الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدن خارج حدود النص

تغريد كشك

2007 / 12 / 1
الادب والفن


أفتح ذراعيّ كل صباح لأحتضن نسمات الهواء اللطيف القادم من هناك عبر تلال رام الله الجميلة، فأنا حقا لا أستطيع تحديد اتجاه الريح ولا اعرف من أين تاتي تلك الاوراق الخريفية الصفراء لتداعب قدميّ حين أسير.

مدينتين ولدتا معا وعاشتا قصة الحب ذاتها وآلمهما نفس الفراق، توأم لم يفترق يوما وعندما تحاول رسم الحدود الفاصلة بينهما تخونك كل حواسك، السادسة منها وحتى السابعة.
الشوارع ملتصقة كأنها تلتحف الألم اتقاء لبرد قارص يجتاحها شتاء، وحبات المطر لا تعرف طريقها؛ تماما مثل أقدام السائرين بين المحلات التجارية، قدم في مدينة البيرة والأخرى في توأمها الدائم مدينة رام الله.

التوسع العمراني يمتد بشكل افقي وآخر عمودي، وكلما اتسعت حدود العمران عادت المدينتان لتلتقيا من جديد، يكفيك أن تمد يدك وانت في مدينة البيرة لتلامس حائط بناية في مدينة رام الله، لدرجة اكاد لا أستطيع ان اعرف فيها في أي المدينتين أسير، وانا لست الوحيدة في ذلك فحتى عمال النظافة ورجال الأمن لا يعرفون.

شوقي إلى رام الله شوق لا ينتهي مع حلول المساء، إنه شوق يبدأ كل صباح يمتد ما بين عشقي للمدينة وعشقي لساكنيها، فأنت لا يمكن ان تنتمي إلى المكان قبل ان تشعر بالانتماء لساكنيه وإن اقفر المكان فإن ذكريات الأمل تعود لتناديك دوما، فتردد قول المتنبي شعرا:

لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت انت وهن منك أواهل

عشقي للمدينة يدغدغ حنايا القلب، إنه الشوق إلى الشوارع القديمة التي عشقتها منذ ان تجولت فيها طفلة وشابة وعدت اليها من جديد امرأة منهكة القوى خائرة تحمل على ظهرها همّا وطنيا بالاضافة الى أعباء الانسان العادي.
أشتاق إلى أشجار الورد وإلى غابات الياسمين الصغيرة التي كانت تغطي أسوار البيوت في شارع الطيرة والارسال والمنتزه، أشتاق إلى مطعم نعوم وسينما دنيا والى كل تلك المعالم التي حُكم عليها بالاعدام والاندثار قبل الأوان، تمنيت كثيرا لو أني امتلكت كاميرا فيديو في طفولتي لأقوم بتصوير رام الله الجميلة الهادئة بمعالمها وسكانها، وتمنيت لو ان احدا رفع صوته وسار في الشارع يحمل لافتة يعترض فيها على هدم معالم رام الله القديمة، تمنيت ان اجد واحدة من تلك المؤسسات الاهلية التي تدَعي الحفاظ على التراث الحضاري ترفع صوتها لتحويل سينما دنيا إلى مسرح أو سينما حديثة أو إلى مكتبة فيديو لأرشفة تاريخ رام الله المصور، تمنيت وما زلت أتمنى؛ ولكن ماذا ينفع التمني بعد فوات الأوان؟ او كما قال لي أستاذي يوما "إن التمني في اللغة يعني طلب المستحيل".
ما زلت أذكر الحقول الممتدة إلى ما نهاية في تلك المنطقة الجميلة التي حاصرها الدخان والغبار معانقا طوابقا لشقق تكاد تطال السماء.
أشتاق إلى السير مساء أو صباحا في شوارع المدينة ولكني لم اعد اجد المتعة في ذلك، عندما أسير تحاصرني البنايات والسيارات والشعارات السياسية السخيفة وصورمرشحي المجلس التشريعي التي تأبى أن تفارق جدران المنازل والمحلات رغم مرور سنتين على تعليقها، واجد نفسي محاطة بصور الشهداء والمعتقلين مما يبعث في نفسي ألما لفراق أحبة اعتدنا على وجودهم معنا، إلى هنا يبدو أمر المحاصرة طبيعيا ولكنه يختلف عندما تحاصرني السيارات المسرعة التي تنطلق منها الموسيقى العابثة ورائحة الخمر والتعليقات والتحرشات السخيفة، عندها أشتاق إلى أولئك الصبية المناضلين الذين افترشوا ساحات المنارة ودوار الساعة وشارع ركب خلال الانتفاضة الأولى متحدّين الرصاص بصدورهم العارية هاتفين بأغاني المجد والقوة والخيلاء.
هل أنا من يشتاق إلى الشوارع ام انها قد بدأت هي أيضا تشعر بالوحدة وتشتاق إلى ساكنيها وإلى من اعتادوا السير على أرصفة شوارعها يجمعون باقات الورد والياسمين أثناء المسير ؟!
تغريد كشك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل