الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة

جبريل محمد

2007 / 12 / 8
الادب والفن


كولاج من قصاصات ذاكرة

كان ذاك قبل عقدين من الزمان، المولود الذي رأى النور لاول وهلة في ذاك اليوم صار شابا يحلم، او ربما قصفت عمره طائرة او طلقة من عدو او طائشة من نيران شبه صديقة، كان يمكن لحاتم السيسي شهيد الانتفاضة الكبرى الاول في القطاع ان يكون ضابطا او طبيبا او عاملا او ربما مقاتلا، او عاطلا عن العمل، وكان يمكن للنقابي العامل شهيد الانتفاضة الاول في الضفة ابراهيم العكليك ان يكون نقابيا متمرسا، او موظفا بيروقراطيا او مقاتلا في مخيم العين، بلاطة او حارة الياسمينة في نابلس، وكان يمكن ان يموت قهرا.
كان ذلك قبل عشرين شتاءا، كان المطر ينهمر مدرارا، وكانت فرقة المسرح الشعبي (سنابل) تقدم مسرحيتها التي سمح بها في عهد الاحتلال وتسببت في اغلاق محطة محلية للتلفزة، عند اعادة عرضها، (ناطرين فرج)، على مدرج الشهيد كمال ناصر في جامعة بير زيت، كان كوب الماء في لحظة بين الامتلاء والفيضان، وكان الريح قويا ينذر باستمرار المطر وسقوط الثلج، حين نفض الناس عن اجسادهم وارواحهم غلالات الخوف، وتجمعوا في الميادين، خرج الشاب والطفل والعجوز والمرأة الى الميدان، لم يأبهوا لتكسير العظام بل زادهم ذلك اندفاعا، هي الدماء الحارة الطازجة تتنفس عبير المبادرة الشعبية وتطرد الخوف من قلوبها.
تجار الاسواق الذين نهبتهم ضرائب الاحتلال اللصوصية لم يجبرهم احد على اغلاق محلاتهم، اغلقوها طوعا، وحين كسر الجنود الاقفال طاف الصبية يغلقونها باقفال جديدة دون ان تمتد يدهم الى شيء، وحين اصر رابين على تكسير الاقفال كما تكسير العظام، ترك التجار محلاتهم مفتوحة وغادروها، حينها انتصر الناس في معركة الارادة.
كانت رام الله، تضبط توقيتها حسب البيان، وكان البيان لا مجرد ورقة كتبها ناشط كواجب حزبي، بل كان برنامجا يتلقفه الناس، كانوا يروا فيه ما تحدثوا به في جلساتهم الخاصة والعامة، وكان الكل ينتظر البيان.
عودوا الى الارض ايها الناس، عادت الحاكورة خضراء، ونشطت منظمات جماهيرية في استعادة الخضرة وروح الفلاح الى الارض، كلوا مما تبيض به دجاجاتكم، وما تدره اغنامكم من حليب ولبن، لا تشربوا حليبهم، ولا تأكلوا خبزههم، بل مما تزرعون ومما تنتجون، وكان الدافع داخليا لا اكراه فيه ولا تبرم.
تخرج النسوة للشارع لا ينتبه احد هل هي منقبة ام حاسرة، بل ينظرون اليها كيف خلصت فتى من بين يدي جندي، تنفتح كل الابواب للمطاردين، يحرسهم الزيتون وحتى الكلاب السائبه كانت جرس انذار، اجراس الكنائس تدق دقة خاصة في بيرزيت حين يداهمها جيش الاحتلال، فلا يلوي الجيش على احد ويعود الكابتن ماهر من مهمته خائبا.
الولد الذي حمل المقلاع يضرب به دورية مصفحة لم يكن هدفه القتل كان هدفه ان تسمع الاذان كلمة لا عبر قرقعة الحجر الذي يضرب المصفحة، اصبح الان عازفا للكمان. رامي الزجاجة الحارقة كان يعلن رفضه، بنار تشتعل في الدورية او على اسفلت الشارع لافرق، المهم ان تكون هناك (لا).
جيش محتل يتذمر من تطلبات المستوطنين الكثيرة والمتكررة لحمايتهم على الطرقات، فيضطر المستوطن ان يعود الى تل ابيب، يرتاح الجندي، ويعيد المستوطن حساباته، وتضحي المستوطنة فارغة. كل جرائد العالم ومحطاته التلفزة تتجول عبر فلسطين، تلتقي الناس تسبر آرائهم، لم تكن بعد فضائيات ورغم ذلك وصل صوت الشعب الى كل العالم.
سيمفونية نضالية يعزفها شعب باكمله، يطرب لها العالم، وينام عليها عربان الخليج والمحيط، ورغم ذلك يتشوق الجميع الى اخبارنا العذبة عن شعب هب وقاوم باقل القليل وفعل الكثير.
كان ذلك قبل فبل عشرين حولا، صار الشاب الذي كان يحلم بالحرية وقتها، كهلا تنوء به اثقال الحياة، ولم يفقد الامل يحاول ان يقارن بين نضال الشعب الجامع آنذاك، وما ظل منه في عصر النضال بالانابة، وتهميش الناس، وتلقي اخبار القرية من الفضائيات.
صار الان بعد عقدين من الزمان، شعب عيونه ذابله، فقد الحماس لكل شيء، تسرقه لقمة الخبز عن الوطن، تقلصت الارض تحت قدميه، ضاق الرزق وضاقت فسحة الامل، حولوه الى قبائل تحترب على لا شيء، وجعلوه مادة للمساومة، او قطيعا يجر الى الميادين ليرفع راية غير راية الوطن.
هل ابكي؟؟؟ ما نفع البكاء اذن؟
لكنني سابكي حين اسرد لاطفالي قصتنا، سأبكي لانني لن استطيع تبرير ما جرى، وافظع منه، انني لن استطيع رسم خيوط النهاية.
جبريل محمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال