الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة والقانون فى العالم المتحضر والعالم الثالث

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 11 / 30
دراسات وابحاث قانونية


فى العالم المتقدم يدرك الفرد متى يتقبل السلطة ومتى يعرض عنها. فهذا العالم المتحضر لا يعرف السلطة المطلقة بل هناك قوانين لا يملك أحد انتهاكها دون دفع الثمن غاليا. ومن المعروف أن صاحب السلطة والنفوذ فى تلك البلاد مهما علا شأنه أو ارتفعت قامته لا يتمتع بحماية خاصة تجعله فوق القوانين مما يفسر اختفاء الصراع والاقتتال من أجل المناصب والوظائف ذات النفوذ والسلطة. أما فى الدول النامية فالكل يتطلع ويتصارع من أجل النفوذ والسلطة ويعلم الجميع التغير الذى يحدث عندما يجد المرء نفسه بين ليلة وضحاها مسئولا كبيرا فى وزارة أو مصلحة حكومية حيث يحتمى الإنسان بهذه الوظيفة ويبدأ بسلسلة من الإجراءات التى تنتهك القوانين التى تقف مكتوفة اليدين أمام السلطة والنفوذ.

ومما لا شك فيه أن السلطة فى العالم المتحضر لا تحمى الإنسان من الحماقات التى يرتكبها أو حتى الانتهاكات البسيطة التى يأتى بها. ومن هول ما نشاهده من انتهاكات أصحاب السلطة والنفوذ فى بلادنا فقد لا نصدق الحكاية التالية التى جرت أحداثها فى الولايات المتحدة الأمريكية. ففى يوم الاثنين 11 يونيو 2007م كان المخبر الشاب ديف كارسنيا المنوط به رصد الانتهاكات فى مطار مينابولس بولاية مينيسوتا يقضى حاجته فى دورة مياه المطار عندما فوجئ بشخص فى الكابينة المجاورة يدق الأرض بقدميه وهى إشارة يقوم بها المثليون تعبيرا عن رغبتهم فى ممارسة الجنس ثم جاءت قدمه اليمنى لتلمس قدم المخبر اليسرى عدة مرات فأشار له المخبر نحو باب الخروج وتم اقتياده إلى قسم الشرطة حيث تعرض للاستجواب وفحص البصمات. والغريب أن هذا الشخص المتهم والبالغ من العمر 62 عاما لم يكن سوى السيناتور الجمهورى لارى كريج عضو الكونجرس عن ولاية ايداهو. والغريب أن السيناتور اعترف بارتكابه عملا غير أخلاقى داخل دورة المياه. وفى الثامن من أغسطس الماضى أصدرت المحكمة حكما عليه ب500 دولار غرامة وعشرة أيام سجن مع وقف التنفيذ ومع وضعه تحت المراقبة والملاحظة لمدة عام، ولم يتوقف العقاب عند هذا الحد إذ أعلن كبار رجال الحزب الجمهورى عن رغبتهم فى استقالة الرجل من الكونجرس. وبالفعل أعلن لارى كريج استقالته فى الأول من سبتمبر منهيا بذلك عشرات الأعوام من العمل السياسى. وهذا الحادث يوضح أن القوانين التى تنفذ بكل حزم دون تفرقة بين وزير وخفير هى القوة والسلطة الحقيقية فى هذا العالم.

أما فى العالم الثالث الذى عانت شعوبه من الاحتلال والذل والمهانة على يد الاستعمار فإن الإنسان صار مغرما بالسلطة والنفوذ مدركا بأن ذلك يجعله فوق القوانين ويوفر له الحماية من البطش والسحل، فالاحتماء من السلطة بالسلطة هو الشعار المعروف فى بلادنا. لقد صدق من قال إن المسئول يفقد صوابه مرتين: المرة الأولى عندما يتسلم السلطة والمرة الثانية عندما تنسحب السلطة وتنزوى بعيدا عنه. فبين طرفة عين وانتباهتها قد يجد المرء نفسه وزيرا أو رئيسا لمصلحة حكومية حيث يستمر فى وظيفته سنوات عديدة تصل إلى عشرين عاما وقد يقال من وظيفته قبل أن يعتاد على دهاليز مكتبه وفى كلتا الحالتين قد يصاب المرء بلوثة عقلية أو ذهول يفقده توازنه أو اتزانه النفسى. ففور تسلم السلطة تتحول حياة الإنسان كليا من النقيض إلى النقيض حيث تتغير معاملة الناس من حوله ويتسابق المحيطون به فى تقديم فروض الولاء والطاعة بهدف إرضائه بكل الطرق وتلبية رغباته ولا يتوقف هاتفه المنزلى أو الجوال عن الرنين بل ربما ينتقى المسئول المكالمات التى تستحق الرد، ويتحين الجميع الفرصة تلو الأخرى للاتصال به لتهنئته فى المناسبات المختلفة كأعياد الميلاد أو لتقديم واجب العزاء فى وفاة عم خالة زوج شقيقته. ومن المؤكد أن هذه الأمور تتحول رأسا على عقب فور ترك الوظيفة، إذ ينصرف أصحاب المصالح إلى حال سبيلهم. ويلتفت المسئول حوله فلا يجد من يشاركه الأفراح والأتراح ويصاب هاتفه بالسكتة الكلامية ليجلس المسئول بجواره منتظرا المكالمة التى لا تأتى تماما كما فعل فلاديمير فى مسرحية الكاتب الايرلندى الشهير صمويل بكيت "فى انتظار جودو" حيث ينتظر أمرا لا يحدث أو شخصا لا يأتى. وفى الواقع فإن مشاعر اليأس والأسى وربما الاكتئاب قد تنتاب المسئول جراء تخلى السلطة عنه (ولا نقول تخليه عن السلطة)، وهى السلطة التى طالما عاش فى كنفها وتمتع بحمايتها، وبذلك بات تحت طائلة وانتقام القوانين التى تستيقظ فجأة لتطبيق العدالة بعد أن ظلت عاجزة عن ملاحقة الرجل خلال فترة ولايته.

ومما سبق يتبين لنا أن قوة القانون فى مواجهة السلطة تأتى على قمة أسباب تقدم الدول وتلعب دورا فى الحد من التكالب الشديد على السلطة واللهاث وراءها، ذلك التكالب الذى نشهده فى العالم الثالث حيث يتصارع الجميع على السلطة ولا يتخلى عنها المرء بمحض إرادته. ويمكن تفسير ذلك كله ببساطة إذا أمعنا النظر فى مدى عجز القانون وقلة حيلته على مواجهة من بيدهم السلطة والنفوذ. فالساعى وراء السلطة لا يهدف سوى الحصانة والحماية من القوانين التى تطبق على الفقراء والبسطاء ولا تطول أصحاب السلطة والنفوذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م