الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطعنة الغامضة

بولس ادم

2007 / 12 / 1
الادب والفن


.. قتال بالسكاكين شهده الممر الفاصل بين نوعين من المساجين في ابي غريب . عوقبنا جميعا بالحبس الجماعي في ساحة كرة القدم ، تضورنا جوعا تحت مطر كانون الثاني .. قتال بالسكاكين شهده الممر الفاصل بين نوعين من المحكومين بالأحكام الثقيلة والخفيفة .. الجميع
يتحدث عن رجلين تبادلا الطعن في وقت واحد و بطعنة واحدة فقط . احدهما مخطر في مستشفى السجن والثاني اختفى طيلة الساعات التي تلت فجرالطعنة الغامضة !


في السادسة صباحا فكرت بان من غير المعقول تركنا تحت المطر رغم مرور ساعة ونصف الساعة على حادثة الطعنة وماتبعها من عقاب جماعي
طالنا جميعا لأن المطعون الآخر اختفى ولم يعد مكشوفا للسجانين ..

شاهد عيان :-

- عندما بدانا بمسح الممر امام الحانوت وبسرعة البرق سال دمهما.الأول انكمش ضاغطا على بطنه بكفيه وسقط ارضا والثاني المتلفلف
بالبطانية تشير اثار خطواته الى الباب المؤدي الى ساحة كرة القدم بانه واحد منا .. هو واحد من هذه المئات المحتجزة في الساحة بسببه
والسجان ( سبهان ) اقسم باننا سنبقى هنا حتى تسليم (الجبان ) لنفسه وهو تنبا بسقوطه ارضا في اية لحظة قادمة لأنه مجروح بشدة مثلما قدر السجان وهو واحد من شهود العيان الملاعين في تلخيص الحوادث ثقيلة الوطاة وخاصة الدموية منها وحنقه كان لأن الطرف الثاني افلت باعجوبة .. لكن :-

- وين يروح النغل ، قابل راح يطير من هالساحة ؟!

... كنا على مبعدة امتار من بوابة الساحة التي هي عبارة عن جزء فقط من واجهةالحاجز السلكي المشبك الذي يفصلنا عن الردهة رقم 6 حيث هناك في الطرف الآخر سقف نتمناه الآن , على الأقل سقف يحمينا من مطر غزير .. هناك وامام بوابة ردهتنا ، كان السجان سبهان يدخن السيكارة تلو الأخرى . ينظر بغضب نحونا ويضرب بالأنبوب المطاطي الفاحم في الهواء ضاربا المطر المنهمر .. ربما !

الساعة تجاوزت العاشرة صباحا ، كان المطر قد توقف ولكن الغيوم

لم تختف ..

هربت من كل اللغط الدائر وحالة التململ والشكوى الغالبة على قسمات كل الوجوه وبدات الدوران حول الساحة وانا افكر بعيدا
جدا ليس خارج قصة الحادثة فقط بل كنت سجين الساحة جسدا وحرا فيما يخص تخيل الحياة لحظتها خارج السجن . لربما لأكثر من نصف ساعة كنت
قد فقدت احساسي بجغرافية السجن وكنت اتقاطع واوازي مساجين يدورون مثلي بلاهوادة مبتلين تماما حول ساحة كرة القدم .. كنت
قد رسمت افاقا مستقبلية حول لقطات ولفتها لنفسي وعشتها تماما .. لقطة طويلة تلاحق امي في المطبخ وهي منهمكة في سلق الخضار ..
اختي في الطريق من مكان عملها في محطة القطار الى البيت .. اخوتي من الجنود حيث هم في اي مكان ... و ..

قطع تلك المحاولات الغيبية للألتصاق بالحرية تلازم شاهد العيان ومجانبته لي في سيري متماهيا مع ايقاع خطواتي ..

- ماذا تتوقع ؟!

.. فاجاني سؤاله الذي اعادني تماما الى جو الوحل الذي تغطس فيه انعلنا ذات الأصبع حيث كان بالأمكان سماع صفع بالكعوب اشبه بالتصفيق لمسؤول كبير ..

- اعني مالذي يمكن ان يحصل للفاعل لوسلم نفسه للسجانة ؟!

- ...... لا .. ا .. د .. ري ! ..

- انا هو !!

- انت هو ؟!

- نعم انا هو من طعن ( زياد الخائن ) !!

لاحظت ارتعاشه لكنني اعتقدت بان البرد والملابس المبتلة ، الجوع والأرهاق لربما يؤديان الى حالة خرف عادية هنا ، تجعل ( ابوميسر)
في حالة هذيان .. لم يكن ينظر الي بل يكلم لطخات الوحل المتطايرة حولنا .. لأكن اكثر دقة ، يسعل اكثر منه يتكلم !

- انا هو من طعن ( زيادالخائن ) !!

.. لم اصدق . مستحيل .. فهما اخوين ولدا من رحم واحد ! اليس (ابو ميسر ) شاهد العيان الذي سمعنا شهادته كشاهد عيان
على الطعنة المشؤومة قبل نصف ساعة فقط.. كان من توسط جمهرتنا حوله حيث اختلط بخار الأفواه مع دخان سجائرنا وجمله الواثقة من
حيوية التوثيق الصارم .. هل هو ؟ !!

تخيلته مقدما نفسه ككبش فداء لأنقاذنا من معاناتنا هنا محبوسين في ساحة كرة القدم في سجن ابي غريب فقط .

.. اشار الي للأبتعاد عن الحشد المحلق مشيا دورانيا حول ساحة كرة القدم .. يمشي متقدما امامي وعند وقوفه لاصقا ظهره
بجدار السجن العالي فتح معطفه كانت البلوزة تحمل بقعة دم كبيرة .
.. رفعت راسي الى اعلى .. كان (ابوميسر) اسفل برج المراقبة تماما والحارس واقفا في صندوق البرج مسلحا وسماعة الهاتف بيده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول