الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمسة وفاء _ في ذكرى رحيل الفنان العراقي -خالد الجادر-

حسني أبو المعالي

2007 / 12 / 8
الادب والفن


تحل مع مطلع كانون الأول (ديسمبر) من كل عــــــــــام ذكرى رحيله، رائد تشكيلي كبير، لم يحظ في حياته وهو في أوج عطائه الفني بعصر ذهبي، إلا أن الذهب الحقيقي كفنه باق لكل العصور، إنه الفنان العراقي "خالد الجادر"•

رحل ربما احتجاجا على زحمة المدعين، ولم يرحل باعتباره واحدا من القلة المبدعين، كان عاشقا أحب المرأة والقرية والطبيعة، ومناضلا دافع عن الحرية والإنسان، نهل ألوانه من مياه دجلة والفرات، وسافر بهما إلى الماضي وتوغل في عراق سومر وبابل وآشور، وبحث بعين ألآثاري وبقلب الفنان عن ضالته فوقع بحب (عشتار)، وراح يعزف لها طويلا (بقيثارة أور) السومرية لحنا شجيا :
(صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى عراق، كالمد يصعد كالسحابة كالدموع إلى العيون، الريح تصرخ بي عراق، والموج يعول بي عراق••• عراق••• عراق••• عراق••• ليس سوى عراق) •
وعشتار ترصده بعينيها وهما تذرفان ألوانا من الدموع والدماء، حتى أذنت له ـ دون الكثيرين ـ بدخول بابل من أبوابها المنقوشة العالية، تجول عبر الأزمنة العراقية على ظهر ثور آشوري مجنح وصولا بالقرن الثالث عشر الميلادي ، كان (يحيى الو اسطي) بانتظاره، يحمل إليه مخطوطات مقامات الحريري التي حصل الجادر بموجبها على دكتوراه في الآداب بتاريخ الفن الإسلامي ضمن رحلاته الفنية الأولى إلى فرنسا بعدما نال بكــــــــــالوريوس كلية الحقوق وكذا دراسته للفنون الجميلة في بغداد • كان صاحب مدرسة لونية ساحرة، لكن ذلك لم يمنعه من الإبحار في عالم التخطيطات التي كان الفنان يعتبرها الأرضية التي تقف عليها اللوحة، بل لعل معظم تخطيطا ته ـ مهما تباينت فيهما درجات الظل والضوء بالأبيض والأسود ـ فإنها لوحات تعتمد في ألوانها على حركة الأقلام السوداء، أقلام طالما انحنت طائعة بين أنامل فناننا المقتدر، كانت تلك التخطيطات زاده اليومي ووسيلته للتعبير، ومرآته الواسعة التي يجد فيها العالم كله •
كان (غويا) عصره لكن معاصريه لم يكونوا أوفياء له بمستوى من عاصر الفنان غويا، فقد كانت ذكراه تمر كل عام يتيمة، كسحابة صيف، على الرغم من أن إرثه الفني كان ولا يزال يمتلك كل شروط الغيث الوافر بالألوان والمواضيع المفعمة بالجمال •
راهن على الأخلاق إلى جانب موهبته لضمان نجاحه الفني، فلم يسع إلى النجومية فاكتسب صفاء الألوان في أعماله من صفاء قلبه وعانق بها غابات النخيل التي اتخذت من العراق موطنا لها، وتسلق بفرشاته جبال العراق، وغنى للوطن وأغناه بأجمل اللوحات الخالدة التي سافرت معه إلى عواصم الدنيا، وأضاف إلى الفضاء التشكيلي العربي لبنة فنية متميزة •
سحابة الغربة أمطرته على ضفاف (نهر سبو ونهر أبي رقراق) حيث محطته الأخيرة قبل رحيله الأبدي، يتأمل (الأفلاك) المغربية، تلك المراكب النهرية وهي تشرئب بأعناقها الخشبية باتجاه الأفق، أفق لونته الشمس بلون الصبح، فيعود على بساط الذكريات إلى ـ مشا حيف ـ الوطن، وطن لونته الحروب بلون الحزن، إنها ضفاف عراقية على أنهار مغربية إنه لقاء المغرب بالمشرق، فكأن البصرة على نهر سبو وبغداد على ضفاف أبي رقراق • وعاد الجادر إلى وطنه بعد أن أتعبه الترحال بعيداً عنه، لكنه عاد محمولا على لوحات لا تحمل توقيعاته وإنما بصمات عشاق فنه من تلاميذه وزملائه وأصدقائه المخلصين •








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب