زارعيها و مقتنيها، لأنها توفر لهم طعاماً لذيذاً لا يصعب عليهم زراعته وأقتناء محصوله وتناول ما يُصنع منه ، فقد قيل أن السومريين كانوا يلتقطون حبوب القمح التي يجدونها مرمية على الأرض ويقـبّـلوها نظراً لأهميتها الغذائية الكبيرة و ضرورتها في أطعام الجائعين أن لم تتوفر غلة أخرى أو طعاماً آخراً !! وهكذا جاءت العادة لدينا في تقبيل قطعة الخبز لدينا إن وجدناها مرمية على الأرض أو مكان غير لائق بها ! وهكذا أيضاً أصبح الخبز مصدر ألهام وأشباع للكثير من الشعوب والأقوام ، وعلى أساس وجوده و وفرته، تقاس مدى قدرة هذا الحاكم أو تلك السلطة في توفير القوت اليومي للمواطنين وعلى أساسه أيضاً قامت ثورات وأنتفاضات أنتفض فيها الجياع على حاكميهم . يضاف الى ذلك أن دولاً عديدة بدأت تعير أهمية كبيرة لتوفير هذا المحصول عبر زراعته و توفير الأمكانات العديدة للفلاحين لكي يزيدوا من غلة الأنتاج و تحسين نوعيته ، وأنشأت الدول المهتمة بقوت أبناءها ومع حقبة التطور الصناعي منذ مائتي عام مضت ، وسائلاً صناعية أخذت تتطور مع تلاحق السنين لتطوير صناعة الخبز ، وذلك عبر إنشاء أفران كبيرة أخذت هي بدورها في التطور، تنتشر في طول البلاد وعرضها .. وصاحب كل هذا التطور و منذ عقود قريبة مضت رحى حرب خفية حول أسعار القمح بين العديد من الدول الرئيسية المنتجة لهذا المحصول ، الذي أصبح وحتى يومنا هذا يتحكم في سياسات و موازين القدرات الأقتصادية لدول العالم المنتجة لهذا المحصول المهم ، فلم يعد النفط وحده المصدر الوحيد الذي تتنافس عليه الدول الكبرى ، للأستئثـار به ، بل و لحقت به غلال القمح وأنتاجه و سياسات تصديره .
ولو عدنا الى وطن الرافدين، العراق ، والذي تزخر أراضيه بمساحات واسعة وكبيرة لزراعة القمح ، فإننا نجده وبعد سنوات وعقود من الحروب والتدمير المتواصل في عهد النظام السابق، وما لحق بأراضيه الزراعية وفي البنى التحتية للأقتصاد العراقي عموماً ، فأنه قد أخذ ينوء تحت أعباء و هموم ثقيلة تلقي بكاهلها على المواطن البسيط الذي وجد نفسه ضحية صراع غير مسبوق و غير معهود له من أجل الحصول على رغيف الخبز اليومي ، فجاءت سنوات الحصار الدولي الذي أستمر لثلاثة عشر عاماً بعد غزو وأحتلال دولة الكويت وما أعقب ذلك من عقوبات أقتصادية قاسية، أجبرت النظام السابق على أتباع سياسة التقنين في المواد الأساسية والضرورية لمعيشة المواطن والتي أخذت طريقها اليه عبر البطاقة التموينية المدعومة والتي لا تلبي أساساً أحتياجات الفرد العراقي الى غذاء يومي صحي ومتكامل ، وأشتدت بالمقابل حينها حرب الأسعار التي أستفاد منها النظام على حساب قوت الشعب اليومي و برزت فئات منتفعة في المجتمع العراقي ، لا هـــمّ لها سوى الأرتزاق والعيش الرغيد على حساب هموم ومعاناة الأغلبية من أبناء الشعب .
وفي خضم الفوضى السياسية الجارية منذ أكثر من أربعة أعوام عقب عملية التغيير السياسي في البلاد وتعاقب التشكيلات السياسية الحاكمة من مجلس الحكم الى حكومات تذهب وأخرى تجيء، فإن الأحوال المعيشية للمواطن العراقي وإن وجدت أنفراجاً و تحسناً ملحوظاً في مدخوله الفردي تحديداً ، لكنها من ناحية الخدمات و توفير الحاجات الأساسية الغذائية عبر البطاقة التموينية قد بقيت كما هي دون تطوير أو تحسين في النوعية ، بل أن البعض ولأعتبارات تتعلق بسياسة الصراع على النفوذ في هذا الموقع أو ذاك والتهالك على السلطة بشتى الأثمان ، ينادي بألغاء تلك المفردات ومنها مادة الطحين التي تصل عبر تلك البطاقة أرضاءاً لسياسات المنظمات المالية العالمية الداعمة ومنها منظمة صندوق النقد الدولي ، غير مكترثين هُم والفئات المنتفعة من حولهم بهموم وآلام الملايين التي تبحث عن لقمة خبز نظيفة تتوافر لهم دون منغصات ، وبعيداً عن لهيب الأسعار المشتعل والمتزايد الذي يأكل مداخيلهم اليومية أو الشهرية التي يتقاضونها.
إن صناعة الخبز المتعددة الأشكال والمتعارف عليها عندنا في العراق وفي البيوت تحديداً ، لا تتوفر لعموم الناس وسط الغلاء الفاحش في أسعار قناني الغاز السائل المباع والمستخدم في صناعة الخبز و ندرة الحصول عليه بأسعاره الأساسية ، كما أن الأفران الشعبية المنتشرة هنا وهناك في عموم البلاد وفي ظل أزمات الوقود والكهرباء وجشع بعض أصحاب المخابز، لا توفــّر تماماً مادة الخبز والصمون للمواطنين التي يستلمونها لشهر كامل بأيامه الثلاثين مقابل ما يرسلوه لتك الأفران من كميات الطحين المستلمة من وكلاء توزيع مواد البطاقة التموينية، بل أن واقع الحال يشير الى أنها لا تكفيهم سوى لأيام معدودات !!
و وسط هذا الهم اليومي للعائلة العراقية المبتلية بقوتها اليومي ومنذ عقود مضت وتلاعب البعض من التجار وأصحاب الأفران بهذا القوت اليومي المهم ، فإنها لا تزال تبحث عن حلول لمعاناتها اليومية التي لا تقف عند هذا الهم ، بل تتعداه الى هموم الخدمات المتعددة من كهرباء وماء نظيف للشرب ومجاري للصرف الصحي و إزالة الأزبال التي تتراكم لأيام وما تجلبه من أخطار صحية يصعب أحصاءها .. وغيرها من الخدمات ، لذا فإن وزارة التجارة ومعها المؤسسات الصناعية و دوائر الدولة ذات العلاقة المعنية بتوفير مادة الخبز اليومية للمواطنين مدعوة الى إنشاء أفران أوتوماتيكية منتجة للرغيف بالتعاون مع القطاع الخاص وتحت أشرافها، توزّع على عموم المحافظات وضمن خططها الأستثمارية السنوية وبأجور مجزية للعاملين في تلك الأفران و تحت رقابة وزارة التجارة والصحة و تصدير منتوج تلك الأفران مباشرة عبر وكلاء معتمدين للوزارة وبأسعار مدعومة حكومياً لبيعها مباشرة على المواطنين والحد من ظاهرة التلاعب بنوعية الطحين المنتج من بعض المطاحن والتي يعاني منها المواطن أو التلاعب بأسعاره في الأسواق حسب أهواء وأمزجة بعض التجار أو بعض أصحاب المخابز ، خصوصاً وأن تلك الأفران الأوتوماتيكية المشار اليها لا تحتاج الى مبالغ طائلة لأنشاءها يصعب على الحكومة العراقية الحالية وأجهزتها المالية توفيرها في ظل هذه الميزانية الأستثمارية الضخمة التي أعلن عنها في عام 2007 وتلك التي سيعلن عنها في العام القادم. والتي يتساءل المواطن عن ثمارها على أرض الواقع ، إن لم تكفل له توفير لقمة خبز نظيفة ، لا ينغصها جشع المتلاعبين بقوت الشعب .
دعونا لا نذهب بعيداً و نتساءل أيها البرلمانيون العراقيون المنتخبون وأنتم تلوكون لقمة خبزكم اليومي دون منغصات، كيف تـُطعم دولة الصين نساءها و رجالها و شبيبتها وأطفالها البالغ تعدادهم أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة ، دون أن نسمع عن أزمة غذائية لديها أو عن أنتفاضة شعبية قامت هناك من أجل رغيف الخبز !
* * *
بصــــرة – أهـــوار
27 تشرين الثاني 2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات