الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراما العراقية الجديدة.. هل هي جديدة حقا..؟ (3)

قاسم علوان

2007 / 12 / 4
الادب والفن


لم تكن تلك النقاط التي ذكرناها فقط هي مواطن الضعف والخلل في مسلسل (أمطار النار..) الذي كتب حلقاته الكاتب التلفزيوني المعروف صباح عطوان الزيدي وأخرجه عزام صالح.. مثلا احتوى ذلك المسلسل أيضا على عدد من الانتقالات المصيرية لشخصياته الرئيسية.. انتقالات غير مبررة مطلقا، فهي من بيئة إلى بيئة أخرى مختلفة عن البيئة الأصلية لها.. شكلت هذه الانتقالات نقلة جذرية في تلك المصائر أو النهايات.. منها مثلا هروب (رسلية) ابنة الشيخ (صكبان المكوطر مثل شخصيته الفنان ستار البصري) من موطن عشيرتها ووصولها إلى بغداد.. وكذلك هروب أبن عمها (أخميس مثل شخصيته الفنان ستار خضير) في الليلة نفسها، الذي كان يروم الزواج منها باندفاع شديد الى ما قبل دقائق.. وترفض ذلك أسرتها وقد كانت هي مترددة، ومن ثم هروبه من قريته وعشيرته في تلك الليلة بدون مبرر.. ورفضه المفاجئ لـ (رسلية) بعد ذلك خلال مشهد القصف المدفعي الإيراني الذي تتعرض له تلك المنطقة من الهور.. حين تلتقي به وهي في زورقها لحظة هروبها هي أيضا في وسط الهور، ورفضه لمصاحبتها حيث كانت تأمل الهروب معه.. نعتقد أن هذا الحدث لم يكن يملك التبرير المنطقي أو الدرامي المقنع لتتبعه الأحداث الأخرى ذات العلاقة فيما بعد..!! إذ تستقر رسلية في بغداد بفبركة قصصية بسيطة ومتوقعة، وكذلك موت خميس أبن عمها الهارب غريبا ومجهولا في بغداد أيضا في أحد المستشفيات العامة..
وحتى موقف السلطات الأمنية حينها من إدانة (الرفيق الحزبي) المعلم (صبيح) بجريمة قتل المختار (أدى دوره الممثل عدنان شلاش).. فهي لا تنسجم أبدا مع ما عرفناه وألفناه في سير أية تحقيقات جنائية عند أجهزتنا الأمنية في العراق في الجرائم الجنائية العادية في مختلف المدن العراقية، وليس في أهوار الجنوب حيث نقمة السلطة الدائمة على سكان تلك المنطقة وعلى بيئتها حيث أصبحت مأوى للهاربين مكن الحرب...!! هذا التحقيق الجنائي المتقدم بذلك الشكل يمكن أن ينسب بسهولة إلى أي فيلم أمريكي حديث.. لكن هروب هذه الشخصية مثلا الى بغداد أيضا مبرر أكثر من غيره.. لكن أن يلاحق هو (رسلية) في هروبها.. وهو المطارد من قبل السلطات أصلا بجرائم عديدة.. ويلتقط لها الصور في وضعها الجديد.. وما الى ذلك من تفاصيل.. لكي تكون مبرر له خلال تحرشه الجنسي بشقيقتها الصغرى عندما يلتقي بها صدفة في بغداد ويستدرجها ليريها تلك الصور... فهو غير مبرر مطلقا ولا يملك أي ذرة من الإقناع...!!
وجدنا في هذا المسلسل نقطتين رئيسيتين دالتين على ضعف كبير فيه... الأولى.. وهي عدم وجود أية آلية لمراجعة للنص الدرامي المكتوب لناحية تراكم الأحداث وبناء الوقائع، أو مدى مبرراتها تاريخيا أو ميدانيا، أو مدى توفر إمكانية الإقناع فيها للمتلقي.. وكذلك العديد من المشاهد والأحداث والحوارات تركت دون أية عناية أو مراجعة أو اهتمام يذكر قبل تنفيذها.. وكذلك اللهجة المحلية المحكية حيث تدور أحداث المسلسل في تلك المنطقة من أهوار جنوب العراق.. حيث يضرب المثل في جميع المحافظات العراقية في صعوبة تلك اللهجة وغرابة مفرداتها بالنسبة لسكان العراق في المناطق الأخرى.. والنقطة الثانية هي عدم اهتمام المخرج أيضا بمدى دقة المشهد المرئي ومفرداته المكونة من ناحية تفاصيل البيئة ذات العلاقة.. أو مراعاة إمكانيات أو محتويات ذلك المشهد التعبيرية من الناحية الفنية وتفاصيل لقطاته وتتابعها أو توظيفها بشكل لائق.. فقد ترك ذلك لما تتيحه الصدفة والظروف المحيطة فقط.. وهذا الخلل واضحا جدا في تسلسل المشاهد وحلقات المسلسل جميعها.. وإلا فما معنى تنفيذ عملية المونتاج التي أجريت بتلك السرعة الغريبة لتلك الحلقات التي زادت على الثلاثين حلقة.. إذ انتهى الفريق من عمله في أهوار الجبايش في مواقع التصوير الخارجية قبل حلول شهر رمضان بأربعة أيام فقط ليكمل تصوير المشاهد الأخرى في بغداد وكذلك عملية المونتاج بتلك الفائقة السرعة..؟؟
عندما أشرنا الى مسلسل (المواطن G) ذكرنا المرجعية المسرحية لمؤلف المسلسل الكاتب فلاح هاشم.. وقد كانت هذه المرجعية حاضرة دائما في جميع أجزاء النص الدرامي للمسلسل آنف الذكر، وخاصة صياغة الحوارات بين الشخصيات.. فقد كان سائدا على نحو ما بكونه حوارا مسرحيا بامتياز.. بسبب غلبة السمة (الثقافوية) على ذلك الحوار التي غالبا ما يتسم بها المسرح أو (المسرح العراقي تحديدا..) ومن ناحية البناء المسرحي أيضا نرى ذلك التماثل أو التماهي في الحلقات الأخيرة منه.. مثلا عملية خطف واحتجاز زوج (سهير) الأخير من قبل أحد شخصيات المسلسل الثانوية (كاتب القصة) والذي سبق وإن قتل زوجته سرّا لشكوكه بأخلاقها أو لعلاقتها بـ (سهير..) ولأن الضحية ابنة عم زوج (سهير) ما قبل الأخير الذي ينتحر في النهاية.. وكذلك عندما تلتقي بطلة المسلسل الراقصة سهير بعشيقها الأول.. فقد كان مشهدا مسرحيا مؤثرا بامتياز من ناحية التمثيل والتنفيذ.. حيث ينتفي في ذلك المشهد تماما البعد الواقعي المفترض في الدراما التلفزيونية، وحتى أداء الممثلين فيه يتحول الى أداء مسرحي لا يمت الى الأداء الدرامي التلفزيوني بأية صلة.. لقد كان واضحا سواء في هذا المشهد أو المشاهد الأخرى الاهتمام المفرط في بناء الشخصيات الرئيسية في هذا المسلسل.. على العكس من المسلسلات العراقية الأخرى التي تسنى لنا مشاهدتها.. وهي بالإضافة الى المسلسلات التي جرى ذكرها آنفا مسلسل (قميص من حلك الذيب) وكذلك مسلسل (المصير القادم)... لكن ذلك الاهتمام في بناء الشخصية لم يكن يسري بنفس المستوى والاهتمام في جميع أجزاء المسلسل، وكذلك الاهتمام في تركيب المشهد الدرامي أو صياغته في جميع أجزاء المسلسل الأخرى بنفس المستوى من الأهمية.. مثلا شخصية الخادم في بيت الراقصة سهير لم تكن شخصية عراقية واقعية أبدا.. الى درجة يبدو أنها مستلة من أحد الأعمال المسرحية العالمية حيث شخصية الخادم بهذا المستوى من الانسجام والفاعلية الإيجابية والتركيب الدرامي مسبق القصد.. وكذلك فكرة التحول المتأخر نحو (الدين أو التدين..) في شخصية أم سهير حيث مثلتها الفنانة القديرة سليمة خضير.. فقد كان ذلك التحول بتأثير الخادمة الجديدة.. بحيث بدا هذا التحول وكأنه مجاراة مع ما هو سائد في المجتمعات العربية المحلية في الوقت الحاضر.. وفيما يخص ضعف الاهتمام بعناصر التركيب الدرامي بما في ذلك الشخصيات في بعض المشاهد من حلقات هذا المسلسل يتجلى في صيغ المبالغة (المسرحية..) المفرطة في العلاقات بين تلك الشخصيات.. مثلا في العلاقة بين المهجرين من أفراد المخيم وبشكل خاص الضابط السابق (أبو علي مثله الفنان خليل ابراهيم) مع (عمار..) الفتى العراقي القادم من أستراليا بحيث ظهرت تلك السمة غير الواقعية فيها.. مثلا الاتهامات المتبادلة بـ (الخيانة...!!) والتهديد بالقتل في علاقات عابرة ومؤقتة..!!
فيما يخص مسلسل (قميص من حلك الذيب).. في الحقيقة لم يتسن لي شخصيا أن أشاهد للكاتب العراقي عباس الحربي أي عمل درامي آخر سواء للتلفزيون أو للمسرح غير المونودراما الشهيرة مع الممثلة الرائعة عواطف السلمان في مسرحية (النهضة) وقد كان متوقعا لهذا الكاتب مستقبلا كبيرا في الكتابة الدرامية في حينها.. ونقصد بذلك الكتابة الدرامية بعيدا عن أية شروط.. بما فيها شروط السلطة آنذاك وقد نجح في ذلك بشكل مذهل.. لكن أن نشاهد عملا تلفزيونيا يحمل توقيعه مثل مسلسل (قميص من حلك الذيب) فهذا شيء آخر.. فقد كان هذا العمل ضعيف من جميع النواحي الفنية والمهنية.. فمن ناحية النص مثلا فقد أفتقر الى الحرفية الدرامية المفترضة في بنية المشاهد أو تسلسل الأحداث، فقد كان عبارة عن مشاهد غير مبررة أو مليئة بالفجوات في أغلب الأحيان.. وليس هناك أي وحدة بينها يمكن أن تجمع أو تشير الى تماسك مفترض أو مبرر.. الخطاب السياسي المباشر مثلا في الحلقات التي تناولت الوضع العام في العراق بعد الاحتلال.. كما أشرنا الى ذلك في البداية واشترك في هذه الميزة معظم الأعمال الدرامية المشار أليها.. فهو أيضا قد تقدم على غيره.. فتخلف الدرامي عن ذلك.. الذي كان يجب أن يحتل الصدارة ويزدحم بما هو ذاتي أو خاص.. ممثلا في شخصياته الرئيسية.. لكن ذلك لم يحدث..
المسلسل المذكور من أنتاج (قناة الشرقية) وقد حشد فيه عدد كبير من الممثلين العراقيين المهمين لكنه لم يكن بالمستوى المقبول أطلاقا لا من ناحية النص ولا من الناحية الفنية فيما يخص صناعة العمل الدرامي التلفزيوني.. أي إخراجه، فقد كان هذا المسلسل عبارة عن مشاهد خطابية ساذجة، غير مترابطة أحيانا، وضعيفة جدا.. هذا قياسا الى الأعمال الدرامية العربية وحتى العراقية التي تسنى لنا مشاهدتها أو متابعتها..
المفارقة المدهشة في الإنتاج التلفزيوني العراقي الجديد موضوع هذه الكتابة أو هذا النقد.. هو أن يتماثل عملان دراميان تلفزيونيان.. بهذا الشكل المفجع من جميع النواحي.. بما في ذلك المناظر العامة في أماكن التصوير الخارجي أو حتى منها الداخلي أحيانا.. وكذلك حرفية التصوير بما في ذلك حجم اللقطات وحركة الكاميرا واختيار الزوايا.. حتى في مهنية الإخراج.. رغم اختلاف المخرجين.. فإن تلك الدرجة من التماثل بين العملين شيء لا يصدق مطلقا...!! هذا ما رأيناه في كل من مسلسل (بياع الورد..) وهو تأليف الكاتب عبد الوهاب الدايني وإخراج جمال عبد جاسم، ومسلسل (المصير القادم..) وهو من تأليف قحطان زغير وإخراج عزام صالح أيضا.. كلا المسلسلين من إنتاج (قناة البغدادية) ولكن هل يمكن أن تسمح تسمية جهة الإنتاج الواحدة بهذا الشكل من التماثل أو التكرار.. الى درجة ظهر فيها المسلسلين في معظم الأحيان وكأنهما مسلسل واحد...!! ربما تكرار بعض الممثلين.. بما في ذلك الممثلين الرئيسيين في كلا العملين...!! لا ينكر أن وجوه كثيرة من الممثلين العراقيين قد تكررت في معظم تلك الأعمال التلفزيونية التي أشرنا أليها.. لكنها لم تتماثل الى تلك الدرجة مثل ما حدث مع العملين التلفزيونيين الأخيرين.. أختلف المسلسل الثاني عن الأول قليلا في أن بعض شخصياته التي كانت تعيش في الريف الذي لم يسمى تحديدا لكنه بالتأكيد قريب من بغداد كما دلت على ذلك بعض الأحداث فيه.. ورغم أن بعض شخصيات المسلسل الأول جرى الإيحاء بأن لها مرجعية ريفية.. فقد كانت المرأة صاحبة محل البقالة (الممثلة أنعام الربيعي) تذكر دائما في الحلقات الأولى بأن (العشيرة) قد أجبرتها على الموافقة على خطبة (مجيد) لابنتها (أعنيدة) هذا رغم أن العشيرة لم يكن لها أي وجود أو ذكر في هذا المسلسل.. ولم تذكر سوى على لسان تلك المرأة عند يرد ذكر (مجيد أبن الحدقجي) أمامها..
يحيلنا مسلسل (بياع الورد) من أسمه الى أغنية احضيري أبو عزيز الشهيرة.. المطرب الريفي.. وقد كان واضحا بأن المؤلف أراد أن يثبت من خلال هذه الإشارة.. الجذر الريفي لبطله كما أشرنا أعلاه.. بطله الذي يردد دائما مطلع تلك الأغنية وينال أعجاب المحيطين به من شخصيات المسلسل.. لكننا نقول أن تلك الأغنية كانت تنتمي للمدينة حينذاك أكثر ما تنتمي للريف العراقي.. ويتجلى ذلك مثلا في الصورة (الحديثة) لذلك المطرب التي يلصقها بطل المسلسل على جدار غرفته.. لكن المطب (الأصلي) الذي وقع فيه هذا المسلسل (من جملة مطبات أصلية أخرى) هو أن بطله لم يكن يجيد الغناء بأي أشكاله.. وليس تقليد احضيري أبو عزيز فقط...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة كوميدية.. الفنان بدر صالح يوضح الفرق بين السواقة في د


.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية




.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه