الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة والشعوذة

حمزة الحسن

2003 / 11 / 15
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


يوجد نوع فريد من الشعوذة السياسية نمارسه منذ قرون دون أن يفطن لذلك أحد عدا قلة من المفكرين والأطفال والكتاب وربما الأبرياء الذين تجعلهم براءتهم يرون أدق وأوضح مما ينبغي لأن الصفاء الداخلي والتناسق والانسجام النفسي ضروري في حالات الرؤيا البعيدة.

وفي القرن العشرين مورست هذه الشعوذة السياسية على نحو علني ومكشوف بعد أن وُضع لها عناوين مبهرة وبراقة و"علمية/وأيديولوجية"حتى انتقل أهل السحر من غرف البخور وطقوس الدجل في الأنفاق إلى  القاعات ومحطات التلفزة والصحف والساحات العامة، وخلع الدجال القديم ثيابه القديم  لتحل بدلها أزياء عصرية.

وهذه المرة تحت أسماء جديدة هي: المناضل، والسياسي، والرفيق، والمجاهد، والمكافح، والمقاوم( حتى لو كان يقاوم البعوض أو يقاوم الصيف الحار!) والبطل الصنديد( حتى في حمام السباحة مثلا أو في البار!) وصار المشعوذ القديم ينظر بعينين ذاهلتين إلى النجاحات الخارقة التي حققها( المشعوذ أو الساحر ) الجديد دون أن يعاقبه احد رغم انه فتح أنهارا وأنفاقا من الدم وحوّل أغنى وأعرق شعب في العالم إلى قطيع مشردين وشحاذين سواء كان حاكما أو مساندا أو معارضا.

في لغة الشعوذة يتحول كل شيء إلى نقيضه: تصير ( الهزيمة!) نصرا،ويتحول الانهيار الاقتصادي إلى( تجربة ناجحة!) وينقلب  إرهاب الدولة إلى ( حماية أمن المواطن) وتتحول الغارات الليلية لبيوت الناس وحرماتهم إلى حملات من أجل( الطمأنينة!) ويصير في لغة الشعوذة المناضل العفيف( قابضا!) ويتحول القابض إلى( مناضل!) وتصبح الخيانة( وجهة نظر!) ويصير الواشي والدليل (ليبراليا!) والكاتب الأعزل النائي البعيد( هاربا!) في حين يصير النشال( ضحية من أجل الحرية!) ويتحول كاتب الخواطر الإنشائية التافهة الذي أغلق فمه عن جرائم السلطة حتى لحظة سقوطها مثل أي دكان مفلس ومغلق إلى صاحب كتاب( جمهورية صحراوية!) في حين تتحول كلمات فاقعة شاحبة زعفرانية إلى ( قصائد وطنية!) وفي عرف هذه اللغة يمكن، في دقائق لا أكثر، أن يتحول أصلب الناس إلى( شخص يعمل في الخفاء!) ويصير حارس الفراشات( مجرما!) ويتحول المجرم، حسب هذه اللغة السحرية، إلى ( موسوعي، وفنان، وصاحب ضمير لا يكتب إلا بدافع منه، ومن وحده!)، وفي هذه اللغة المقلوبة، المشوهة، الممسوخة، حسب المرحوم المفكر الصادق النيهوم، يصبح( الحاكم المتسلط) تبعا للشعوذة( قائدا شعبيا) وتتحول قوانين الملك الماجن إلى( مراسيم شريفة) وعصابات القتلة إلى( قوات وطنية) والمرأة السجينة إلى( امرأة مصون) والفقيه الجاهل إلى( عالم في الدين) والإدارة البوليسية( حكومة رشيدة) والحكم العائلي المنقرض( تطبيقا لأحكام الشريعة الخالدة)، وهذه اللغة السحرية تؤمن أرخص هروب من الواقع لكن من المستحيل أن تحل مشكلة بل تخلق وتراكم، وهي مفيدة لكل من يتدرب في لعب السيرك والضحك على ذقون الناس بلا حسيب ولا رقيب.

آخر أطروحة سحرية لهذه اللغة تقول أن (فشل) مجلس الحكم الانتقالي الذي انتقده صانعه الأصلي، هذا الفشل هو بسبب( النجاحات!) التي حققها للشعب العراقي النائم في العراء وتحت القصف واللصوص والموت الذي صار هو المتجول الوحيد في مدن لا يحرسها سوى الغبار والرصاص وأقدام ثقيلة جديدة آخر الليل!  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات بالسجن في الجزائر لمن يتدخل في صلاحيات وعمل السلطتين


.. ماذا تناول الإعلام الإسرائيلي بخصوص الحرب على غزة؟




.. مراسل الجزيرة: أكثر من 50 شهيدا خلال الـ24 ساعة الماضية في ا


.. اشتباكات عنيفة تدور بين المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي ف




.. اشتباكات مسلحة بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال في مخيم