الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنف (المغرور)

سعدون محسن ضمد

2007 / 12 / 3
الادب والفن


منذ أكثر من سنة بدأ يتشكل عندي هاجس غريب يمكن تسميته بـ(فوبيا المرآة).. فلم يعد هذا الجسم الصقيل مجرد حاجة تنعكس فيها صورتي، الأمر الذي يمنحني فرصة ترتيب مظهري كل صباح. بل تحولت لشيء آخر مثير للقلق وحتى الخوف في بعض الأحيان. فصحيح أنني أحب الموت باعتباره حلاً لكل ما لا يمكن حله.
لكنني من جهة أخرى أحب الحياة باعتبارها فرصة للتأسيس. ومن هنا فأنا أدخر الموت ليوم لا يعود فيه هاجس التأسيس مجدياً أو متاحاً. لكن المرآة لا تفتأ تواجهني كل يوم بأسئلة الجدوى والموت. خاصَّة من خلال (التكشيرة) الماكرة التي ترسمها الشعرات البيض التي أخذت تتكاثر بين شعرات رأسي السوداء.هناك رائحة للموت يبثها الشعر الأبيض، هذه حقيقة يحسها كل من غادر منتصف العقد الثالث، وهي لا تتحدث عن الموت بمعناه المألوف (المفاجئ) بل بمعنى آخر يتعلق بالهدم ويشبه التآكل التدريجي الذي يلتهم الأشياء دون أن يحس بها أحد.يحدثني صديقي الشاعر (كريم حسين عاشور)، باستمرار عن تآكل الجسد الذي يبدأ بعد نهاية ما يسميه بـ(قدرته على البناء والتعويض) فبعد هذه المرحلة تبدأ مرحلة طويلة وبطيئة من الانهيار الذي يلتهم خلايا الجسد ويهدم بنيته، ودون أن يشعر بذلك الإنسان. حديث كريم جعلني أعرف معنى أن الموت حالة تنتاب الجسد وليس حدثاً طارئاً عليه.وبالعودة لفوبيا المرآة، أريد أن أقول بأنني وحتى مع قسوة سؤال الجدوى الذي تبصقه بوجهي كل صباح، لم أكرهها هي، بل كرهت حاسّة البصر عندنا. فهذا الجهاز الذي نسميه (العين) هو وحده المسؤول عن الكثير من مشاكلنا. الخوف الذي يبثه الشعر الأبيض لدى النساء لا تثيره المرآة، بل هذه الحاسَّة (المنحوسة). تجاعيد الوجه ما كانت لتؤدي إلى كآبتهن وجنونهن. لولا عيون الرجال التي تزداد قسوة إهمالها لوجه الأنثى كلما قلت نظارته. حضارة البشر ما كانت لتتأسس على المظهر والشكل، لو فقد هذا الكائن حاسَّة البصر واعتمد على الشم أو السمع أو اللمس بشكل أكثر. أتخيل دائماً يوماً تأتي فيه لعنة تُفقدنا القدرة على الرؤية. وعندها أجزم بأن الكثير من أركان حضارتنا (الشكلية) ستنهار لتحل محلها أركان أخرى. مفهوم العورة، مثلاً، من أكثر المفاهيم التي ستفرح (نسائنا) بانهدامه، وانتهاء اللغط الدائر حول ضرورة سترها ومقدار المساحة التي تساويها من جسدهن. مقاييس الجمال هي الأخرى ستتحول لكذبة كما هي في الحقيقة. وربما سنعتمد على حاسَّة الشم في بحثنا عن الجميلات، وسنشعر بالإثارة طبعاً من خلال اختلاف رائحة أجزاء أجسادهن أو شدتها، وعند ذلك فقط سيكون أمر الاقتراب الشديد من أجساد النساء (الغريبات) متاحاً ومعقولاً جداً.حتى الفلاسفة ستنالهم كارثة انهدام المفاهيم، وسينتهي الكثير من اللغط الذي اتخموا تاريخنا به، وربما من أهم فصول ذلك اللغط هو اختلافهم بشأن إمكان رؤية المطلق، فبعد أن تنغلق (العين البشرية) إلى الأبد سنتجاهل بالتأكيد ضرورة الارتباط بين وجود الكائن وشكله، الأمر الذي ينقذ المطلق من غرورنا المعرفي. لكن طبعا من الممكن أن يختلق الفلاسفة ـ شأنهم دائماً ـ مشكلة أخرى ترضي حاجتهم للاختلاف، ويوقعون المطلق بمأزق آخر، مثل إمكانية شم رائحته، فبعد أن نتحول لكائنات شامَّة، لن يعود من الممكن أن نتصور وجود كائن أو شيء بلا رائحة. وعندها ستتحول قدرتنا على التجريد، من تجريد الشكل إلى تجريد الرائحة، وسنقول بأن رائحة المطلق (قديمة) وهي خارج إطار الزمان والمكان، وهي حتماً لا تتعلق بظاهرة التعرُّق الكريهة، ولا تدل بالتالي على الحركة أو السكون، كما أنها وبالضرورة الفلسفية، ستكون خارج مدى الأنف البشري (المغرور). وبعد كل هذا سنقرر بأن أهم ما يليق بالمطلق من الصفات هي أنه شام وليس سامعاً أو باصراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا