الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولوية بوش في العراق ليست الديمقراطية

هاشم نعمة

2003 / 11 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ترجمة : د . هاشم نعمة عن صحيفة Financial Times  البريطانية  العدد 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 
بينما يصر الرئيس جورج دبليو بوش بأن " أمريكا سوف لن تهرب أبدا " فأن نقاشا حام يحتدم تماما تحت سطح إدارته حول متى وكيف تخرج أمريكا من العراق . النقاش يشمل أولئك الذين يفضلون بذل جهود
كبيرة لجعل العراق منارة للديمقراطية في الشرق الأوسط وآخرون يريدون أن تركز الولايات المتحدة مهمتها على هزيمة المتمردين حتى تتمكن القوات الأمريكية من العودة إلى بلادها .

    عدد قليل في إدارة بوش شكوا في حكمة الحرب ضد العراق . لكن مع ذلك أخفى هذا الإجماع انقساما عميقا حول هدف الحرب . ونستطيع أن نميز هذا الانقسام بين " الديمقراطيين الإمبرياليين " و " القوميين المتشددين "

    يعتقد الديمقراطيون الإمبرياليون الذين يقودهم بول ولفويتز نائب وزير الدفاع  والمحافظون الجدد خارج الإدارة الأمريكية بأن أمريكا يمكن أن تكون في أمان إذا سارت بقية العالم  على المفهوم الأمريكي . وطبقا لذلك فهم يفضلون نشر المزيد من القوات الأمريكية وصرف المزيد من الأموال من أجل بناء عراق مستقر وديمقراطي . نموذجهم في ذلك ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث الاحتلال العسكري الطويل الأمد وخطة مارشال جلبت ظروف الحرية والديمقراطية و الازدهار لأوروبا مع ألمانيا التي تمثل قلبها .

    القوميون المتشددون مثل دونالد رامسفيلد وزير الدفاع ودك تشيني نائب الرئيس لا يشاطرون هذه الرؤية الطموحة والمكلفة وهم يعتقدون بأن أمن أمريكا يتطلب في المقام الأول هزيمة أعدائها واجتثاث التهديدات التي تواجهها .

     بعد هجمات 11 أيلول ( سبتمبر ) 2001 الإرهابية علاقات صدام حسين مع الإرهابيين ورغبته لامتلاك أسلحة الدمار الشامل جعلت منه خطرا لا يمكن قبوله . لذا من وجهة نظر الإدارة الأمريكية يجب أن يرحل .

   بالنسبة للقوميين المتشددين إن انشغال الولايات المتحدة في العراق ليس لإقامة جنة عدن للديمقراطية ولكن لهزيمة المتمردين والإرهابيين . نموذجهم في ذلك أفغانستان حيث حكومة محلية ذات سيادة مدعومة من قبل قوات دولية لحفظ السلام تمسك بالأمن الداخلي بينما تركز القوات الأمريكية جهودها كلية لمواجهة العمليات الإرهابية .

     أين يأتي بوش من هذا النقاش ؟ لقد أستخدم بوش بين الفينة والفينة لغة الديمقراطيين الإمبرياليين الطنانة  بشكل لافت في خطابة المثير في الأسبوع الأخير . لكن ازدراءه الطويل الأمد لفكرة بناء بلد والمصلحة التي تعوزها الحيوية في إعادة بناء أفغانستان والفشل الأولي لدفع مرؤوسيه لوضع خطة لإعادة بناء العراق كل ذلك جعله يقع في خانة القوميين المتشددين . لذا دعوته الأخيرة لتدريب الشرطة العراقية وقوات الأمن لتقليل وجود القوات الأمريكية في العراق هي دليل إضافي على هذا الاتجاه .       

    الهبوط المستمر في دعم الرأي العام الأمريكي لسياسات بوش في العراق سوف يعزز تفضيله للنموذج  الأفغاني بدلا من النموذج الألماني . وهو من المحتمل أن يتحرك بسرعة  لإعادة كامل السيادة للعراق ونقل السلطة السياسية إلى حكومة مؤقتة . وسوف تبقى قوات أمريكية للطوارئ أصغر حجما تركز جهودها لمقاومة المتمردين و الإرهابيين .

    مثل هذا التحول في الإستراتيجية يمكن أن يقلل الخسائر السياسية الداخلية للرئيس بوش الناتجة من تدهور الوضع في العراق . وهذا التغير سوف يمكن القوات الأمريكية من البقاء خارج المدن بوضع جيد حيث تكون مستعدة فقط للطوارئ وللقيام بغارات سريعة ضد القوى المتمردة . إن القوات الأصغر حجما التي تشكل موطئ قدم سوف تقلل من عدد الخسائر في صفوف القوات الأمريكية بصورة مهمة .

    لكن هل يخدم هذا قضية الاستقرار في العراق والشرق الأوسط والعالم ؟ مثال أفغانستان يبين لنا انه بعد سنتين من سقوط نظام طالبان بقيت أعداد كبيرة من طالبان وقادة القاعدة  فيما الأمن غير مستقر في كل مكان من البلاد عدا كابل . وفيما العملية الدستورية تتقدم إلى الأمام لكن البلد يخطو بصعوبة نحو ديمقراطية نابضة بالحياة مثلما تمنى لها البعض أن تكون .

     التركيز الأكثر على جهود مواجهة التمرد والإرهاب في العراق يمكن أن يثبت نجاحا أكبر فقط فيما إذا تعهدت الولايات المتحدة على مواصلة المهمة بنجاح . لذلك ربما من الممكن قيام درجة من الاستقرار  خلال الستة أو الاثني عشر شهرا القادمة . لكن تحويل مجتمع دمرته الحرب والقمع الوحشي وإدارة اقتصادية سيئة وفساد وتباينات اثنية وعشائرية ودينية إلى منارة للديمقراطية سوف يتطلب جهودا دولية أكبر من تلك التي ترد في ذهن السيد بوش .     








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما حقيقة هبوط طائرات عسكرية روسية بمطار جربة التونسية؟


.. ليبيا: ما سبب الاشتباكات التي شهدتها مدينة الزاوية مؤخرا؟




.. ما أبرز الادعاءات المضللة التي رافقت وفاة الرئيس الإيراني؟ •


.. نتنياهو: المقارنة بين إسرائيل الديمقراطية وحماس تشويه كامل ل




.. تداعيات مقتل الرئيس الإيراني على المستويين الداخلي والدولي |