الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الصراعات العقائـــديـــة بين القبوقــــول والإنكشــــارية
مصباح الغفري
2003 / 11 / 18الادب والفن
لثورة الفكـر تأريخ يحدثنـا بأن ألف مسيح دونها صُـلبا عثرت على فصل لم ينشر من كتاب " حوادث دمشق اليومية "، كتبه المؤلف باللغة العامية . أنقله إلى القراء مع بعض التصحيح، وهوامش للشـــرح والتوضيح . قال المؤلف شهاب الدين البديري الشهير بالحــلاق أحمد، بعد الصلاة على خير البرية سيدنا محمد : وأضاف المؤرخ البديري الحلاق، راجياً العفو والعافية من الخلاق : وتأخر أسعد باشا أمير الحاج الشامي في العودة إلى البلاد، فانتشرت الشائعات وحدثت البلبلة بين العـــباد . وقالت الانكشارية اليرلية، أن الباشا عزلته الدولة العليّــــة . وبدأ الناس يتجرؤون عليه بالكلام، ويقولون أنه لصّ وابن حرام . فتحركت الدالاتية والزرباوات في الأحياء، وقالوا نحن أعيان البلد بلا مراء . وخافت الناس من اندلاع الفتنة والشقاق، فأغلقت المدينة وسكّرت الأسواق . لكن لم تمض إلا بضعة أيام، حتى وصل رسول السلطان إلى الشام . يحمل فرمان التجديد للوالي، موقعاً ومختوماً من الباب العالي . مع خِـلْــعَــة ســمور وعباءة جوخ، وباشوية بطوخين وطوخ (3) . فسكتت الناس عن الأراجيف والأقاويل، وبدأ الشعراء يمدحونه بالمواويل . وسبب الغلاء هو العمولة والبخشيش، فكيف يستطيع الشعب أن يعيش ؟ وامتلأت السجون فم يبق فيها مكان، والإنسان يعامل كالحيوان . فاجتمع الأشراف والدالاتية في مؤتمر، وقالوا لا بد من حل لدرء الخطر. وأصدروا بياناً إلى الشعب، هاجموا فيه السرقة والفســاد والنهب . ودعوا إلى النضال بلا كلل، ضــد القبوقول أصل العلل . لكن الناس سخروا من هذا البيان، وراحوا يشيرون إلى الدالاتية والأشراف بالبنان . ويقولون لهم بجرأة وصراحة، كفوا عن هذه الوقاحة . فأنتم والقبوقول في ذات السلة، فخيطوا بغير هذه المســلّة . وإلا من أين لكم السيارات والقصور، والملايين تنفقونها على الفجور ؟ وكال القــبوقول للدالاتية الصــاعَ صاعين، وقالوا لهم : سنجعلكم أثراً بعد عين . أفبعد أن أفقرتم المواطن والوطن، وأشعتم الفساد والرشوة والعفن ، تتحدثون عن الآفـات والمحن ؟ وتجمع القبوقول في حلف مع الانكشارية، وقالوا إن سبب البلاء هو الرجعية والإمبريالية . فضحك منهم أبناء الشعب الفقراء، وقالوا هذا والله هُـراء بهُـراء . ألستم أنتم عساكر السلطان، الذين نشرتم الإرهاب والرذالة في كل مكان ؟ نحن نعلم أن خلافكم مع الأشراف والدالاتية، هو خلاف بين اللصوص والحرامية! وبرز إلى الساحة فتحي أفندي الفتردار (4)، وقال ليس غيري لتحقيق العدل وغسل العار . فليتوقف الجميع عن التحليل والفذلكة، فلا صوت يعلو على صوت المعركة . وعلى الشعب أن يضحي بالرخيص والغالي، من أفقر الفقراء إلى الوالي . وهذا هو الطريق للنصر على الصهيونية، وتحرير البلاد من عملاء الاستعمار والإمبريالية، ومن إرهاب القبوقول والإنكشارية والدالاتية . فتضاحك الناس مما قال، وانتشر على الألسن هذا الموال : يا ما فعل فتحي لما صار دفتردار ثم وصل الوالي أسعد باشا زادة، ودخل البلد في موكب كبير كالعادة . وأخبره المتسلم عما جرى في غيبته من فتنة، وقدم له تقريراً عن أسلوب تلافي المحنة . فأرسل الباشا منادياً ينادي في الناس، بإبطال الدالاتية من الأساس . ومنع عن القبوقول الأرزاق والأعلاف، لأنهم أعداء العدل والإنصاف . فهرب الجميع إلى الجبال، فسبحان الواحد الصمد المتعال . ثم جاء فرمان بعزل الدفتردار وخنقه في القلعة، ومصادرة أمواله للدولة بلا رجعة . ونقل أسعد باشا من الولاية، وابتدأ فصل جديد من الرواية . ورغم تبدل الولاة والحكام، والدفتردارية والجباة الظلام . ففقر الفقراء في ازدياد، والنهب والسلب في اتساع وامتداد، وما على الشعب سوى الانصياع والانقياد . وكلما جاء والٍ جديد ترحمنا على السابق، والناس من الخوف بين جبان أو منافق . فهل لهذا الليل من آخر، أم أن الأمـــــر كما قال الشاعر : أكُـلّـما رَخـصَ الإنسـان في وطني تغـلو البضـاعـة فيه ؟ جَـلّ بارينا ! مصــباح الغــفري 1) القبوقول : عبيد الباب أو حرس السلطان أو إنكشارية الدولة . 2) الدالاتية : أو الدلاة، كلمة عربية مشتقة من " دلى " التركية بمعنى متهور، وهم طائفة من الجند. 4) دفتردار: أو الدفتري وهو المشرف على الحسابات المالية . يشبه وزير المالية في هذه الأيام .
( الجواهري )
حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :
ولما دخلت سنة ست وسبعين ومئة وألف هجرية، إزدادت حدة الصراعات العقائدية والإيديولوجية . بين جُــند السلطان من القبوقول، الذين أرسلتهم الدولة العلية من الأناضول . والإنكشارية اليرلية المحلية، وجماعات الأشراف والدالاتية(2) . فحصل للناس من ذلك أعظــم البلاء، وارتفعت الأسعار وعم الغـــلاء . حتى صار الحصول على تنكة الزيت، يعني بيع العفش والبيت ! وأصبح الناس يقفون في طابور الإنتظار، لشراء الخبز واللحوم والخضار، آناء الليل وأطراف النهار، فسبحان الواحد القهار .
وفي سلخ محرم من ذلك العــام، وصل جوخدار الحج الشريف إلى الشام . وكان وصوله هذه السنة في سيارة مرســيدس سوداء، مزودة بأجهزة تكييف الهواء . وبشــر أن الحجاج سيصلون في صفر الخير، ولم يقع لهم الكثير من التكدير والضير . فقد توفي بعضهم من ارتفاع الحرارة، واحتجز آخرون في النظارة . فمنهم من احتجز بتهمة السير على اليسار، وهذا دليل على أنه من الملحــدين الكفــار . ومنهم من اعتقل بتهمة السير على اليمين، وهذا قرينة على أنه من الأصوليين السلفيين . أما من كان يسير في الوسط، فقد اعتقل بالغلط . ومن لطف الله فقد تم الإفراج، عن جميع المحتجزين من الحجاج .
لكن الفتنة كانت كالنار تحت الرماد، والغلاء في ازدياد، والجــوع يفتت الأكباد . فقد أصبح الخبز يباع بالأوقيات، والتفاح يُشترى من الصيدليات . واللحم من البلاد مفقود، والسمن نادر الوجود . وأصبح راتب الموظف في الشهر، لا يكفي لشراء رطل من التمر، والناس صابرة تقول لله الأمــــر .
غرّه زمانه وسعده حول داره دار
دولاب عزه رقص يا ناس لما دار
لم يعتبر أن الدهــــر بيه غـــــدار
E. MAIL : [email protected]
3) الطوخ : جزء من شعر الحصان من ذيله أو معرفته، يرفع على الرايَــة علامة التكريم . وكانت الباشاوية من ثلاث رتب، باشوية بطوخ، وباشوية بطوخين، وأرفع منها باشاوية بثلاثة أطواخ، وهي رتبة الوالي والوزير .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم
.. الموسيقي المصري محمد أبوذكري يصدر ألبومه الخامس -روح الفؤاد
.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها
.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس
.. صباح العربية | الفنانة السعودية سارة صالح تبدع في غناء أغنية