الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العملية السياسية ..تغيير في الاسس ام اعادة انتاج

ثائر سالم

2007 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لازالت الاطراف الاساسية ، من " العملية السياسية" تصر على السير في ذات الطريق والاسس التي قامت عليها تلك العملية ، رغم ان الحصيلة التي تشهد عليها ، حياة العراقيين اليومية، لا زالت تقول ان الثمن الذي دفع، ولازال، لا يوازي " منجزاتها " المفترضة او الحقيقية. وانما ايضا عدم اخلاقية الوسائل التي اتبعت في احيان كثيرة، لاعلاقة لها، بمستقبل البلد وحياة الانسان فيه، قدر تعبيرها، في الغالب، عن صراع على السلطة ومنافعها..
الكثيرمما جرى غريب عن ثقافة المجتمع، وعلاقات مكوناته التاريخية ..تقاليدها وقيمها. لم يكن التدخل الخارجي قادرا على النجاح في الجزء الاكبر من، اجنداته الخاصة ، لولا نجاحه في استثمار اجندات بعض القوى( التي لا تضع المشروع الوطني اولوية تتقدم مشاريعها الاخرى) ، بغض النظر عن مشروعية ، واقعية او صواب هذا الترتيب للاولويات. ولكن تقاطع الاجندات المختلفة، الداخلية والخارجية، يجعل التقاطع مؤقت، على الاغلب. وجود بعض الجماعات ، او الساسة الحديثي التجربة، يبقى القسم الاضعف في خلطة القوى الاساسية للعملية السياسية. هذا القوى تحاول اليوم ، تقديم انطباع، عن نية او استعداد، لاجراء تحولات هامة، في بعض اجراءات او توجهات" عمليتهم السياسية "... ترى هل هو تحول، انتجه ادراك ، خطأ الرهان ، على مواصلة مسار المحاصصة الطائفية الاقصائية ، والتحالفات البعيدة عن المنطلقات الوطنية ؟ ارجو ذلك ..لكن المسار على الارض، لازال يقدم للاسف، ادلة على الاتجاه المعاكس،.. على استمرار ثقافة احتواء الاخر، بذات المنطلقات، الانعزالية ، الاقصائية ، اللاتشاركية ،.. وان كل ما يجري انما هو اعادة انتاج لها باشكال اخرى. وان ما حصل ويحصل في هذا التوجه، لايمكن تفسيره خارج دائرة الرؤية والمصالح الامريكية ، التي شجعها النجاح النسبي( ونرجو ان لايكون مؤقتا)، للعملية الامنية المشتركة ، العراقية ـ الامريكية ، وفي تحقيق اختراق هام، في الخندق الذي اعتبر لفترة طويلة، حاضنة العمل العسكري المعادي للعملية السياسية ، وتشجيع الاطراف الاساسية في العملية السياسية، على التوجه لكسب جولة الاحتواء للاخر، بعد النجاح في الكثير من اهدافها ..

ولكن تقسيم العراق، وثقافة التمييز المذهبي والمحاصصة الاقصائية ، وترسيخ مواقع الهويات الثانوية واضعاف الهوية الوطنية ، لم يكن ضمن الاجنده المعلنة لتلك القوى ...بل كان الوعد الذي قدم للناس ،.. اقامة العدل والمساواة بين الناس والديموقراطية ، التي تضمن اشراك الجميع ،.. وتعزيز ترابطهم الوطني، واحترامهم للهوية الوطنية...هذا الموقف ليس موقفا عاطفيا ، يتجاهل اولوية قيمة او مصلحة الانسان. بل على العكس، فهو لمصلحة كل مجموعة وفرد.. فتحطيم الدولة وتدمير البنى اتحتية ، ونهب ممتلكات البلد وثروته الوطنية، وتسليمها بايدي نهابين محليين ودوليين، ورهن حاضر ومستقبل البلد واقتصاده ،.. انما يعني في النهاية ، اقامة الوصاية الابدية،.. لا على اقتصاد البلد فحسب ،.. وانما على مستقبله السياسي ، ومستقبل اجياله القادمة. امر كهذا لا يجب ان يمتلك احد،.. حق الاقدام عليه.

لم تكن مشكلة العراق قبل الاحتلال، خصوصا في مرحلة ما قبل، حرب ايران وغزو الكويت، والحصار الاقتصادي،.. تكمن في ضعف الدوله، ووظائفها الخدمية، او قوتها العسكرية والامنية ، ..او ضعف ملامحها العصرية ،... قدرما كانت تشكو من مركزيتها المفرطة ، وتضخم جهازها الامني والعسكري...من دكتاتورية نظامها السياسي ، وطريقته القمعية، التي ادار بها السلطة بشكل عام وعامل بها شركائه او خصومه السياسين،..قبل اعدائه. ..وعلى هذا لم تكن المهمة، التي تنتظر الدولة الجديدة، ...تحطيم جهازها الخدمي، ووظائفها المدنية والعسكرية والامنية،...او سيادتها على الاراضي العراقية ...بل تعزي مسؤليتها في تقديم تلك الخدمات وتحسينها، نوعا واداء، لاسيما في ظل الارتفاع الاسطوري ، الذي حصل في عائدات النفط ، وبعد الغاء الحصار الاقتصادي، على البلد.
وبدل البدء مما اخفق فيه، النظام السابق،... الديموقراطية الحقيقية ..لا مؤسساتها الشكلية ، التي ظلت تتحرك تحت سيف الزعيم ، القائد ، وارادته الفردية ، وقراءاته الخاصة للاحداث . فتلك المؤسسات كانت تعبر، في الممارسة، عن نقيضها تماما.... فالمشكلة لم تكن ، في وجود البرلمان او في اسمه " المجلس الوطني" ، ولا في عمل مؤسسات الدولة الاخرى، ضمن القوانين العامة، التي تتطلبها الحياة في اي مجتمع ، او شروط عمل الدولة الحديثة وتحسين ادائها ووظائفها ، التي تخلت عنها في السنين الاخيرة قبل الاحتلال..المشكلة كانت ، كما يعرف الجميع في حقيقة الممارسة للسلطة والسياسة في البلد ، التي اتسمت بطبيعة استبدادية فردية ، عدوانية في بعض الحالات ، على الابناء والجيران والاخوة. ..وفي مدى الحرية الحقيقية المتاحة، ووجود مظاهر للتمييز بين المواطنين لمختلف الاسباب...والتي كان اغلبها ، لاسباب سياسية...وفي هذا لم تكن تختلف الاغلبية من العراقيين.
اذن كيف انتهى الامر الى ما نحن عليه الان ؟ ...تدمير كل منجزات الشعب ، وسرقة ثروته ، ونهب ماله العام ، والعودة بالبلد الى قيم ماقبل الحداثة، وثقافة الدولة. ..كيف تم الانقلاب على المشروع الديموقراطي الحقيقي ، الذي طالما اقامت المعارضة السياسية حينها" الحاكمة حاليا " الاجتماعات والبرامج ,الوعود السياسية ؟..كيف تمخض الجبل فولد فأرا؟ وحصل ان تم البدء ، بعملية الهدم بدل عملية البناء.
هدم ما لا يجب هدمه ، الذي لاعلاقة له بطابع النظام السياسي..بما يتعلق بمستقبل الناس وحياتهم اليومية ..عملهم ..خدماتهم ..بنيتهم الاقتصادية، امنهم وامن ابنائهم ، ممتلكاتهم ومنازلهم...اي ديموقراطية واي عدل ؟يمكن ان يقام في ظل وضع ارهابي مركب ، داخلي وخارجي ؟، الدا خلي فيه لوحده مضلع متعدد الاضلاع،.. يضاف فيه.. ارهاب الدولة الى ارهاب وجرائم الارهابيون وفرق الموت وعصابات الجريمة بكل اشكالها.
وبدل تنفيذ الوعود الامريكية ـ العراقية ، للشعب العراقي ، وبدء عملية اعادة اعمار جدية. وتحقيق مشروع القزى الديموقراطية ، التي تقطع مع ظواهر الماضي واساليبه، او اي شكل يمكن ان يجسدها ...جرى السير باتجاه آخر تماما... كانت مصلحة الشعب العراقي وحياته فيه... في اخر سلم الاولويات، والاجندات الامريكية. ومن يعتقد بعكس ذلك، بعد كل هذه المآسي والشواهد اليومية ، التي تؤكد مسؤلية الاحتلال، عليه ان يراجع قدراته السياسية او نواياه الوطنية ....فهل يعقل ان مشروع القوى الديموقراطية والعلمانية ، ولا سيما القوى اليسارية.. كان يقصد الاستسلام او القبول، ببيع القوى الرجعية والبرجوازية الكومبرادورية والطفيلية لبلد ، وتختطف شعبه وترهن مستقبله وحاضره ...للاستعمار والقوى الاقليمية والارهابية وكل عصابات الموت... وبالاستثمار الانتهازي للمقدس الديني، ولمصداقية التاريخ الوطني الكفاحي لليسار ومثله الفكرية. ..كي تستقر السلطة في ايديهم.

قوى العملية السياسية(الذين اعتبرتهم كل استفتاءات البيعة للرئيس السابق،اقلية لا تتجاوز الواحد في المئة ، هي ذاتها الاكثرية الساحقة، حسب انتخابات العهد الجديد ) اتاحت، لاسيما في مرحلتها الاولى، فسحة من حرية الراي والتعبير ، لم تعرفها الحياة السياسية العراقية ، في كل تاريخها الحديث،...
ولكن ماذا كان الثمن؟ وهل كانت حقا معبرة عن جوهر الشعارات التي تحدثت ولازالت عنها ؟ تبرئة الذات من المسؤلية عما حصل ، وتحميلها الاخر، شريكا، معاديا او معارضا، مسؤلية المآل الذي آلت اليه الامور، لم يعد رأيا بامكانه ان يتمتع باي درجة من الجدية او المصداقية...فثمن " التحرير" لا يمكنه تحت اي مبررات ، ان يكون التضحية ، باستقلال البلد وسيادته ، او تدمير اقتصاده وبناه التحتية، ولا سرقة امواله او نهب ثرواته، وتهديد كيانه السياسي، ووجوده وامن شعبه وممكنات تطوره .

حتى بالنسبة لاطراف في العملية السياسية، كما اثبتت تجربة السنوات المنصرمة ، ان الطريق نحو العراق الجديد ، لا يمكن ان يكون الطريق الذي سارت عليه، عربة العملية السياسية حتى الان. مثلما هو بالتاكيد ليس الطريق الذي سار عليه العراق سابقا...عند هذه النقطة، تتقاطع اليوم كل الاجندات، المحلية والاقليمية والدولية، وعلى المستويات ـ الحزبية والشعبية ـ معارضة او مؤيدة. وافتراض ان الاحتلال ، يستدعي كما في اي شعب في العالم ، فعلا مقاوما ، ينهض له شباب يدفعهم احساسهم بالاهانة لكرامتهم، حديثي العهد والتجربة السياسية، لايشك في صدقهم باولوية مواجهة الاستعمار، وانهاء الاحتلال.
مقاومون لازال قسما جديا منهم، غير معني بمسالة السلطة والحكم والنظام الديموقراطي، وذلك لاسباب واجتهادات مختلفة ، او لم تتاح له الفرصة، او القدرة على التفكير بذلك...نقطة الضعف هذه لدى اغلب اطراف المقاومة الجدية الوطنية...استعدادها لقيام نظام ديموقراطي مؤسساتي، قائم على الثوابت الوطنية ( ليس مقارنة، بالتاكيد، بتجربة الديموقراطية القائمة حاليا ، تحت الاحتلال ، فحقيقة هذه الديموقراطية ، وتجلياتها على الارض ، لايمكن ان تكون مقبولة من كل ذا عقل سليم ، وضمير حي). فالديموقراطية الحقة ( وليس الديموقراطية التي اقامها الاحتلال) لايمكن ان تتقدم على مشروع تحرير البلد السياسي ، والسيادي .

ان نبل المهمة التي يتصدون لها ، يمكن ان تغفر هذا التقصير، ان لم يكن متفهما بالكامل، ولكن الى حين.
فقصور كهذا ، بعد كل الذي حصل في البلد ، في الماضي او يحصل الان، لابد وان يثير قلقا مشروعا، ولا بد من اخذه بالحساب والتعامل معه بجدية. ..ولكن هل يغير ذلك من حقيقة كل معسكر ، والفوارق الجوهرية بينهما ؟ سيكون اي خلط للاوراق ، موقفا لايخدم سوى الاستعمار واطالة عمر الاحتلال. الفارق يبقى جوهريا وكبيرا..بين، القوى المقاومة للاحتلال ، التي تحترم حق شعبها في السيادة، والاستقلال ، والحرية الكاملة ، وبين تلك القوى التي تقود البلد الان، والتي جاءت بالمحتل ومعه.. ولازالت تقبل استمرار الاحتلال ، ومستعدة لربط البلد ، باتفاقات امنية، على شكل المعاهدات الاستعمارية البريطانية ، التي قدم الشعب العراقي الالاف، من ابنائه من اجل اسقاطها والتحرر منها. والتي كان حينها لقسم من قوى العملية السياسية الدور الابرز فيها.

هل بامكان احد المعسكرين، بعد الان ، لوحده ، ضمان الاستقرار السياسي ، ومواصلة عملية التقدم الاجتماعي والاقتصادي للبلد ؟ . فتجربة السنوات التي مضت ، اثبتت انه لا توجد اجندة ، لطرف لوحده ، قادرة على العبور بالبلد الى بر الاستقرار ، او الانفراد بقيادته . وان للمشكلة السياسية في العراق ، اسباب تتعدى ، مسألة التنازع على السلطة ...
ويتضح اليوم اكثر من اي وقت مضى ، ان هذه القوى الطائفية والقومية ، تستند لى عوامل تاريخية موضوعية، تتعلق بمستوى التطور الموضوعي للمجتمع العراقي ، الذي نكتشف اليوم ، ان عمليات التنمية الاقتصادية ، االقسرية، الغير متوازنة ، مناطقيا ، وطابعها الريعي ، الطفيلي، بدرجة اعم . ولهذا فشلت القوى المعارضة وفشل محاولات ترقيع العملية السياسية ، لا تؤكد عقمها فقط ، وانما تؤكد الحاجة بالدرجة الاولى ، الى مسار آخر، يستند الى اسس اخرى تماما. والسير في هذا الطريق ، يتطلب تفجير تلك الالغام التي زرعتها العملية السياسية ، والقوى المحتلة التي اوجدتها ، او القوى الاقليمية الداعمة لها ، ولقوى داخلية بعينها.
فاذا كانت مشكلات عراق ما قبل الاحتلال ، قد وحدت العراقيين، قوى واحزاب وراي عام، يناضل من اجل الديموقراطية ، وانهاء الدكتاتورية، الفردية او الحزبية، وتطوير الحياة السياسية ، والمشاركة الشعبية فيها ، ومن اجل السلم وايقاف الحروب. فمشكلات ما بعد الاحتلال ، قد فرقت العراقيين، وهي بالاساس مشكلات العملية السياسية، والغامها ، التي تشكل تهديدا لوحدته الثقافية، والتاريخية ، القدرية.. لكيانهم السياسي.
ما قبل الاحتلال ، كان العراق، وطن وهوية مواطن ، كيان سياسي ببنى وهويات ثقافية ، لم يسمح لتعبيراتها السياسية ، ان تكون فوق او على حساب الدولة. .كان الاعتداء ، على حاضر المواطن ، وحقوقه السياسية ، من قبل سلطة سياسية ، تعتبر من يشق عصى الطاعة عليها ، او يخالفها ،متآمرا. ومن يدور في فلكها ، او يبتعد عن التدخل في شؤنها رعية مرضي عنها ، اما الولاء للوطن ، وعدم معارضة السلطة ، لم يعد يحمي المواطن من القتل الاعمى والوحشي ، ولاعتبارات لاعلاقة لها بولائه السياسي ، او الوطني، في ظل العملية السياسية التي فصُلها الاحتلال ، على مقاسات ورغبات قوى سياسية عراقية، باتت تعرف بقوى العملية السياسية.
الوطن اليوم ليس سوى ذلك الوقف الذي يحق، وعلى الاقل يمكن، لاي كان فردا او جماعة ، كيانا خارج الدولة او ضمن الدولة ، التصرف به او بجزء منه . الوطن اليوم ، ضحية، غنيمة، يتنافس ويتقاتل، للحصول على مغانمها ، او اكبر حصة منها ، المنتصرون. غنيمة من ؟ غنيمة تلك الرموز التي تستثمر ، مظالم العراقيين ، بهذا اللون او المنطقة او تلك، التي يدعُون الحديث باسمها ، او الحرص على ازالة الغبن عنها...وتلكم طريق ، لايمكن ان يفضي ، الى مجتمع حديث ، قادر على مواكبة العصر وثقافته، او الصمود في محيطه الاقليمي ، في منافسة التقدم الاقتصادي والاجتماعي وحتى العسكري ، التي تفرضها عليه متطلبات امنه الوطني .
وفي ذلك لايمكن ان يكون اي مؤشر على سير حقيقي نحو الديموقراطية والتنمية العصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع