الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يوميات معلم مشاغب (8) !

نايف ابو عيشه

2007 / 11 / 30
الادب والفن


في الصف السابع . كان حديث التخرج والتعيين في مدرسة اعدادية باحدى القرى البعيدة عن المدينة وبعد ان عرفه المدير على زملائه وعلى الصفوف التي سيعلهما . وخلال شرحه للدرس الاول لاحظ بان احد الطلبة كثير الحركة والتحدث مع زملائه ويقوم ببعض الحركات الخفية المضحكة. ايقن ان الدرس الاول هو بمثابة اختبار لشخصيته بكل المقاييس . للحظات تجاهل حركات الطالب غير المبررة .وعندما تمادى الاخير ساله المعلم عما يضايقه او يزعجه في الحصة او طريقة الشرح , ولكنه نفى تضايقه او انزعاجه من اسلوب المعلم . وبعد لحظات وخلال كتابة الاخير على السبورة ,ضرب الطالب مقعده الخشبي بقوة صدرت عنها ضجة مزعجة , تبعتها ضحكات خافتة وهمسات كثيرة بين الطلبة .اكمل المعلم الكتابة وكانه لم يحدث شيئا . استدار ببطء , ووقف قبالة الطلبة , شملهم بنظرة متفحصة . القى قطعة الطباشير على الطاولة , نفض الغبار عن يديه بضربات متلاحقة , وظل على وقفته ونظراته الثابتة ما زالت تتفحص الوجوه التي ارتسمت عليها تساؤلات كثيرة .اهمها: كيف سيتصرف المعلم الجديد مع زميلهم وهل سيثبت نفسه بجدارة ويعرف الفاعل ويعاقبه , وكيف سيكون العقاب ؟
ارتسمت ابتسامات خجولة على وجوه البعض , وتغيرت ملامح البعض منهم عندما نزع سترته وعلقها على الكرسي القريب , ونزع ساعة يده ورماها على الطاولة , وثنى كمي القميص على ساعديه للوراء . ذرع الممر الفاصل بينهم وبين السبورة بخطوات ثابتة بطيئة ومنتظمة وهو ما زال يراقبهم ويتفحصهم بنظراته القاسيةوملامحه الجامدة. اختفت الابتسامات عن وجوههم المشرئبة نحوه كلما تحرك يمنة ويسارا وعليها امارات الانتظار لما سيفعله في اللحظة القادمة. اخيرا بدد الصمت الثقيل الذي خيم على المكان , عندما سال عن الفاعل . لكن أي منهم لم يجرؤ على الوشاية بزميلهم رغم محاولته تعطيل الدرس والتشويش عليهم .احس بالارتياح لان أي منهم لم يش بزميله مهما كانت مبررانهم لذلك .فكر ان يتهم الطالب الذي رآه مع بداية الدرس يقوم بحركات مضحكة ويعاقبه او يرسله الى المدير لكنه فكر بنفسه ان الفاعل ربما طالب آخر , هز راسه ورمقه ذلك الطالب بنظرة غاضبة ذات معنى وواصل الشرح كانه لم يحدث شيئ ,مع انهم لاحظوا تغيرا في نبرته وهو يذرع الممر امامهم بخطواته الثابتة القوية دون ان يرفع ناظريه عنهم , وبدا كجنرال يشرح لجنوده خطتة العسكرية للهجوم قبل المعركة وهو يراقب ملامحهم المتغيرة مع كل كلمة وحركة من يده وخطوة يخطوها امامهم. استدار ثانية ليكتب على السبورة ولديه احساس قوي ان الفاعل سيكرر ضربه للمقعد .لم يكمل كتابة الكلمة عندما التفت براسه للوراء , ويده ما زالت مثبتة على السبورة فتلاقت نظرته مع نظرة الطالب الحذرة وهو رافع يده في الهواء ليكرر ضرب المقعد ثانية.لكنه انزل ذراعه بسرعه واطرق براسه للارض , وشبك يديه امامه بصمت . ظل المعلم على وقفته تلك ويده مثبتة على السبورة وعيناه تحملقان بالطالب بنظرة ملؤها الدهشة والغضب للحظات وملامح الدهشة على وجوه الطلبة وبعض ابتسامات التشفي ونظرات تشرح عما يجول بخاطرهم بانه يستحق العقاب , وعندما وقف عريف الصف يساله ان كان سيرسله للمدير , رمقه المعلم بنظرته الغاضبة واشار له بالجلوس.اكمل المعلم الكتابة وهو ما زال على وقفته تلك . استدار ببطء ومشى بخطى متناية وهو يسلط نظراته نحو الطالب المرتبك وقد انكمش على نفسه كعصفور خائف . توقف المعلم وراء الطاولة , هز راسه وزم شفتيه وبدت عليه امارات التفكير , وساد الصمت الثقيل والهدوء كالذي يسبق العاصفة . وبعد لحظات فوجيء الطلبة بمواصلة المعلم شرحه للدرس , مع انهم احسوا بمعركة خفية تدور بين زميلهم والمعلم وهم يجهلون كيف سياعقب زميلهم على فعلته التي اعتادوها منه في معظم الدروس وغالبا ما يعاقبه المدير على ذلك , وبدا الجو مشحونا بالتوتر وهم يترقبون بفارغ الصبر ما سيحدث مع زميلهم .
رن جرس المدرسة فجاة , وضجت بنايتها الكبيرة بافواج الطلبة خارجين نحو الساحة كجداول غزيرة تدفقت فجاة نحو البحيرة . نفض المعلم يديه من غبار الطباشير واشار لهم بالخروج من الصف. وحين هم الطالب بالخروج مع زملائه استوقفه وامره بالجلوس على مقعد قريب.ارتعدت فرائص الطالب وتغيرت ملامحه وبدا خائفا مهموما , واضعا كفيه على وجهه تحسبا من صفعات غاضبة .طمانه المعلم بنبرة ودية انه لن يضربه , وبدأ يحثه على الدراسة والاهتمام بمستقبله ,وتقديم النصائح له ليتخلى عن تصرفاته وسلوكه الذي يتسبب له بالعقاب من المعلم والسخرية من زملائه. تحدث معه كانه ولده او شقيقه الاصغر .كان اسلوب الحديث مفاجئا للطالب الذي اطرق براسه خجلا واحس بندم شديد على فعلته وتانيب الضمير لانه لم يتوقع ان يتوقع ان يحادثه بهذه الطريقة التي شعر فيها بحنان المعلم وصدق عاطفته الابوية تجاهه, لم يعهدها من قبل.اغرورقت عيناه بالدموع فجاة , وقال بنبرة متلعثمة
- انا متاسف يا استاذ . خلص اوعدك ما بكرر هالشيء, وراح اهتم بدروسي !
ربت المعلم على كتفه وقال بنبرة ودية,
- اعتبرني صديقك او اخوك الكبير طالما وعدتني هيك .
صافحه المعلم بحرارة وسمح له بالخروج الى الساحة , وسرعان ما اختفى بين جموع الطلبة .
شعر المعلم بسعادة كبيرة تملا نفسه ,ولحق بزملائه ليشرب الشاي , وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة , وتنفس الصعداء , وهو لا يعرف انه ترك اثرا في نفسية الطفل غير مجرى حياته ومستقبله ,لانه اصبح احد الطلبة المجتهدين والمؤدبين ايضا !

بقلم : نايف ابو عيشه
26/11/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت