الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون العرب - وعقدة صدام

فاخر جاسم

2003 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


  يستمر السجال بين المثقفين العراقيين و بعض المثقفين العرب، حول طبيعة التطورات التي أعقبت الاحتلال الامريكي ـ البريطاني للعراق وكيفية تحديد الموقف منها، في ظل أجواء يسودها التوتر والاتهامات المتبادلة. ومن أجل بناء علاقات جديدة تقوم على حقائق الواقع العراقي الراهن، أحاول إلقاء الضوء على الحجج التي يطرحها  كلا الطرفين.
  كثيراً ما ينتقد المثقفون العرب  أشقائهم المثقفين العراقيين، على موقفهم من التطورات الراهنة في العراق بعد الإطاحة بنظام الرئيس البائد " صدام حسين " . ويقدمون الكثير من المبررات لنقدهم ، نشير إلى أهمها:
  1 ـ المثقف العراقي تخلى عن مفهوم  الوطنية القائمة على المحافظة على السيادة والاستقلال. وعند تفكيك هذه الحجة وبناءً على مفهوم الوطنية نفسه الذي يعني" مبدأ يعبر عن حب المرء لوطنه ,وعن استعداده لخدمة مصالحه …إنها انشداد المرء الطبيعي نحو مسقط رأسه ,نحو اللغة الأم والتقاليد الوطنية ,واهتمامه بمصير البلاد التي ترتبط حياته كلها بها )، يتبين لنا أن المثقف العراقي وطنياً من الطراز الأول لأنه رفض استمرار انحدار وطنه وشعبه نحو المصير المجهول الذي كان يجره إليه الدكتاتور صدام حسين. وقد تمثل رفضه بالمقاومة المتعددة الأشكال التي خاضها ضد السياسيات الاستبدادية التي أنتهجها الحكم البائد والتي ساهمت في النهاية إلى عزلته التامة عن الشعب العراقي والتي اتضحت بالملموس أثناء الاحتلال الأمريكي لبغداد.
   2 ـ تخلي المثقف العراقي عن القضايا القومية ، قضية الفلسطينية والوحدة العربية. وعند مناقشة هذه الحجة يتضح للمتابع لسياسية نظام صدام حسين تجاه هاتين القضيتين، إن النظام العراقي كان من أكثر الأنظمة العربية ضرراً على الوحدة العربية والقضية الفلسطينية، فهو الذي أطفأ حلم الوحدة وشوه محتواها الإنساني بالغزو العراقي للكويت، حيث خرب دولتين ودمر مواردهما البشرية والمادية وأعطى المبررات الكافية للتواجد العسكري الكثيف في منطقة الخليج. وهو الذي خرب كل أشكال التضامن العربي، الذي بدونه لا يمكن تحقيق أي تقدم في تلبية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.  أفلا يحق للمثقف العراقي رفض التفكير والأسلوب الصداميين للوحدة والقومية؟
   3 ـ ابتعاد المثقف العراقي عن العقلانية السياسية من خلال تعامله مع نتائج الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني للعراق. وعند تفكيك هذه الحجة نراها لا تصمد للمحاكمة ، كيف؟ لقد تحدث، بالأصح راهن، العديد من المثقفين والسياسيين العرب على تقسيم العراق والحروب الطائفية والعرقية إذا زال صدام. وكان هذا الرهان خاسراً، حيث حدث العكس، عندما استأنفت المسيرة العقلانية للفكر السياسي العراقي، التي تعطلت خلال فترة الإحتراب السياسي والفكري الذي اندلع أثناء الأحداث التي تلت ثورة تموز  1958. وكانت ثمرة نتائجها العملية  السماح، لمن كان يعاني من جنون العظمة ، أن يقيم دكتاتورية استبدادية قلما يوجد لها مثيل في العالم المعاصر. فعدم الانجرار وراء شعارات الخروج الفوري لقوات الاحتلال والمقاومة المسلحة له، وأخيراً تشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي تفوق في تمثيله لمكونات الشعب العراقي، القومية والطائفية والاجتماعية ، إضافة إلى اتجاهاته السياسية والفكرية، على أي نظام ديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط. إن كل ذلك يعتبر دليلاً على التفكير السياسي العقلاني وليس إبتعاداً عنه.
4 ـ  يشير بعض المثقفين العرب إلى حدوث تغيير في طريقة تفكير المثقفين العراقيين.إن هذا الاستنتاج صحيح تماماً. فكما هو معروف أن الشعب العراقي مولع بالمعرفة بكافة أنواعها ، ويشير الناشرون  العرب إلى كساد سوق الكتب منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن العراقي الذي عانى اقتصاده كثيراً بسبب الحروب الداخلية والخارجية التي شنتها سلطة، صدام حسين، هذا أولاً، وثانياً، إن الشعب العراقي مصاب " بعقدة  صدام" التي نتمنى أن لا تصيب أياً من الشعوب العربية. وهذه العقدة جعلت مثقفيه وسياسييه يعيدون النظر بطريقة تفكيرهم وأسلوب عملهم وخطابهم السياسي الذي يبنى الآن على حقائق الواقع بدلاً من العاطفة والحماسة وشعاراتها التي جعلتنا أكثر ابتعاداً عن تحقيق أهدافنا الوطنية والقومية . إن هذا التغيير من حقنا نحن المثقفين العراقيين، " فـالذي  يعد العصي ليس مثل الذي يضرب بها " كما يقول المثل العربي.  
 أخيراً ، أن ما نطلبه ، نحن المثقفين العراقيين، من أشقائنا المثقفين العرب ، هو احترام خصوصية بلدنا التي تقوم على ثراء التنوع القومي والديني والطائف وتنوع اتجاهاته  الفكرية والسياسية، والتلاحم مع مثقفيه وجهودهم في بناء العراق الجديد بالطريقة التي يفهمونها ، بعد تحررهم من عقدة صدام ، فنحن الآن كعراقيين، لسنا بحاجة إلى شرعية من أحد، كما إننا لسنا بحاجة إلى من يفكر عنا فـ " سكان مكة أدرى بشعابها "، وكل ما نأمله أن لا يكون المثقفون العرب جزءاً من الذين يرون أن الخطر قادم من العراق الجديد، العراق الديمقراطي.  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة