الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاَّ مُنتَصِّرْ جيلٌ مهدرة احلامه [ 2]

عادل الحاج عبد العزيز

2007 / 12 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


((وكما في طقوس اللّذة.. وطقوس العذاب، يدري الجميع أنه لا يجب وقف ضربات البندير، ولا قطع وقعها المتزايد، قبل أن تصل النساء إلى ذروة لا شعورهن ولذتهن، ويقعن على الأرض مغمى عليهن، تمسكهن نساء من خصورهن، وترشهن أخريات بالريحة والعطر الجاهز لهذه المناسبات.. حتى يعدن تدريجياً إلى وعيهن)).
( احلام مستغانمي، ذاكرة الجسد)[1]
وصل
لعله فقط الآن ربَّما هدأت قليلاً الأنفاس والحناجر وعادت لبارئها ومحرضها، عندما خرجت مهدرة دم تلك المعلمة الضحية وهي البريطانيّة جوليان جيبونز. عساه تبقى قليلً من عقل وتعقل حتى تصلح عملية مساجلته بهدوء دون صخب. ويا لها من فاجعة عندما تحاول ذاكرتنا استعادة صورة المشهد الصاخب الذي رافق ذلك الحدث، والذي ان كان له حسنة واحدة تذكر فهو كشفه سوءة الدعاوى التي تُصَّر على حيدة القضاء السودانيَّ، وهو اللّحن المفرد الذي ما فتأت تتغنى به تصريحات النظام واقلامه في مواجهة أي وجهة او دعوة اخرى تطلب العدالة ولو في المحكمة الجنائية الدوليةICC .
الأمر الآخر الذي ساعد على ترسيخه المشهد المتشنج اعلاه، هو ان ظاهرة كونيَّة جديدة بدأت تتفتق كظاهرة في كنف العاصمة الحضارية للمشروع، اذ يمكنني التجرأ وتسميتها – الترانسأصولية الجديدة – وهي فيما يبدو ظاهرة وطدها الإنتشار الكوني للصور التلفزيونية عبر الفضائيات، وهي تنقل صور المحتجين المشحونين بواسطة الفتاوى الصادرة عن فقهاء السُلطة. لينتج عنها حرق وتمزيق لدمية او علم لدولة كافرة هنا او هناك. فيالها من فاجعة تلك التي جعلت من الخرطوم العاصمة القومية العلمانية (وفق نيفاشا) تبدو تماماً ككراتشي او لاهور. ليُحشد هؤلاء البُسطاء للتظاهر وفق مشيئة من هو مختبئ في طورا بورا او في مقر المؤتمر الوطني بالعمارات.
في هذه الأثناء لم يفتح الله على اي من قيادات احزابنا صغيرها وكبيرها بكلمة حق او باطل؛ لذلك تجدنا نلتجئ للتذكير ان هناك تحولات جذريَّة حادثة في التركيب المجتمعي السودانيَّ. دليلنا في ذلك الحادثة اعلاه؛ وان حق لنا التساؤل برغم عدم جدواه ربَّما؛ عن من هو القائد الذي بمقدوره ان يُخاطب هذه التحولات بشكل اعمق، وبالتالي مخاطباً جذور التّطرف كظاهرة تعرفها كل الأديان؟ وما هي مؤونته وزاده لمحاربتها وان لم يكن اجتثاثها من الجذور كما قيل؟!
اللاّفت قبل ان ندلف مجدداً لوصل ما ابتدرته كتابتنا الأولى هنا، هو اننا طرحنا على سبيل التوطئة في مقالنا ذاك، ما يمكن استنتاجه لاحقاً وهو إلتفات وعيّنا المتواضع الى ان فعل الكتابتنا فعل قد يَنتج عنه رد فعل هنا او هناك. ومما دنى لملاحظتي هو الآتي: ان مُعظم ردود الفعل وإن كانت مضمرة؛ صدرت نُسخها السالبة ممن هم ظاهراً يدَّعون التنوير وإشاعة الوعيّ. نسخهم تلك اكتسبت طابعها السالب ذاك فيما يبدو؛ نتيجة لعلَّه لما طالها من تبريح غالباً او نتيجة اللّفح النقدي للزعامات التقليدية التي يتوسدونها. لتكون كتاباتهم المرتدة موسومة ( باللّفحي) والتسرع.
وتحليلي المتواضع لهكذا مسلك، هو ان بنيَّة التحالفات الموروثة في الساحة السياسيَّة السودانيَّة الراهنة تعوزها المبدئية؛ لذلك بعض (الملفوحين) ومن واقع تحالفاتهم اللاّ مبدئية تلك، مع القيادات الطائفية المسيطرة. والتي تمثل بالنسبة لهم الصيغة المريحة والمرغوبة؛ وهي لا يعنيها بالضرورة ان كانت تلك الأجسام (الكيانات) الحزبية المغيبة بفعل قادتها التأريخين تسري بجسدها دماء الفكر وحيوية التفاكر، من اجل مستقبل يتجاوز الشخوص وتزرع به الأفكار والمبادئ عوضاً ذواتهم الفانيَّة؛ وإن طال السفر!
3] الديمقراطيَّة الذكوريَّة الثالثة 1985م
ما علق كذلك بذاكرتنا عن ما تواضعنا في السودان تسميته بالديمقراطية الثالثة، له كثير ومتتشابك ولكن من اهم القضايا التي تستحق ان يسلط عليها في مثل ايامنا هذه هي القضايا المتعلقة بالجندر(النوع) وما لها من ارتباط في حقل الدراسات السياسية الحديثة خصوصاً وما لها من ارتباط كذلك بمسألة ممارسة العمل العام المعاصر.
بلا شك هي قضية تم تكثيف التركيز عليها في العشرين او الثلاثين سنة الأخيرة، ومن اهم المحطات المبينة لذلك منها مؤتمر المرأة في بكين في العام 1990م ، مؤتمر المرأة في جيمتين 1995 ، مؤتمر التنمية الإجتماعية 1995 المعني بقضايا حقوق المرأة وضرورة متابعة الدول للمساواة في الحقوق وعدم التميز وتنوير النساء بحقوقهن.
اثارة هكذا قضية متعلقة بالنساء/المرأة وادوارها المجتمعية ليس ببدعة تبتدعها كتابتنا هذه فهي من القضايا الحية المتجدد والنقاش حولها يمكن ان ينبسط في كل الأنحاء ( الفقهية،القانونية،السياسية، الإقتصادية). وبمجادلة العقل العربي الإسلاموي الذي بدأ يتشكل بعد قدوم الإسلام قدم معالجات كثيرة عززها النص القرآني ثائراً على اوضاعها ما قبله في الجزيرة العربية بقوله ( واذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت) صدق الله العظيم
وإن كان مناسبة اتياننا بالمسألة هنا هو ما نتج عن مراجعتنا لمحمولات الذاكرة عن تلك الفترة "الديمقراطية الثالثة"، وهو تساؤل تحوم ماذاته حول العقل السياسي السوداني في تلك الفترة التي عادت فيها الممارسة الديمقراطية واحزابها للحياة مجدداً، يقودها وما زال نفس الطاقم من القيادات والتي بقيت هي نفسها حتى الساعة تتصدى لإعادتها (الديمقراطية) في الألفية الجديدة او ربما تمني النفس بإمكان عودتها هي نفسها لمواقعها السابقة.
ظن كثيرون انه بعودة النظام الديمقراطي حينها ان مثل هذه القضايا ستلقى بالاً ومناصرة بواسطة العقل السياسي المسيطر وقتها؛ ولكن الحقائق التي تحملها الإحصاءات والأرقام والممارسة كذلك، تأبى ان تُصادق على ذلك. ففي وطن مثل السودان تمثل نسبة مساهمة المرأة 50% من العمالة الزراعية والقطاعات المتصلة بها كالرعيّ وتربية المواشي. فيما تقدر بعض الدراسات مساهمتها في الإنتاج الحيواني بمناطق الرُّحَل 61.4%
وكذلك مساهمتها بنفس النسبة 61.4% من الإسهام الكلي في صناعة وتسويق منتجات الألبان.
ومن الفواجع التي تكشفها الإحصاءات، ان اعلى نسبة مشاركة للمرأة في المؤسسات التشريعية، دائماً ما تكون هي الأعلى في ظل النظم الشمولية والعسكرية، في حين انها في اثناء الجمعية التأسيسية 1985م والتي كانت تتشكل من 261 نائباً برلمانياً؛ كان عدد النائبات في البرلمان لا تتجاوز الإثنين وهي نسبة لا تتجاوز 0.7% من مجمل عدد نواب الجمعية التأسيسية.
وهذه النسبة الضئيلة لا تتناسب بالقطع مع كسب المرأة السودانية في العمل العام وتاريخ مشاركتها في مؤسسات اتخاذ القرار بالدولة، وهي التي انتزعت تعليمها منذ عام 1907م بفضل مولانا بابكر بدري.
وهي التي ساهمت اسهام فاعل مع اقرانها الذكور في انجاز معركة الإستقلال، وحققت مكاسبها السياسية باكراً جداً بالمقارنة مع قريناتها في المحيطين الأفريقي والعربي. ففي عام 1965م نالت المرأة السودانيَّة حقها في الإنتخاب والترشيح (نموذج: بتول محمد عيسى، ملكة الدار محمد عبدالله، فرتوناتا كواشي، فاطمة أحمد إبراهيم).
اذاً الديمقراطية الثالثة لم تحفل كثيراً بالحفاظ على هذا التاريخ الناصع لعطاء المرأة السودانيَّة؛ وانشغلت قواه السياسية والحزبية من اقصى اليمين الى اليسار بالصراعات وفنون ادارتها قبالة بعضها البعض.
واهتمت اكثر بإستخلاص تعويضاتها عن ما طالها من رهق في فترة الشمولية المايوية، ليعجز ذلك العقل الذكوري القح عن مواكبة ما حوله من تطورات للحركة النسوية العالمية، التي حققت عبرها العقد العالمي للمرأة 1975م-1985م والذي تضمن وثيقة شاملة تحوي على كل حقوق المرأة، وهي نضالات طويلة مرت عبر مسارها الدولي في رحلة طويلة توجها الإعلان العالمي للقضاء على التميز ضد المرأة في 1967 وانتهاءً بإقرار الإتفاقية نفسها وإشهارها في عام 1979م.
هذه المكاسب العظيمة المتحققة على المستويين المحلي والعالمي لتطور حقوق المرأة عموماً والسودانيَّة تحديداً، لم توازيه اي مجهودات مماثلة يمكن ان تحفظها الذاكرة للقيادات التأريخية التي مرت على حكم البلاد في تلك الفترة. وإن قصدنا التخصيص لعطاء الحزب الإتحادي الديمقراطي هنا (كنموذج) في هذا المجال فإن مكاسب قيادته بعد إنتفاضة رجب / ابريل خير دليِّل لتلك المُمارسات المجحفة. فان مكاسب قيادته عندّها كانت صفراً كبيراً. وبعد كل هذا يراد لجيلنا ان يعيد الكرة مرتين!
هذه التحديات الكُبرى التي يواجهها قطاع مهم من المجتمع السوداني لا يعقل ان يخاطبها عقل سياسي معتم بفعل القداسة ومُتعطل انتاجه المعرفي في متاحف التاريخ بفعل الإستعلاء القداسي المورَّثْ.
لذلك حق لنساء بلادي ان يتعذبن تحت وطأة قداستين، واحدة موروثة والثانية انتجها العقل الظلامي المتصل بالأصولية العالميَّة (العابرة للقارات) هذه الأيام.
ماقبل سقوط الحائط .. سنواصل.. من خلال ما يأتي رصد لمسلك العلاقات الدولية والإقليمية خلال العهد الديمقراطي الثالث.
عادل الحاج عبد العزيز
هوامش:ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مستغانمي، احلام، ذاكرة الجسد، ص26 صدرت سنة 1993، منشورات احلام مستغانمي، بيروت لبنان.
[2] هيثم مناع .الاسلام وحقوق المرأة،2001 مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، القاهرة. مصر.
[3] مصادر الكترونية مختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح