الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برهان العسل بين كسر التابو ولغة الجسد غير الموظفة فنيا

هويدا صالح

2007 / 12 / 9
الادب والفن



إن التعرف على الجسد، ومحاولات اكتشافه ليست جديدة، بل قديمة قِدم الإنسان، غير أن الرؤية الذكورية هي التي تسلطت على جوانب هذه الثقافة، وأخضعتها لقوانينها، حيث حضرت المرأة في النص المتوارث رديفاً للنقص والخطيئة والمحظورات مما أدي إلي أن تتجلي صورتها في النصوص الأدبية موضوعا ومفعولا به وليست ذاتا فاعلة . وقد ظهر مصطلح " كتابة الجسد" ، ليشير إلى تلك الكتابة النسائية المنطلقة من الجسد ، والمصطلح أطلقته جوليا كريستيفا عام 1974 في كتابها(ثورة اللغة في الشعر) ومن ثم تحول الجسد فى الثقافة النسوية إلى رمز للتعبير عن وعى المرأة بذاتها ورغبتها فى الاستقلال ، ومقاومة سلطات القهر الذكورى عبر التاريخ ،مما جعله بؤرة الإبداع المعاصر ، وحضر الجسد في كتابات المرأة ليندد بقهر الرجل للمرأة ، وهذا أدي إلي التركيز علي الكتابات النسوية ، ووقفت المرأة في خطابها الأيدلوجي في مقابل الرجل ، وصار الإبداع النسوي يراهن علي كشف الممارسات التي تتم علي جسد المرأة ، أو فضح اختزال المرأة في جسد ، أو حتى هدم فكرة تكبيل جسد المرأة وتأثيمه في مقابل تلك الحرية الممنوحة للرجل ليعبر عما يشعر به ويريده من جسد المرأة ، وظهرت روايات كان رهانها الرئيس منصبا علي الجسد والحواس ومن هذه الروايات ثلاثية أحلام مستغانمي ، ثم تلتها روايات وتجارب أخرى ، ومن هذه التجارب رواية " برهان العسل " للكاتبة السورية سلوى النعيمي ، وتعد هذه خطوة جديدة علي طريق ثقافة الجسد والحواس . إن رهان الرواية الأساسي هو جعل الجسد الأنثوي فاعلا راغبا ، وليس مجرد مفعول به ، وهذا كما سبق وأشرنا ناتج عن رغبة المرأة في تغيير نمط العلاقة بينها وبين سلطة الرجل وقهره وفحولته .
تحكي الرواية عن امرأة تعيش ثقافة خارج ثقافتها العربية ، امرأة تعيش في فرنسا وتعمل في مكتبة تقرأ فيها بنهم ثقافة العرب الجنسية التي بدأت معها من خلال تاريخ سري للذات الساردة التي بدأت رحلة قراءة الحياة الجنسية عند العرب منذ الصغر ، فقرأت النفزاوي، التفاشي، الطوسي، الجاحظ، التيجاني . ،صار عندها الوعي بالذات الجمعية والذات المفردة ، الذات الجمعية العربية التي تحترم الجسد ورغباته ، وتقدم التاريخ المنسي للثقافة الجنسية العربية ، ولكي تسرد وقائع جسدها تعود إلى التاريخ الجنسي العربي الذي درسته وحفظته سراً، لتدرك وعيها بذاتها المفردة ، فتحول لنا ممارسة الجنس إلى متعة وتعبير عن شراكة نفسية مع جسد آخر لا تتم المتعة بدونه ، هكذا تخرج ذاتها المفردة وتعود إلى التاريخ المنسي فيها وفي مجتمع التقية كما تسميه ، و حتى يمكن اتساقها مع ذاتها ، لابد أن يكون تعبيرها عن نفسها واضحاً ومساويا لوضوح جسدها .
راهنت الرواية منذ البداية علي كسر التابوهات والجرأة الصادمة جرأة تحيل على التاريخ لا على الواقع، لأن التاريخ مسألة منجزة ولا يحتاج إلي محاسبة شديدة ، أما الواقع فيمكن محاسبة الكاتبة عليه ، وهذا أدي إلي وجود مستويين في التعبير، مستوي تعبير كتب التراث بجرأتها الصادمة واستشهاداتها الصريحة و المباشرة في تسمية كل شيء: الأعضاء الجنسية، أنواع الممارسات، الشذوذ

، والمستوى الثاني هو الذات الساردة المهمومة بالدرجة الأولي بإعلان موقفها من ذلك التكبيل الذي يمارس علي المرأة ، ويخنق جسدها وحضوره الفاعل ، إذن تختفي الكاتبة في جرأة التراث وتتخذها محفزا للسرد والتعبير عن واقعها الآني ،والجرأة تطرح منذ بداية الرواية تقول : " هناك من يستحضر الأرواح، أنا أستحضر الأجساد لا أعرف روحي ولا أرواح الآخرين، أعرف جسدي وأجسادهم، هذا يكفي " منذ السطور الأولي في الرواية تعلنها الكاتبة صراحة لا حب ولا عشق. فقط جسد جامح يسرد علاقاته ونزواته وحكاياته مع الرجال، ولا سيما العلاقة الأكثر شهوانية مع «المفكر» الذي اكتشفت البطلة جسدها من خلاله . هنا تكمن تيمة الرواية الأساسية: الجسد في حاجة دائماً إلى آخر كما أوضحنا في حاجة إلي جسد آخر يتحقق من خلاله ، ويُكتشف معه . تُروى الرواية بضمير الأنا ، ثمة أنا واحدة تتكلم عن نفسها وعن الآخرين وعن التاريخ. ليس هناك بناء للشخصيات. ليس هناك شخصيات مستقلة عن الكاتبة ، فالشخصيات في الرواية ليست حية ، بل جاءت بشكل عارض لتساعد الذات الساردة والمفكر في إقامة هيكل السرد .
وكما عمدت الكاتبة إلي الإفادة من الكتب التراثية الجنسية في مضمون روايتها ، كذلك جعلت روايتها مقسمة إلي أبواب وعناوين مثل نسق الكتب العربية القديمة .
منذ البداية تؤكد لنا علي لسان الشخصية البطلة أنها لا تفصل بين الروح والجسد تقول : " فروحي هي جسدي. والفصل بين الروح والجسد لا يوجد في ثقافتنا العربية لكننا تعلمناه من الغرب. جسدي فقط هو ذكائي وثقافتي".
إذن هي امرأة تحكي عن جسدها الذي هو هويتها ، تقول علي لسان المفكر الحبيب الذي اكتشفت معه جسدها وعشقته حد الوله : " لم أعرف قبلك امرأة يعلن وجهها انتصابها "
ولأن البطلة طُلبت في نيويورك لتلقي محاضرة عن الجنس العربي ،فاتخذت الكاتبة هذا تكأة لتستعرض لنا مقتطفات من كتب التراث وجاءت هذه الاستشهادات التراثية مجرد عناوين كبيرة تشتت سياق السرد دون ضرورة حقيقية أحيانا اللهم إلا الولع باستعراض هذه الجمل ، لهذا بدا السرد متقطعاً بجملة للنفزاوي أو بحديث نبوي. وهذا يجعلنا نتساءل عن مدي ملائمة هذه الطريقة من طرائق السرد ؟ ومدى وعيها بمأزق أن يتحول السرد إلي تأملات في الجنس . تقول في سرديات مختلفة من الرواية ما يؤكد علي فكرة التأملات الجنسية :
" كنت أعرف أني جسدي فقط "
" هل الفضيحة في عمل الشيء أم في التحدث عنه "
" إنني جسدي فحسب "
" أكبر لذة بعد ممارسة الحب هي الحديث عنه "
" أنا لا أنام مع رجل أنا أصحو "
" إنها بحاجة للتمرغ سنوات على جسد رجل كي تنجلي "
تقدم بطلة روايتها على إنها امرأة جسدية بالكامل ولا تفكر طوال اليوم سوى بجسدها وشهواته " إنني جسدي فحسب " ما من شك في امتلاك الكاتبة القدرة على فضح المسكوت عنه في المجتمعات العربية عن طريق جرأة الطرح ، ولكنها فشلت في تسريد الحياة بتفاصيلها ، حولت البطلة والرجال في حياتها إلي قوم يعلنون طوال الوقت هلوساتهم الجنسية ، وهذا ليس حكما أخلاقيا علي الرواية ، بقدر ما هو حكم جمالي حيث سقطت من الكاتبة بلاغة السرد وشعرية الرواية ، رغم أنها شاعرة وكاتبة قصة ، وهذان الجنسان الأدبيان قادران علي التكثيف والتقاط لحظات مجازية عالية ، إلا أن فجوات السرد جاءت من هذا الاستعراض غير المبرر لمقولات كتب التراث ، ورغم أنني لا أؤمن بالرسالة الأخلاقية للأدب إلا أن الكاتبة فشلت حتى في فكرة أن تنتقد ذلك التهميش والكبت الواقعين علي جسد المرأة ، كما فشلت في القبض علي اللحظات الروائية والسردية الحية ، في مستهل الباب الثاني والذي أسمته " باب المفكر والتاريخ الشخصي" نلاحظ هلوسات البطلة إذ وهي تصل له في لحظة دافقة من الإثارة تذكّر بآداب الجماع عند النبي، فتقول: ” كنت أصل إليه مبللة وأوّل ما يفعله هو أن يمدّ إصبعه بين ساقيّ يتفقد “العسل”، كما يسميه، يتذوقه ويقبلني ويوغل عميقا في فمي وأقول له: من الواضح أنك تطبق وصايا الرسول وتقتدي به: لا يقع أحد منكم على أهله كما تقع البهيمة. وليكن بينهما رسول: القبلة والحديث. وعن عائشة: إن رسول الله كان إذا قبل الواحدة منا مصّ لسانها " .
إن الذاكرة الانتقائية للكاتبة وجهدها في الحذف والإثبات،جعل الكاتبة تختار من الذاكرة أشخاصاً وأحداثاً تلتقطها حسبما تريد دون رابط حقيقي بين الأشخاص والأحداث ، وليس هذا معناه إنني أطالبها بالحبكة التقليدية ، إلا أنها قدمت لنا فصولاً مقطعة الأوصال، وموغلة في تكسير السرد، غير عابئة بالزمن الذي قد يؤثر إيجابا على المستوى الفني للرواية .
نجد سلوى النعيمي تسرد أحداثها فيما يشبه السيرذاتية لأنها تحيل القارئ إلي أن الذات الساردة في العمل روائية ، وحين تخبرها زميلتها أن الرقابة ستمنع كتابها ، ترد عليها ساخرة : " ساعتها سأصير مشهورة " وهنا تصدمنا الكاتبة ، وكأن سؤال الكتابة عندها بغرض الشهرة ، وليس الإبداع ، وقد رتبت خيوط الرواية ، مبتدئة بشخصية (المفكر) كرجل تفرغ معه شبقها, وتنتهي معه حيث تحوله إلى دلالة مجهولة أشبه بمجموعة أفكار نفسية متداخلة, ولم تكتف بذلك بل ذهبت إلى التلميح بذلك علنا في نهاية الرواية الأمر الذي ربما قد افسد نهايتها بشكل مفجع وجعلها نهاية تقريرية خطابية, نهاية وعظية أكثر منها فنية.
ورغم أن الرواية في عمومها ظاهرة ثقافية - أدبية متصلة بالعالم عبر التمثيل السردي، ومنفصلة عنه بالتعبير الذاتي عن المؤلف كمنتج للنص وخالق للعوالم المتخيلة فيه. بعبارة أخرى تقف الرواية على الحدود الفاصلة بين الفرد والعالم، وتتحرك ذهابا وإيابا بينهما. ولم تعد تقبل مهمة تصوير العالم ومحاكاة خريطته البشرية والتاريخية كما هو، إنما صارت مهمتها إعادة إنتاجه وترتيبه وتمثيل القيم الثقافية فيه ، إلا أن الكاتبة أغفلت كل هذه المرجعيات المعرفية ، وقدمت لنا عملها السردي مفككا تفكيكا غير فني ، بل هو الإحالة لتاريخ الكتب القديمة وتحميلها عالمها الروائي جعلها تخفق في حتى صنع التفكيك الفني الذي قد يقصده الكاتب . وقد صدرت الرواية عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت، جاءت في 150 صفحة متوسطة القطع و”بغلاف ملون هو رسم لامرأة عارية .
هويدا صالح
11 نوفمبر 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح