الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإحتلال الأمريكي وإنهيار الدولة العراقية

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2007 / 11 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تحت هذا العنوان، صدر للباحث والمفكر العراقي الأستاذ لطفي حاتم، عميد كلية القانون والسياسة بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك،كتاباً جديداً، من منشورات تموز،مالمو،2007، يتناول موضوعات فكرية هامة وساخنة،جمعتها 3 فصول،ومقدمة، ضمتها 124 صفحة.
مقدمة الكتاب، كتبها د.إبراهيم إسماعيل،أشارت الى أن أية نظرة متأنية وموضوعية لما تعيشه بلادنا المحتلة والجريحة،تكشف مدى الحيرة والدهشة التي تطبق على الملايين من الناس،من الذين يسلب الإرهاب أرواح ذويهم، وينخر الجوع أجسادهم،ويملأ اليورانيوم المنضب رئاتهم، ويمتهن غياب السيادة كرامتهم الوطنية، ويأد اللصوص وأساطين الفساد الأداري وسياط المليشيات ما تبقى لهم من حلن، أولئك الذين تؤرقهم ذكرى أبنائهم المفرومين في مسلخ البعثيين، وتطبق على لياليهم الموحشة صور أطفالهم المختفين بالغازات أو المكبلين أحياء في المدافن الجماعية،أولئك المسحوقين المتأرجحين بين عبودية الخوف ومشاعر الثأر ورماد الخيبات،،بين البطالة والجوع وغياب الأمن والتدهور المريع في الخدمات،وغياب مستلزمات الحياة الآدمية،كالقوقد والكهرباء والتعليم والصحة والنظافة وغيرها. وتشتد الحيرة قسوة، لتشكل مرارة اللامبالاة تجاه الفعل السياسي والإستسلام لمحاولات قوننة الأستبداد، وذلك جراء تكريس الهيمنة الأجنبية، وعدم وجود أفق واضح لنهاية إحتلال معلن "شرعنت" وجوده الأمم المتحدة، وإحتلالات أخرى مستترة تنظم وجودها للأسف ميليشيات وأحزاب السلطة وخارجها، لاسيما بعد ان صار جلياً بان المحتلين جبهة واحدة رغم إختلاف سحنهم وبرامجهم ومواعيد صلواتهم،فهم يسعون لأدامة حالة التشتت التي يعيشها المجتمع بغية إبقاء البلاد ضعيفة في مركزها،قوية في أطرافها،تتجاذبها إستقطابات مختلفة لا تدعها تستعيد عافيتها..
ضمن هذا السياق تناول الفصل الأول، وعنوانه:"الغزو الأمريكي للعراق وأزمة العراق الوطنية" عدداً من الموضوعات الساخنة،مبتدءاً بنظرة عامة على التشكيلة العراقية وبنيتها السياسية، في إطار ما أنتجه الإحتلال الأمريكي للعراق وإنهيار الدولة الدكتاتورية من تغيرات فيها، مفصلاً في القاعدة الإجتماعية للدولة الدكتاتورية عشية إنهيارها، وتفكك تلك القاعدة،وما أنتجه(التفكك) من ميول متزايدة نحو سيادة المؤسسات الأهلية والسياسية الناشطة في التشكيلة الوطنية العراقية.وألقى نظرة فاحصة على طبيعة تلك الفعاليات، وأولها- المؤسسات الأهلية، وفي مقدمتها: الرابطة العشائرية، والمرجعيات الدينية،مستنتجاً بان البنية التحتية لقوى الأسلام السياسي، وتأثيراتها المتزايدة على أوساط واسعة من الكتل الشعبية، تحمل مخاطر جدية على التشكيلة السياسية العراقية، وذلك من خلال تحول تلك البنى الإقتصادية والكتل الشعبية المساندة لها الى بنية طبقية تساهم في تلون البناء السياسي القادم للدولة العراقية بألوان طائفية.وثانيها- التيارات السياسية،وأبرزها:التيار القومي العربي، والقوى القومية الكردية،والتيار الديمقراطي بشقيه اليساري والليبرالي.
وإتماماً للموضوع تناول سمات التشكيلة السياسية، وإختتمها بإستنتاج مفاده ان توطد مكونات المجتمع الأهلي من مؤسسات دينية وأخرى عشائرية يفضي الى أخطار جدية على تطور المستقبل الديمقراطي للدولة العراقية إنطلاقاً من تحول تلك التشكيلات الى بنى/طبقية/ قومية/ طائفية تساهم في تفتيت الهوية الوطنية العراقية،وما يعنيه ذلك من مخاطر إنزلاقها- مؤسسات المجتمع الأهلي- الى لغة النعف لحل خلافاتها السياسية/ الإجتماعية بسبب ثقافة (السلاح الناري)التي رسختها الدكتاتورية المنهارة.
وبذات الطرح الموضوعي الجريء عرى المؤلف السياسة الأمريكية منذ غزوها للعراق،ضمن ما أسماه " الفوضى الخلاقة وأزمة العراق الوطنية"، القائمة على التخبط وإنعدام الرؤية الأستراتيجية،مختتماً بوجهة نظر مفادها ان الإدارة الأمريكية وبسبب روح المغامرة والهيمنة التي تكتنف نهجها السياسي اللامسؤول تحاول حصر حل القضية العراقية مع الجمهورية الإسلامية لغرض نقل الأزمة العراقية من إطارها العراقي الى إطارها العربي/الأيراني،محذراً من ان تصاعد عمليات العنف والتصفيات المتبادلة وإنفلات الأمن،التي تضع البلاد على حافة الحرب الأهلية والتي من شأن إندلاعها ان يجر المنطقة الى حرائق لا يمكن التحكم بنتائجها التدميرية.
وإستكمالاً لما مر،فصل المؤلف في موضوعة الإحتلال الأمريكي وتناقضات المرحلة الإنتقالية،وإنتقال السلطة وإزدواجية الهيمنة في العراق،والمواطنة بين المساواة الشكلية وتفكك الدولة العراقية،وإختتمها بموضوعة المرحلة الإنتقالية وبناء شكل الدولة العراقية.

وكرس الفصل الثاني لـ "الشرعية الإنتخابية وبناء الدولة الطائفية" طرح خلاله اَراءاً حول المستجدات السياسية وبناء الرؤية الوطنية، متوخياً ان تساهم في دفع التيار الديمقراطي ومشروعه الوطني الى مسارات أكثر فاعلية.وتناول التشكيلة العراقية وصراع بنيتها الطائفية، والشرعية الإنتخابية وغياب الرؤية الوطنية، والإصطفافات السياسية وسمات المرحلة الدستورية،مستعرضاً وقائع وتناقضات وتحديات تواجه المرحلة الدستورية ومخاطر مساراتها وما تشترطه من ضرورة الإبتعاد عن الرؤى الساخنة والأفكار الآيديولوجية المسبقة.
وفي هذا المضمار،ركز على الشرعية الإنتخابية وأجهزة الدولة السيادية، معتبراً ان بناء الدولة العراقية قد دخل طوره الثاني بعد الإنتخابات الأخيرة، فاذا كانت سمات الطور الأول مصبوغة بطابع الأحتلال وهيمنته على القرار السياسي عبر تشكيلة مجلس الحكم، والحكومة المؤقتة الأولى،فان الطور الثاني يحمل السمة الوطنية من خلال شرعيته الإنتخابية التي أفرزت حكومة تتمتع بتأييد ومباركة أقسام واسعة من مكونات التشكيلة العراقية.
وإستناداً الى شرعية الحكم الجديد حاول المؤلف التعرض الى بعض إشكالات الطور الثاني من المرحلة الإنتقالية التي تواجه السلطة الشرعية.وحلل المشاكل الواقعية الشاخصة أمام إعادة بناء الأجهزة السيادية للدولة العراقية، والتي يراها في بناء المؤسسات العسكرية، وبناء الأجهزة الأمنية والسياسة الخارجية.ويرى ان الموضوعات والتوجهات السياسية التي إستعرضها تؤدي الى وضع بلاد الرافدين على طريق البناء الديمقراطي الضامن لحرية ووحدة مكونات التشكيلة العراقية.وإرتباطاً بهذا، تناول القانون الأساس وإشكالات بناء الأجهزة العسكرية، مبدياً ملاحظات راهنة حول هذا البناء،ويختتم الموضوع بتوجية سؤال عن ماهية مستلزمات بناء أجهزة أمنية/إستخباراتية للدولة تنطلق من الروح الوطنية العراقية ؟
وتطرق الى سلطة الشرعية الإنتخابية ومسار السياسة الإقتصادية، مقدماً مقترحات عديدة تصلح لتشكل برنامجاً إقتصادياً راهناً يتم على أساسه الحد من النتائج الوخيمة على مستقبل العراق الأقتصادي واَفاق تطور قوى تشكيلته الإجتماعية.
وتوقف عند بناء الدولة وتنازع بنيتها الدستورية،متفحصاً بعض التجارب الإتحادية التي أسهمت في إثراء وتطور النموذج الفدرالي.وتأسيساً على ما أفرزته التجربة التأريخية من أشكال فدرالية يطالعه السؤال التالي:ما هي المتغيرات الدولية/الوطنية المؤثرة على البناء الفدرالي لدولة العراق ؟
وفي مسعاه للإجابة حاول التعرض الى تلك المتغيرات بموضوعات مكثفة.وأزاء الإشكالات القائمة ونتائجها حاول المؤلف التوقف عند سمات التشكيلة العراقية التي أفرزها الإحتلال الأمريكي وإنهيار الدولة العراقية. وتوصل الى إستنتاجات مهمة يلخصها بالمؤشرات التالية:
* ليس هناك طبقة إجتماعية او كتلة تأريخية قادرة على بناء الوحدة الوطنية.بمعنى غياب الطبقة ذات الأهداف العراقية القادرة على بناء الشكل الفدرالي للدولة العراقية.
*القوى الطبقية الناشئة تعتمد في بناء قوتها الأقتصادية/السياسية على لحظة النهب المتواصل لتركة الدولة العراقية وبقايا مؤسساتها الإنتاجية/ الخدمية.
* القوى الطبقية الجديدة لا تمتلك الشرعية الوطنية والفعالية الإقتصادية للتفاوض مع الشركات الأجنبية الأمر الذي يوسم نشاطها بالطفيلية والتبعية للقوى الخارجية.ولغرض إكساء شرعية فكرية على إستنتاجاته يحاول التعرض بشكل مكثف الى سمات مسودة الدستور العراقي الدائم.

الفصل الثالث والأخير خصصه لـ التشكيلة السياسية للعراق وتعثر بناؤها الديمقراطي، تناول فيه موضوعات ساخنة،مثل التداخلات الدولية وتشكيلة العراق السياسية،الدولة والمليشيات المسلحة،أزمة العراق الوطنية وإصطفافات المرحلة الإنتقالية (السمات العامة لأزمة العراق الوطنية،الأصطفافات السياسية ومخاطرها المستقبلية)،الإسلام السياسي في العراق، إنتقال السلطة ومهام اليسار الديمقراطي، اليسار الديمقراطي ومهام المرحلة الإنتقالية. واَخر موضوعة هي: الإحتلال الأمريكي للعراق وإنهيار بنية الخطاب الوطني الديمقراطي. وكل واحدة من هذه الموضوعات الهامة تحتاج الى وقفة لا يتسع لها المجال هنا.
وإختتم المؤلف كتابه بتلخيص لما إستعرضه ،متوصلاً الى الإسنتاجات التالية:
أفضى الإحتلال الأمريكي للعراق، وتوزع التشكيلة العراقية على كتل سكانية، الى خراب الأسس المادية الضامنة لبناء المشروع الوطني/ الديمقراطي القادر على صيانة وحدة البلاد الوطنية.وأدى تبعثر التشكيلة العراقية الى تحول القوى الطبقية الى قوى هامشية، الأمر الذي أعاق تطور القوى الإجتماعية المساندة للمشروع الوطني الديمقراطي.وتؤشرعوامل ضعف التيارات الليبرالية/اليسارية الحاملة للمشروع الوطني الديمقراطي الى عدم إمكانية بناء مشروع وطني يجمع بين مصالح البلاد الوطنية وبين الديمقراطية السياسية في الظروف التأريخية الملموسة.

إن كتاب "الإحتلال الأمريكي وإنهيار الدولة العراقية" مؤلف قيم،لا يستحق القراءة،فحسب، وهو مفيد جداً للتثقيف الذاتي، بل وستسهم دراسة موضوعاته وطروحاته الجريئة، بتأن وموضوعية،بلا شك، في تفعيل النقاش الفكري،وخاصة الجماعي،وستخلق، في كل الأحوال، نقاشاً جاداً،وهادفاً،لإغناء الموضوعات المطروحة، ولتطويرها، وهذا ما يتمناه المؤلف.
د. كاظم المقدادي- السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ