الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطّـــة والطاسَـــة في العلاقة بين المقاولات والسياسة!

مصباح الغفري

2003 / 11 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :
سألني بظرافة وكياسة، هل أتاك حديث القطة والطاسة ؟
 
ولم يمهلني للإجابة عن السؤال، بل بادر فوراً فقال :
-         في عصر المقاولات والتجارة، الجهلة والأميون لهم الصدارة . والمال لا يأتي عن طريق الكدح والعمل، وإنما عن طريق الرشوة والعمولة وقلة الخجل . لقد انقضى زمن الانتاج والصناعة، والاهتمام بالأرض والزراعة . وجاء زمن الفاكـــس والسكرتيرة الحسناء، وعن طريقهما تحقق الجاه والثراء . فلكي تصبح من أصحاب الملايين، عليك أن تتمسح بالحكام والسلاطين ، أو أن تشــارك أبناء المســـؤولين!  ولكي ترتاح وتعيش، عليك إتقان فن البخشيش، ولا بأس من الاتجار بالمخدرات والحشيش . وسأروي لك حكاية بائع القطط  في حلب، فهي جديرة أن تكتب بماء الذهب !
 
زعموا أن يهودياً في مدينة الشهباء، كان يجوب الشوارع والأحياء . قضى زهرة شبابه وعمره، يحمل كيسَــــهُ على ظهـــره . يُتاجــر بالأشياء القديمة، فيشتريها بأبخس ســـعر وقيمة، ويتحين الفرص للفوز بالربح والغنيمـــة . يبحث عن الآثار والتحف، حيثما حَــلّ أو دَلف . وكان هذا دأبه على الدوام، وعلى مدى السنين والأعوام .
وذات يوم كان يسير في الطريق وينادي، يا أهل الحضر والبوادي، من كان يريد بيع ما لديه من عتيق، فأنا له نعم الناصح والصديق . ومن كان يبتغي الشراء، ففي جعبتي الكثير من الأشياء .
وعندما تعب من السير والصياح، جلس على الأرض واستراح . وبينما هو يمسح عن جبينه العرق، ويحصي ما في محفظته من ذهَـــبٍ ووَرَق . إذ لمح رجلاً يجلس على باب دارِه، وقد ربط قطة جميلة بإزاره . وأمام القطة طاسَــة قديمَــة، تشرب منها مُعززة كريمـــة . فراح يعمل الفكر للاستيلاء على هذه الطاسـَــة، بكل ما لديه من حِنكــــة وسِـــياســــة .
وفكّر ونظر ودَبّر، ثم نهض بعد أن قرّر . قال في نفسه بحرقة وغصـــــة، يجب أن لا أضــــيع هذه الفرصة . فلو عرضت شراء الطاســة بالمال، فسيدركُ الرجل قيمتها في الحال، لذلك لا بُــدّ من الخديعة والاحتيال !
وتقدم من الرجل فألقى عليه السلام، وأبدى إعجابه بالقطة بجميل الكلام . وجلس يتبادل معه الأحاديث والآراء، ويقول له ها نحن أصبحنا أصدقاء . قطتك رائعة الجمال، وتمتاز باللطف والدلال . فهل لك أن تدخل على قلبي الغبطــة، وتبيعني هذه القطة ؟ " رغم أن القطط في تلك البلاد، شاردة في الأودية والوهاد. وهي ليست بضاعة لتباع، بل تعــــتبر من سقط المتاع ! "
نظر الرجل إليه وقال، والدمع من عينيه يكاد ينهال . لقد ربيتها منذ كانت صغيرة في الســن، ولو فارقتها فانني سَـــأجَن . لكنك أصبحت أخي وصديقي الحميم، وأنا لست بالغادر أو اللئيم . وليس من حســن الخلق والأدب، أن أردّ لك هذا الطلب . سأبيعك قطتي وفي القلب غصّــة، وكأنني أتجرع السُــم مصّـــة فمصّة . فمن شيمنا إغاثة الملهوف، وإكرام الطارقين والضيوف . وثمنها مئة دولار لا غــير، بدون حيف ولا ضير . وأقسم برب السماء، أن هذا عربون الصداقة والوفاء !
 
دفع اليهودي المبلغ بلا جدال، وضم القطة إلى صــــدره في الحال . ثم قال للبائع متصــــنعاً الغباء :
-         سآخذ الطاسة لتشرب القطة منها الماء .
 
وهنا أغرق الرجل في الضحك حتى اغرورقت عيناه بالدموع، وقال له هل أدركت الآن من هو المخدوع؟
وأضاف، إياك يا صديقي والغلط، أنا بفضل هذه الطاسة أبيع القطط ! وقد بعت منها حتى الآن مئتيـــن، نقداً وليـــس بالدين !
 
وهنا أدرك اليهودي أنه هو الغارم، بعد أن ظن أنه في الصفقة غانم . فرمى القطة من الكيس، وصاح إنك والله بئس الجليس . ثم أطلق ساقيه للريح، وهو يلعن هذا الزمن القبيح .
 
قلت لصاحبي وما علاقة هذه الحكاية الطريفة، بما يجري في بلاد العرب من أمور مخيفة . وما صلة القطة  والطاســـة، بمسألة المقاولات والسياســة ؟
 
قال : الصلة واضحة كالشمس، لا إبهام فيها ولا لبـــس . فنحن نرزح تحت حكم التجار والمقاولين، وبائعي الأوطان والمُرابين . وكل واحد منهم لديه طاسَـــة منصوبة، يَحيك عن طريقها ألف ألعوبة وألعوبة . فهناك طاســات للشيوخ والأمـــراء، وأخرى للملوك والرؤســـاء، وثالثة للزعمـــاء والعقــــداء والوزراء، ورابعَـــة للكتاب والصحفيين والأدباء . هناك طاســات حقــوق الإنســان ، وطاســات مقاولي الأوطـــان . وسنبقى في حال التخلف والخساســــة، حتى تضيع الطاســـة . فلنعد إلى الشـــعر، لعله يخفف ما نحن فيه من قهر . واستمع إلى ما أقول، فهو أفضل من الخمول :
 
نحن، بُناة الشـــــــــــّعر، آلهــة                      لا تظطنيها حَزازات وأوغــــــارُ
نحن الجبابرة الأعلون، يرهَبنـا                      إذ يُرهق الناس، فرعــون وجبّارُ
نحن الذين أعَــرْنا الكون بَهجته                     لكنّما الــــدارُ إقبــال وإدبــــــــارُ 
 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات -مباشرة ووجها لوجه- في جباليا وحركة نزوح جماعي من رف


.. ضغط روسي على خاركيف.. والدعم الأمريكي -في الطريق-




.. هل سنرى المنتجات الليبية قريبا في الأسواق العالمية؟ • فرانس


.. ما سبب توقيف المحامي مهدي زقروبة.. وزارة الداخلية في تونس تو




.. بلينكن من كييف: الأسلحة الأمريكية -ستحدث فرقا حقيقيا- في ساح