الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتراب المعارضة السورية من الإنشقاق

محمد سيد رصاص

2007 / 12 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان حدث سقوط بغداد مفصلياً في تاريخ المعارضة السورية،من حيث انزياح أطراف كثيرة منها باتجاه المراهنة على المشروع الأميركي بالتزامن مع دخول السلطة السورية في تعارضات مع واشنطن حول قضايا المنطقة الإقليمية،فيماكانت هذه المعارضة على يسار النظام بالقضايا الوطنية – القومية في محطات الدخول السوري العسكري إلى لبنان(الذي كان بداية التوافق الأميركي- السوري)عام1976،واجتياح صيف 1982 للبنان،وحرب الكويت عام1991،ومحطة(مؤتمر مدريد)في خريف العام نفسه.
خلال الأشهر القليلة اللاحقة لاحتلال العراق، في عام2003،بدأت تظهر مواقف جديدة من تجربة"العراق الجديد" الواقع تحت قبضة الأميركان،بدأ يقدمها بعض المعارضين السوريين في الجرائد العربية،إلى أن وصلت الأمور لذروتها مع طرح الرمز الأبرز للمعارضة السورية لنظريته حول(الصفر الإستعماري)،عندما أعلن في تصريح صحفي بأنه"في حديث إذاعي أجري معي مؤخراً سألوني ألاترى أن هناك شيئاً مفيداً جرى في العراق،فقلت لهم نعم أراه،أرى أنهم أزاحوا نظاماً كريهاً ونقل الأمريكان المجتمع العراقي من الناقص إلى الصفر"،(مقابلة مع الأستاذ رياض الترك:موقع"الرأي"الألكتروني،29أيلول2003،وهي نص حرفي لمانشر في"النهار"باليوم السابق).
كان هذا مترافقاً عند الأستاذ الترك،وخاصة بعد زيارته للقارتين الأوروبية والأميركية في شهري تشرين الأول والثاني من عام2003،مع تحول ايديولوجي انتقل من خلاله (من تصريحه لجريدة"الحياة"-17كانون ثاني2000-رداً على سؤال"إذن رياض الترك لايزال يعتبر نفسه شيوعياً ماركسياً؟":"نعم مازلت،ولن أعمل تحت راية أخرى إلافي إطار التحالفات")إلى موقع ايديولوجي جديد أيَد من خلاله تغيير اسم(الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي)والإنتقال إلى الموقع الليبرالي،حيث صرح بالشهر الأخير من ذلك العام في تسويغ ذلك،أثناء جلسة حزبية خاصة،بأن"هناك رياحاً غربية ستقتلع الأنظمة،وعلينا أن نلاقيها باتجاه وبرنامج ملائمين"،وهو ماأدى،بإنضمامه إلى هذا الإتجاه الذي كانت بذوره واضحة في قيادة الحزب منذ أواخر التسعينيات،إلى كسر التوازنات لصالح من كان يريد مغادرة مواقع الماركسية.
كما في صيف عام 1976،عندما تبلورت المعارضة السورية في قوام واضح بجناحيها القومي(="حزب الاتحاد الاشتراكي العربي" بقيادة الدكتور جمال الأتاسي)والماركسي مع انتقال (الحزب الشيوعي-المكتب السياسي )من المشاركة في"الجبهة الوطنية التقدمية" و(مجلس الشعب) إلى المعارضة،وهو ماتزامن مع تشكل(رابطة العمل الشيوعي)في آب من ذلك العام،ثم انتقال (جماعة الإخوان المسلمين)إلى المعارضة أيضاً بعد مهادنة استمرت سبع سنوات بعد حركة 16تشرين الثاني1970- فإن انتقال قيادة(الحزب الشيوعي-المكتب السياسي) من الماركسية إلى الليبرالية،بين عامي2003و2005،قد ساعد على تبلور وتفتح خط ليبرالي أصبح مسيطراً على "نخب"واسعة من المعارضة السورية منذ تلك الأثناء،ليتبلور ذلك أيضاً في (لجان احياء المجتمع المدني)،وفي(حزب العمال الثوري العربي)-:ماهو الجسر الواصل بين ياسين الحافظ وفلسفة الليبرالية الجديدة عند ليو شتراوس؟-،وفي معظم الأحزاب الكردية السورية التي انتقلت لمعارضة النظام في مرحلة(مابعد9نيسان2003)بعد مهادنة استمرت ثلاثة عقود،وعند الكثير من الشخصيات المنضمة حديثاً(أوفي ربع الساعة الأخيرة)للمعارضة،وخاصة في لحظة ذروة الأزمة الأميركية مع السلطة السورية في عام2005 لما ظنَ الكثيرون من هؤلاء بأن ماحصل في بغداد وبيروت سيحصل في دمشق ولوعبر سيناريو آخر،والعديد من هؤلاء كانوا إما في موقع(اللامكان)أوفي مواقع قريبة من السلطة وخاصة في الحزبين الشيوعيين الموجودان في"الجبهة"،أوفي مواقع قومية عند تنظيم أكرم الحوراني القديم.
أتى"اعلان دمشق"-16تشرين أول2005-حصيلة لكل هذا التراكم الايديولوجي- السياسي،في لحظة ذروة"أزمة ميليس"،وقد أعطى العديد من قادة هذا الاعلان مهلاً ومواعيداً زمنية لإزاحة السلطة ،في أحاديثهم الخاصة المغلقة،لاتتجاوز نهاية ذلك العام:هنا،قدم"اعلان دمشق"رؤى جديدة تضمنت انزياحات عن الخط القومي- الوطني- الديموقراطي،الذي كان مسيطراً على المعارضة السورية بجناحيها الماركسي والقومي بالعقود الثلاثة السابقة،إلى خط(سوريا أولاً)عبر تقليص انتماء سوريا العربي إلى مجرد عضوية في"المنظومة العربية"،و إلى التخلي عن خط(ديموقراطية المواطن) لصالح خط "ديموقراطية المكوِنات"،الذي بنيت عليه مايسمى ب"الديموقراطية التوافقية في العراق وأفغانستان والمتضمن في"مشروع الشرق الأوسط الكبير"-13شباط2004-المقدم من قبل الإدارة الأميركية،مع سكوت في نص الاعلان عن مواضيع مثل(العراق)و(فلسطين)و(أميركا)التي أصبحت قواتها بمحاذاة مدينة البوكمال عند الحدود العراقية- السورية.
منذ ذلك الحين أصبحت هذه التوجهات الجديدة،تجاه(العروبة)و(الديموقراطية)و(الموضوع الأميركي)و(العراق)،إضافة للإنزياحات نحو مدارات قريبة من(أبومازن)و(14آذار) عند المسيطرين على"اعلان دمشق"،مسيطرة على أقسام كبيرة من جسم المعارضة السورية.بالمقابل،برزت المعارضة لهذا الخط ضمن صفوف المعارضين السوريين-بعد أن ظهرت أولاً من داخل صفوف(المكتب السياسي )بين عامي2003و2005-من قبل حزبي(الاتحاد الاشتراكي العربي)و(حزب العمل الشيوعي)،اللذين ،رغم انضمامهما ل"اعلان دمشق"،إلاأنهما كانا ومنذ البداية في الضفة الأخرى،وكادا أن ينجحا في خلخلة البنية المفهومية-السياسية للإعلان عبر وثيقة"التوضيحات"-31كانون ثاني2006-الصادرة عن "اللجنة المؤقتة لإعلان دمشق"،التي سارع حزب الأستاذ رياض الترك-أي "حزب الشعب الديموقراطي"-إلى التبرؤ منها وإلى منع تحولها لوثيقة تمثل سياسة"اعلان دمشق".
تُرجم ذلك ،على الصعيد العملي،إلى خندقين في داخل"اعلان دمشق"حيال الموقف من(حرب12تموز)،وقد بان من يومها بأن الإختلاف المفهومي حيال مواضيع (العروبة)،و(ديموقراطية المكوِنات)أم(ديموقراطية المواطن)،سيترجم إلى مواقف مختلفة على صعيد السياسة العملية حيال مواضيع ليست تفصيلية بل أساسية،مثل(المشروع الأميركي)و(العراق)و(لبنان)و(التسوية).
أيضاً ظهر هذا مؤخراً،بشكل جلي،لماوقعت مجموعة كبيرة من الشخصيات السورية المعارضة بياناً يعارض قرار مجلس الشيوخ الأميركي (26أيلول2007)حول"تقسيم العراق"،حيث وقع عليه قياديون من(الاتحاد الاشتراكي)ومن (حزب العمل الشيوعي)،فيما لم يوقعها أحد من"حزب الشعب"أومن الأحزاب الكردية أومن المنضوين الآخرين في"اعلان دمشق"،فيماكان بارزاً توقيع القيادي الشيوعي الدكتور أحمد فايز الفواز،والدكتورة مية الرحبي والدكتور يوسف سلمان اللذان قادا المعارضة للخط الأميركاني في(لجان احياء المجتمع المدني)عام2004.
ثم بان هذا،بشكل فاقع،في الاجتماع المنعقد باليوم الأول من شهر تشرين الثاني للأمانة العامة ل"اعلان دمشق"،لما نوقشت وثيقة"مشروع البيان السياسي"لما سيسمى ب"المجلس الوطني لاعلان دمشق"،حيث طالب (حزب العمل الشيوعي)و(الاتحاد الاشتراكي)بإضافة فقرة تأخذ موقفاً مضاداً من (المشروع الأميركي-الصهيوني)،ليجابه ذلك بالرفض من جميع الآخرين الذين يمثلون أكثرية كاسحة في تلك الهيئة القيادية للإعلان،والذين وصلت بهم الأمور حتى إلى حدود رفض صيغة مساومة تتحدث عن (مجابهة المشروع الصهيوني المدعوم من الإدارة الأميركية).
يؤدي ذلك كله إلى جعل "اعلان دمشق"جامعاً لمالايمكن جمعه،حيث أن الخلافات حول(المشروع الأميركي بالمنطقة)و(العراق)و(لبنان)و(التسوية)و(العروبة)و(ديموقراطية المكوِنات) هي خلافات،إذا أردنا استخدام المصطلحات الفقهية الاسلامية،حول(الأصول)وليست حول(الفروع)،فيما تدل تجربة السنتين الماضيتين من عمر"اعلان دمشق"على أن له هوية ايديولوجية-سياسية محددة،وانحيازات وتخندقات،تجعل من الصعب-وليس فقط على بعض المنضوين داخله حتى الآن-على الكثير من المعارضين السوريين الآخرين،وهم يمثلون قوة كبيرة لايمكن الغائها،الإنضواء تحت خيمته.
في حالة كهذه ،هل انقسام وانشقاق المعارضة السورية إلى معارضتين يكون عيباً أوحراماً أوخطئاً ،من الناحيتين المبدئية أوالسياسية؟............ بمعنى آخر:هناك ملامح واضحة لتشكل مرحلة انتقالية،ستدفع حتماً باتجاه مآلات انشقاقية في المعارضة السورية لتشكيل جسم آخر،غير"اعلان دمشق"،وخط آخر يكون مبنياً على أسس وطنية- ديموقراطية،فهل سيلتقط أصحاب هذا الخط الأمر،ويمنعون تكرار السيناريو العراقي،عندما ضاعت بلاد الرافدين بين ثنائية صدام حسين- أحمد الجلبي؟.......................
================================================









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة