الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار المتمدن: شمعة جديدة تقهر ظلام الفكر

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2007 / 12 / 6
ملف مفتوح : نحو مشاركة واسعة في تقييم وتقويم النشاط الفكري والإعلامي للحوار المتمدن في الذكرى السادسة لتأسيسه 9-12-2007


كانت الساحة الفكرية العربية مشهورة تاريخياً بخوائها الفكري وجدبها الحضاري وقحطها الأبدي وركودها الستاتيكي المذهل وكانت بحاجة ملحة لنقلة نوعية تنقذها من عصابها الروحي ونمطها الاستبدادي الفردي المفرط الذي اتسمت بها على مر 1400 عام من انتشار الجهل والدجل والتسطيح. وقد انتهت جميع محاولات التمرد الفكرية للفرار من أطر ثقافة القطيع وفكر الجماعة ونهج التسطيح إلى نتائج كارثية ووخيمة على أصحابها بسمل العيون أو قطع الرؤوس أو جلد وتقطيع أوصال من خلاف وغير خلاف وتمثيل بجثث المفكرين العظماء. ويحفل التاريخ العربي وثقافته الجاهلية، وحتى اليوم، بقصص محزنة لرواد وفطاحل وعقول نيرة تم الإجهاز عليها في سبيل أن تبقى تلك المجتمعات على ما هي عليه من شلل وموات ومنع إيقاظها من غفوتها التاريخية.

وحتى اليوم، وبرغم انفتاح بوابات الفضاء الإليكترونية على مصراعيها، فاسحة بالمجال لجحافل لا حصر من الكتاب والمبدعين وأصحاب الرأي للتعبير عن ذواتهم وما يجول في دواخلهم وتقديم رؤاهم الحياتية حيال الكثير من القضايا اليومية والإستراتيجية، إلا أن نمط التعامل العربي البوليسي التقليدي لم يتغير مع هذه الفضاءات الجديدة، وتستمر بكل عنجهية وصلف وغباء المحاولات الرامية لتطبيق سياسات التعتيم والحصار ومنع التنفس والهواء الذي يحتكره لأنفسهم أصحاب الفخامة والجلالة والسمو من طويلي العمر الأخيار. وما زال الكتاب بضاعة ممنوعة والفكر رجس من عمل العملاء والعقل طفرة جينية تعالج بالوأد والكي والاستئصال. وما زال نشطاء الرأي وحقوق إنسان غرباء في دنيا العروبة والبداوة وشيوع ثقافة بني وهاب يعانون من مشاكل مزمنة في الوصول إلى القراء، وإيجاد المنابر الليبرالية العلمانية الإنسانية العربية لطرح حق من حقوقهم المقدسة في التعبير على الرأي والذات. وما زالت الأنظمة العربية وأبواقها اللاهوتية والسلفية وفضائياتها الكرتونية وكراكوزاتها النفطية التي تلعلع في السماء، تفرض حظراً محكماً على تلك النخب النهضوية والتنويرية والحداثوية، وتفرد منابرها للعمائم والجهلة وتروج لبرامج تفسير الأحلام وقراءة الطوالع والأبراج. وتكاد تخلو معظم تلك المنابر التي تعتاش من دم وعرق المواطن العربي من أية دراسة، أو مقال جدي، أو اسم تنويري، فيما ترى أبواق الشيوخ التابعين الأرقاء لحمى العملة الخضراء، من تجار السلفية، وفرسان الغباء وسماسرة طويلي العمر الواقفين على الأبواب، والمتجلببين بعباءات البدو الرعاة، وقوادي الجهاد والإرهاب، مروجي فكر العنف والغزو، وبائعي الأوهام المستسلمين للذة الغباء، وقد أضحوا ضيوفاً ثقلاء ودائمين على مرافئ العقل النقدي المتمرد على كل تخارفهم وسطحيتهم وأراجيفهم. ويندر أن تستمتع بأية وجبة فكرية دسمة تبعث الدفء والحياة، اللهم ما خلا عصائر البول ومخلفات البعير وحدوتات الدعاة عن التنبؤات بقرب قيام الساعة بحيث صرنا نتمنى فعلاً أن تقوم ليريحنا الله منهم ومن هلوساتهم وبداوتهم وسمومهم التي تفلج الدماغ.

غير أن شيمة الزمن الأساسية هي الدوران، وصفة الدهر الأبدية هي التبدل والزوال، وسمة العصر الحالي هي العولمة والانفتاح. وقد أصبح من غير الممكن الآن، وعلى الإطلاق حجر الفكر، وحبس الآراء، والاستمرار على نهج الأسلاف. لذا استطاعت محاولات فكرية كالحوار المتمدن، بالاعتماد على فكر علمي ثاقب وقارئ جيد لحركة التاريخ والزمان، وبما وفره فضاء الشبكة العنكبوتية، والذي يحتفل اليوم بذكرى انطلاقته السادسة أن يفرض نفسه كواحد من عوامل التغيير الأساسية للثقافة والفكر العربي التقليدي عبر تمكين الأصوات المخنوقة تاريخياً، والممنوعة سلطوياً، والمرعبة فكرياً من الوصول لعقل القارئ العربي في القرى النائية، والأمصار المنكوبة، والمدن القاحلة المهجورة. واستقطب كل تلك النخب التي لفظها إعلام النفط والفكر "الهباب" لبني وهاب وليشكل "لوبي" فكرياً، وقوة ضغط معنوية كبرى، ويحتل موقعاً مرموقاً على الشبكة بات يؤرق ويهدد البنية المعرفية السطحية لقوى التجهيل والخواء، ويعمل هدماً وتحطيماً في أيقونات الرعب والأصنام التاريخية التي خنعت لها، على مر القرون، قطعان الجهلاء.

ولكل إنسان الحق في إبداء رأيه وطرح ما يريد دون أية قيود وتابوهات ومحرمات ومحظورات فتغريد العقل خارج أسوار التقاليد والأعراف هو ما يدفع بالحياة للتقدم نحو فضاءات الانعتاق. لا حدود ولا أفق للسؤال والبحث والاستفسار، وطرق جميع المحرمات. غير أن العلة تكمن فيمن يرعبه شعاع الشمس وتقتله الأنوار ولا يطيب له العيش سوى في الأغوار.

ها هي شمعة أخرى يشعلها الحوار المتمدن في عيده السادس وكل ما نرجوه له هو استمرار ذلك التقدم والتألق والنجاح، وطرق فضاءات جديدة أرحب وأوسع، وعبر عمل مؤسساتي ومنظم، يحقق له البقاء والاستمرار والاستقرار وهو الأولوية الأهم، دائماً وأبداً، في هذا المشروع الرائد المارد العملاق.

فألف تحية مع باقة فل وأزاهير عطرة محلاة، وكل عام وأسرة التمدن بخير وهدوء وعافية وأمن وسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك