الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من المسؤول عن جرائم الحرب في الاراضي المحتلة؟؟

عماد صلاح الدين

2007 / 12 / 8
القضية الفلسطينية


وفقا للمنطق وطبيعة الأمور، وما جرى عليه العرف والقانون الدولي أن دولة الاحتلال عليها مجموعة من الالتزامات والواجبات تجاه الشعب الذي وقع عليه احتلالها. وأصبح من البديهيات المتداولة بين الدول والشعوب والأمم ،أن على دولة الاحتلال أن لا تمس بالأوضاع القائمة إداريا واجتماعيا واقتصاديا في المنطقة التي تقوم باحتلالها ، والمهم أن الاحتلال مسئول مسؤولية مباشرة عن تلبية الخدمات وإدارة شؤون المناطق المحتلة وفقا للقانون الإنساني الدولي ،وانه ملزم بالمجمل بتوفير الحماية الكاملة للمدنيين وعدم تعريضهم للأخطار من أي نوع كان.

وإسرائيل بالطبع كيان احتلالي وإحلالي ،فرض احتلاله بالقوة والإرهاب ،وبمساندة الدول الاستعمارية والمتواطئة على كامل أراضي فلسطين التاريخية خلال مرحلتين تاريخيتين في عام 48 ،67 . وبموجب القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة فان الكيان الصهيوني هو كيان احتلالي بل وعنصري كما جاء في قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 ، والذي ألغي لاحقا ضمن مسيرة مدريد وأوسلو في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين .
وأنا بالطبع هنا لا أريد أن أتحدث عن إسرائيل كدولة محتلة لأراضي عام 48 ، بل أتحدث هنا عن ارضي ال67، التي تعتبر محتلة وفقا لإرادة المجتمع الدولي المتمثلة في قرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القراران 242 ،338، الناصان على ضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، وأيضا بالاستناد إلى فقه أهل السلام ومشاريعهم لحل قضية الشرق الأوسط الأولى، وهي هنا قضية فلسطين . وعلى هذا ووفقا لما جاء في هذه الفقرة تكون إسرائيل ملزمة بواجبات والتزامات الدولة المحتلة وفقا للقانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 49 وبرتوكوليها الملحقين لعام 1977. هذه هي الصورة الطبيعية لإسرائيل كدولة فرضت احتلالها بالقوة على تلك الأراضي في حرب حزيران عام 1967 .

لكن الصورة انعكست في سياق مسيرة السلام التي توجت بأوسلو،حينما أخلت مسؤولية إسرائيل كدولة احتلال عن التزاماتها الخدمية والمدنية ،وعدم شرعية إجراءاتها على الأرض سواء في الضفة أو القدس المحتلة ، من خلال قبول قيادة منظمة التحرير التي كان يتزعمها الراحل ياسر عرفات بالحكم الذاتي المحدود على أجزاء من الضفة والقطاع ،وكذلك نبذه للإرهاب " المقاومة " ،والتعهد بمحاربته .وكان على رأس التزامات سلطة الحكم الذاتي ومنظمة التحرير هي الاعتراف بإسرائيل مسبقا دون أن يعرف لإسرائيل حدود بعينها . منذ ذلك الوقت حدثت المفارقة والسابقة التاريخية المخالفة لطبيعة الاحتلال والشعوب التي تتعرض له، وكذلك ما جرى عليه العرف والقانون الدولي ؛ إذ أصبح الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال هو المسؤول عن توفير الجوانب الخدمية والمدنية والأمنية لنفسه ، وهو أيضا مسئول عن امن الاحتلال الجاثم على أرضه والقاتل والآسر لأبنائه ،والأدهى من هذا وأمر أن مصادر التمويل للجوانب الخدمية والإدارية للشعب الفلسطيني على أراضي ال67 قد ربطت سلفا وبموجب اتفاقية باريس لسنة ،1995 بإرادة الاحتلال والدول المانحة ؛لتكون وسيلة ضغط عليه تستخدم متى أراد هذا الشعب المحتل التعبير عن ذاته برفض إجراءات الاحتلال على صعيد توسيع المستوطنات وشرعنة الاحتلال نفسه في الضفة وتهويد المدينة المقدسة .

بالفعل كانت كارثة إنسانية كبرى وسابقة غريبة وعجيبة خالفت منطق الأشياء وطبيعتها ،وكان حصادها المر ما نعرفه جميعا من نتائج شرعنة الاحتلال على الضفة والقدس والتي بسببها اندلعت انتفاضة الأقصى في عام 2000 ،وقتل عرفات بسببها مسموما لرفضه الكيان المسخ المتبقي من الأراضي المحتلة .وكان رفض عرفات بعد فوات الأوان ، إذ كان أحرى به أن يفهم ويدرك بان مدريد وأوسلو لم يكونا إلا في سياق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة للمنطقة ،والتي خرجت في اتجاهين متلازمين على صعيد المنطقة برمتها وعلى صعيد فلسطين المحتلة على وجه الخصوص .
كان يفترض بعد انكشاف حقيقة الخداع الأمريكي الإسرائيلي حول مشروع التسوية وإقامة الدولة المستقلة للفلسطينيين ، أن تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي وفي سياقها التاريخي ، وهو الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية والعودة عن الاعتراف المسبق بإسرائيل ، لطالما أن كل التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينية لم تفلح في استعادة الأراضي المحتلة ،وكان يجب اتخاذ موقف حازم من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية برغم كل المعطيات الإقليمية والدولية ،بان منظمة التحرير والشعب الفلسطيني يقبل بالتفاوض وبعملية سلام على أسس واضحة ، وهي أن على إسرائيل أن تعترف بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بإقامة الدولة المستقلة وكاملة السيادة على جميع أراضي ال67، وضمان حق العودة وفقا للقرار 194 ،وان يكون تطبيق ذلك وبضمانة ورقابة دولية محايدة خلال مدة زمنية معينة ، وانه لا اعتراف ولا تقديم أية تنازلات مسبقة ، وفقا للمنطق التاريخي، ولما جاءت به الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية .

شيئا من هذا القبيل بعودة القضية إلى مسارها الطبيعي لم يحدث ، وبالتالي لم تعد المسؤولية الملقاة أساسا على الاحتلال قائمة من جديد ، واعتقد لو أن الأقدار شاءت مزيدا من الحياة لعرفات ، لكان قد غير النهج الذي كان قائما في أوسلو وما تلاها من اتفاقيات ،ولذلك عاجلوه بالموت وبالاغتيال ، لان السلطة بمواصفات أوسلو كانت ولا زالت مصلحة أمريكية وإسرائيلية على وجه التأكيد .

المنعطف التالي والأخطر لنتائج أوسلو الكارثية على الشعب الفلسطيني ،هو ما ولدته أوسلو من قيادة سياسية وأمنية ،فرضت على عرفات كاستحقاق لسلطة أوسلو القائمة أصلا على الضمانة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي . هذه القيادة لا تنظر للتفاوض على انه خيار من بين مجموعة خيارات كما كان ينظر الراحل عرفات ،أو كخط براغماتي يجرب من اجل الوصول إلى الهدف النهائي باستعادة الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ، بل إن التفاوض هو خيار نهائي لا رجعة عنه ،والمعنى أن هذه القيادة وفقا للفهم السياسي والدبلوماسي للتفاوض هي مرتبطة بالأجندة الأمريكية والإسرائيلية لرؤية الحل وآلياته ، لان لها مصالح بالمعنى التجاري والاقتصادي لا يمكن أن تتحقق إلا بالرعاية الأمريكية والإسرائيلية لها ، وبالتالي فان الخروج عن التفاوض بالمعنى المشار إليه سابقا ، يعني أن مصالح هؤلاء ستتعرض للخطر والإنهاء. ومن هنا يأتي فهم التمسك بالتفاوض خيار تاريخي واستراتيجي بالنسبة لهم .

هذه القيادة تعلم وتعرف أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تمكنا الفلسطينيين من حقوقهم في سياق حدها الأدنى ،بالاستناد إلى إستراتيجية التفاوض السياسي والدبلوماسي المجرد من كل خيار آخر . هذا واضح من خلال تجربة أوسلو المريرة ،وبهذا تكون المشكلة غير متعلقة بمدى علم أو عدم علم أو فهم أو عدمه لحقيقة النوايا الأمريكية والإسرائيلية تجاه عملية السلام .والدليل على ذلك ،أن هذه القيادة بعد فشل أوسلو مرت بمراحل عدة أثبتت من خلالها تمسكها بالتفاوض العبثي خدمة لأجندتها الخاصة المتحققة من خدمة أجندة الاحتلال ورعاته الاستراتيجيين ، فما معنى مثلا أن ترحب هذه القيادة بدخول حماس في انتخابات يناير كانون الثاني 2006 ،ثم بعد الفوز الديمقراطي النزيه والشفاف لحماس في تلك الانتخابات تقود عليها حملة سياسية وأمنية واقتصادية بالتوازي مع الحصار الذي قادته أطراف إقليمية ودولية بما فيها دولة الاحتلال نفسها والولايات المتحدة ؟

إن القيادة السياسية والأمنية الناتجة عن أوسلو لم يكن لها هدف سوى القبول بما يطرحه الأمريكيون والإسرائيليون من حلول ، وحتى تجد هذه الحلول طريقها فلابد من محاربة الأساس التاريخي والطبيعي الذي تستند إليه الشعوب في استعادة حقوقها وحريتها ؛فحاولت هذه القيادة احتواء حماس بالعملية الانتخابية ، ظنا منها أنها لن تفوز بأغلبية ، ومن ثم يمكن فرض الأجندة باسم الشرعية الفلسطينية ،وعندما فشل الاحتواء لجأوا إلى الحصار السياسي والاقتصادي والعمل على تشويه صورة المقاومة الفلسطينية من خلال ما يسمى بالفلتان الأمني الذي صنعوه هم بأنفسهم ،حتى وصل بهم الأمر بعد فشل تلك المحاولات السابقة إلى التخطيط لحرب أهلية وفوضى داخلية قادها كيث دايتون المنسق الأمريكي في أراضي السلطة الفلسطينية . والغرض النهائي من هذه الحرب الأهلية والفوضى الخلاقة ،هو الوصول بالشعب إلى حالة يكفر فيها بالمقاومة بعد حرفها الخطير عن مسارها ، ومن هنا جاء الحسم الميداني في قطاع غزة في 14 حزيران 2007 .

كأنما هي هدية من السماء سقطت على أرض سلطة رام الله حالة الحسم الأمني الاضطراري التي لجأت إليها حماس ؛ لتكون المبرر للرئيس عباس والقيادة الأمنية وحاشيته الكلية للمضي قدما في تطبيق الأجندة الأمريكية والإسرائيلية المتعلقة بالقضاء على المقاومة وإقامة الكيان الكانتوني الخادم لأهدافهم الذاتية والخاصة ،ولذلك يفهم المرء كيف أن الرئيس عباس ومن معه في المقاطعة برام الله يتحدثون عن السلام والتفاؤل بانابوليس قبل انعقاده وبعده رغم أن انابوليس هذا لم يتطرق لا شكلا ولا مضمونا للقضايا الأساسية للصراع ولم يضع سقفا زمنيا للتفاوض ، وكل ما في الأمر أن انابوليس خرج منه بيان مشترك يتحدث عن إطلاق المفاوضات من جديد ،هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يلحظ المراقب أن مسيرة جرائم الحرب والإنسانية ضد الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال قد تفاقمت ، منذ حالة الالتقاء العلني بين قيادة رام الله والحكومة الإسرائيلية بعد الحسم الأمني في قطاع غزة ، وهذا ما تؤكده تقارير حقوق الإنسان ؛ ففي قطاع غزة منذ تشرين الثاني وحتى اليوم استشهد ما يزيد عن خمسين شهيدا ،واعتقل من الأراضي المحتلة بشكل عام أكثر من 650 فلسطينيا ،وأما العالقين في غزة بسبب الحصار من مرضى ،فقد استشهد منهم أكثر من 29 مريضا ، هذا دون الحديث عن نقص الغذاء والدواء وقرار الاحتلال بتقليص الكهرباء والوقود . وفي الضفة المحتلة لا يكاد يمر يوم إلا وهناك اجتياح واعتقال واغتيال وتوسيع للمستوطنات كما في القدس في منطقة جبل أبو غنيم ، حيث قررت دائرة الأراضي في إسرائيل بناء ثلاثمائة وحدة سكنية جديدة ،والغريب في الأمر أن السلطة في الضفة الغربية تتقاسم الدور من خلال التنسيق الأمني العلني مع الاحتلال بقيامها باعتقال عشرات المواطنين مع فجر كل يوم جديد ،وهي تقوم بإغلاق وإلغاء العديد من المؤسسات الخيرية والاجتماعية والدينية بتهمة التبعية لحماس .والمؤلم جدا أن الاحتلال يلاحق هذه المؤسسات نفسها ،ولم تسلم من الملاحقة هذه لجان الزكاة المشهود لها شعبيا بدورها المهني والأخلاقي والاجتماعي ، حيث قررت حكومة سلام فياض إغلاقها وإلغاءها من الوجود ،بدعوى إيجاد هيئات بديلة مركزية تابعة للسلطة في الضفة الغربية .
انه أمر غريب ولا يقبله العقل ، أن تتحدث أطراف فلسطينية عن أن نتائج انابوليس كانت ايجابية ،وتواصل تفاخرها بالحديث عن انطلاق فعاليات التفاوض مع احتلال يحاصر ويذبح مليون ونصف المليون في قطاع غزة ، ويستبيح الضفة الغربية باجتياحاته وتوغلاته ، واستمراره في توسيع مستوطناته وتهويده للقدس المحتلة ، ليس هذا وحسب بل إن شريك السلام هذا عطل مشروع قرار أمريكي لمباركة ما جاء من نتائج انابوليس ليس إلا. إن هذا يدل وبشكل لا يقبل التأويل والتفسير على أن قيادة رام الله السياسية والأمنية بالفعل هي قيادة ليس لديها مشروع وطني حقيقي وهي متحالفة مع أجندة الاحتلال لصالح أجندتها الخاصة ، والتي اقتضت منها في يوم من الأيام أن تساهم في تسهيل صفقات بناء جدار الفصل العنصري الذي يلتهم آلاف دونمات أراضي الفلسطينيين .وعلى هذا فان المسؤولية القانونية والأخلاقية لجرائم الحرب والإنسانية التي ترتكب في الأراضي المحتلة ، لا سيما في قطاع غزة باتت مشتركة بين الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الإقليميين والدوليين ومن بينهم حلفاء الداخل ، واقصد هنا ودون مواربة السلطة القائمة في رام الله.

باحث قانوني وسياسي فلسطيني









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن