الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كسر خواطر ليفني

مجدي شندي

2007 / 12 / 7
كتابات ساخرة


في الطبيعة لا يتحول الذئب إلى حمل أبدا .. لكن الإنسان أكثر قدرة على التلون والتمثيل والإيهام بما يخالف الواقع , وذلك عين ما فعلته تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل التي حاولت ابتزاز مشاعر حضور مؤتمر أنابوليس ومعهم مشاعر الرأي العام العالمي المتعاطف في معظمه مع إسرائيل حتى وهي ترتكب ممارسات نازية , وذلك تحت سحر "الميديا الغربية" التي تحول العربي إلى وحش يجوب الفلاة باحثا عن طريدة إسرائيلية ليفتك بها .
بصوت يغلب عليه التوسل والتأثر قالت ليفني في إحدى جلسات المؤتمر (حسبما نقلت واشنطن بوست) : "لماذا لا يريد أحد مصافحتي؟ لماذا لا يريد أحد أن يُشاهد وهو يتبادل الحديث معي؟ توقفوا عن معاملتي كمنبوذة. فأنا لست مصابة بالجرب", ويعلق مسؤول "لقد تجنّبوها كما لو كانت أخت دراكولا".
بالطبع ربما لا تدرك ليفني حجم المآسي التي سببها الصهاينة للفلسطينيين وللعرب , وهي ربما تكون صادقة كإنسانة في تأثرها بمقاطعة المسؤولين العرب لها , فالإنسان يتميز بإدراك انتقائي طبيعي , حيث ينتقي العقل الباطن من الحوادث التي يمر بها الإنسان ومما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده ما يتناسب مع توجهاته وأفكاره ومشاعره , وهو يميل إلى نسيان وتجاهل مالا يتفق مع هذه الأفكار والمشاعر . وبهذه الطريقة ينشأ التطرف السياسي منذ العصور القديمة وحتى الفاشية والنازية والصهيونية في العصر الحديث . هذا أيضا ما يمنع الإنسان من الإحساس بمرارات غيره خاصة عندما يكون في المعسكر المعادي , وغالبا ما تلصق اتهامات بكل من يحاول الخروج على المشاعر العامة , فالذي يتفهم بإنسانية معاناة الفلسطينيين والعرب من اليهود هو "يهودي كاره لنفسه" والذي يحاول القفز فوق الآلام والجراحات العربية " مطبع أو خائن".
في كل الصراعات توجد عذابات على الناحيتين , لكن الصراع العربي الإسرائيلي يكاد يكون استثناء غير مسبوق من هذه القاعدة , ومن ثم فإن ليفني ليس لديها أي مبرر للمسرحية التي مثلتها على خشبة أنابوليس وبحضور حشد دولي , فالطرف الصهيوني لم يكن يملك حبة رمل من فلسطين قبل بدء الصراع .. بل كانت بالنسبة له واحدة من عدة خيارات في بقاع مختلفة من العالم , لكن حظ أجيالنا التعس جعل دهاة الصهاينة يختارون فلسطين , إذ أنها تتيح استخدام رافعة دينية لهم , وحياكة أساطير تتيح لهم عونا ومددا عالميا بعد إنشاء الدولة التي كان الدافع الأصلي لها تخليص أوروبا من " المشكلة اليهودية" . واستغل الصهاينة نقاط تماس شائكة بين الدينيين اليهودي والمسيحي لإقناع الدهماء في الغرب بأساطير الملك الألفي ومعركة هرمجدون وربط كل ذلك ببقاء إسرائيل قوية وقادرة على هزيمة كل المحيطين بها.
نحن إذن أمام صراع غريب طرف لايملك شيئا وتمكن من سلب كل الأرض نافيا صاحبها إلى المنافي والملاجيء , طرف يحظى بالمساندة العالمية العمياء مهما فعل وإليه تتدفق التبرعات وتختلق الذرائع لبشاعاته , وآخر يتم اتهامه بالإرهاب إذا تجرأ أحد أطفاله وقذف حجرا في وجه دبابة أو صنع صاروخا مداه ثلاثة كيلومترات يحمل رأسا لا يزيد على 10 كيلو جرامات في مواجهة صواريخ مداها ثلاثة آلاف كيلو متر وقادرة على حمل رؤوس نووية, طرف تسيل دماء الآلاف من أبنائه في مجازر جماعية دون أن يحرك ذلك ضمير العالم وطرف آخر تنقلب الدنيا إذا ما لقيت إمرأة منه مصرعها بالمصادفة في عملية فدائية.
بالطبع لن تتفهم ليفني معاناة الفلسطينيين لأن لم تجرب كيف تعيش بلا زوج .. حين يأسر العدو زوجها ويضعه وراء القضبان لعشرات السنين . لن تتفهم لأن والدها لم يقتل وهو يدافع عن بيته أو أرضه .. لن تتفهم لأنها لم تكن مضطرة يوما للولادة على أحد حواجز العدو , أو الانتظار لشهور حتى "يتعطف ويتكرم" ويفتح معبرا فلسطينيا .. لن تتفهم ليفني لأن أحدا لم يعتقل ابنها وهو يسير معها في شارع أو عند نقطة عبور .. لن تتفهم لأنها لم تجرب أن تعيش في وطن بلا كهرباء أو وقود .. فيموت المرضى في المستشفيات , أو يختنق المواليد في الحضانات دون أن يحرك ذلك شعرة في رأس من يدعون الإنسانية عبر العالم.. لن تتفهم لأنها لم تجرب حياة الملاجيء ولم تجتر آلام الماضي أو تنظر إلى المستقبل فلا ترى بصيص أمل ولا شعاع ضوء .
الوزراء العرب ليس لهم حق في مقاطعة ليفني .. هكذا ترى هي , لكن 100% من العرب يرون أن إسرائيل هي "أخت دراكولا" بعيدا عمن يحكم أو يرسم السياسات , فليس بينهم بريء ولا أحد يتحلى بقليل من الإنسانية .
هل كان ينبغي على المسؤولين العرب أن ينثروا الورد حينما يرون طلتها البهية .. أم أن عقودا من الدماء كانت تلوح أمامهم وتمنعهم من كل شيء , فالذئب حين يبتسم يجعلك تدرك أنه يخطط لاصطياد فريسة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا


.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق




.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م


.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |




.. -عملت له مستشفى في البيت-.. المخرجة منال الصيفي تروي حكاية م