الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسوعة -غنيس- ومفاخر الأمّة!!!

صالح اهضير

2007 / 12 / 10
كتابات ساخرة


بين حين وآخر تتناقل القنوات الإخبارية،العربية والدولية بمختلف أصنافها،أنباء عن اكبر إنجاز عربي أبدعته أيدي امهر الطهاة والطباخين ومهندسي حشو البطون؛مما يؤهلهم لأن يتصدروا أرقى المراتب في سجل موسوعة "غنيس" للأرقام القياسية..
ففي مدينة أسفي المغربية،وبتاريخ 16 و18 نونبر 2007 طالعتنا المنابر الإعلامية بحدث فريد،ويتمثل في إعداد اكبر طبق لجمل مشوي يصل وزنه إلى 550 كلغ، ودعي إلى تناوله 500 شخص.وكانت قبل ذلك- أي في سنة 1999- قد حطمت رقما قياسيا قي إعداد أكبر"طاجين" في العالم ما يزال يزين ساحة محمد الخامس..
وفيما بين 20 و 25 أكتوبر سنة 2005 بمدينة "سان فيتو لوكابو" بصقلية إبان تنظيم مهرجان"أطباق"،حاز طبق من"الكسكس" الجزائري على الجائزة الأولى؛بعد أن حطم رقما قياسيا قبل التاريخ المشار إليه بسنة بتحضير أكبر طبق في العالم..
وبتاريخ 08/10/2007، في شهر رمضان من عام 1428هـ،دخلت مصر في موسوعة "غنيس" للأرقام القياسية لتحطيمها رقما قياسيا في إعداد أكبر مائدة من الفول المدمس حيث بلغ طولها 1000 متر،ولك أن تتخيل بنفسك انطلاقا من هذا الرقم ذلك الجيش العرمرم من المدعويين..
وكانت جريدة القدس العربي قد أشارت في خبر لها بتاريخ 13/06/2006 انه تم إعداد أكبر طبق "تبولة" في العالم برام الله بلغ قطره ثلاثة أمتار وتطلب تحضيره نحو ثلاثة أشهر.وقد أوضح المحضّرون الغرض من هذه الوجبة بكونها محاولة للدخول في موسوعة"غنيس" ولفت أنظار العالم إلى الوضع المزري في الأراضي المحتلة..
كما سبق للسعودية أن أعدت اكبر كبسة رز في منطقة حائل حيث تم تسجيلها في كتاب "غنيس" للأرقام القياسية باسم : كرم الضيافة السعودية.وقد دعي لهذه المأدبة 1000 شخص تمكنوا جميعهم من التهام الوجبة خلال أربع ساعات بالتمام والكمال،ولم يتبق منها غرام واحد.وقس على ذلك في باقي البلدان العربية التي لم نأت على ذكرها..
وهكذا فاليوم جمل مشوي وغدا فيل مقلي وبعد غد قصعة من البصارة – عصير الفول-تضاهي في عمقها واتساعها حوض المنارة بمراكش،ومستقبلا طبق من الثريد يتحدى في ارتفاعه وشموخه جبل طبقال بالمغرب..وغير هذه وتلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر !!
ولئن سألت هؤلاء القائمين على إعداد هذه الولائم العملاقة عن جدوى تبذير المال وهدر الطاقات وإضاعة الوقت فيما ليس من ورائه طائل،أجابوك بزهو وفخر:
- هذا الإنجاز مفخرة وقيمة مضافة لمفاخر الأمة ما دامت قد وجدت طريقها إلى سجل موسوعة "غنيس" العالمية.
- هو مكسب ذو أهمية قصوى في المجال السياحي باعتباره وسيلة فعالة لجلب فئات عريضة من السياح،وبخاصة منهم الأجانب،بإثارة غريزة حب الاستطلاع لديهم بقصد الاطلاع على أهم وجباتنا الغذائية التقليدية الأصيلة وأساليب طهيها وإعدادها،وبالتالي الدعاية لمنتوجاتنا من المواد المستعملة في التحضيرات لتسويقها خارج البلاد.
- فتح صفحة جديدة ليس في كتاب "غنيس" وحده وإنما أيضا في سجل تاريخ الأمة المجيد بإنجاز غير مسبوق.
ولا أدري أية مفخرة أوقيمة أو مكسب للأمة في إعداد أكبر طبق مما لذ وطاب ليس الغرض منه سوى التسابق نحو تحطيم أرقام قياسية في ملء البطون،وكأننا لا نجد طعما أو مذاقا للتباري والتنافس إلا في المآكل والمشارب وفي العالم ومن حولنا حشود من المحرومين لا يملك معظمهم قطعة رغيف للسد الرمق..
ثم إن الادعاء بأن هذه "الإنجازات البطنية" تعد من الوسائل الناجعة في إنعاش القطاع السياحي،ادعاء مردود وغير مقنع؛وكان من باب أولى التباري في تحطيم أرقام قياسية في أكبر عملية ترميم للمعالم الأثرية التي تتداعى للسقوط يوما بعد يوم أوالتنافس في بناء أكبر منتجع سياحي في الوطن العربي..
أما القول بأن هذا الإنجاز أو ذاك يعد سابقة في تاريخ الامة،فأغلب الظن أن ذلك لا يعني في الحقيقة إلا شيئا واحدا لا ثاني له،وهو أن يكون سابقة في المهازل والتفاهات والعبث بأرزاق البلاد والعباد..
ولا يخفى على لبيب ما يتطلبه إعداد مثل هذه الأطباق من نفقات باهظة،لما تستلزمه من أطنان من المواد والمقادير والمعدات الخاصة بالطهي وطاقات بشرية وفضاءات للتحضير..وبالرغم من ذلك،فإن أصحاب الموسوعة يكتفون،في حالة فوزك،بتسجيل رقمك القياسي تشجيعا لك ليس غير،فهم لا يمنحونك هبة أو مالا ولا هم يحزنون،وبالتالي فإن رقمك هذا لن يظل في الصدارة أبد الآبدين ما دام قابلا للإزاحة والتحطيم..
وفي غمرة هذا الوضع المثير للشفقة،أتساءل بإلحاح: أليس بالإمكان تحطيم رقم قياسي في أكبر مشروع عربي خيري مشترك تحت رعاية جامعة الدول العربية بدلا من اللهث وراء التسابق حول الطعام والإطعام والعالم المتقدم يقطع شوطا من بعد شوط في تحقيق إنجازات علمية مذهلة في مكافحة البدانة والشراهة والتخمة وجميع أمراض الجهاز الهضمي ؟؟ !!
صحيح أن هذا العالم ذاته يعمد بين حين وآخر إلى القيام بإعداد مثل هذه الوجبات الكبرى،غير أن ذلك لا يعتبر بالنسبة إليه من الأولويات أو طلبا لمفخرة يسير بذكرها الركبان،وإنما هو في اعتقادي نوع من الترف والإمتاع والمؤانسة،أوهو كما يجري على ألسنة المغاربة:"خضرة فوق الطعام"؛ولا قياس والحالة هذه مع وجود الفارق على حد تعبير المناطقة..
وإذا حاولت لفت أنظار الحكومات العربية حيال ما يجري ويدور حولها بغية استجلاء حقيقة ما إذا كانت هذه "الأعمال البطولية" من الأولويات،ردوا عليك بقول الحطيئة هازئين:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ومعنى ذلك بلغة العصر أنهم يدعونك للقعود مع القاعدين والأكل مع الآكلين،ولا حاجة لك قبل ذلك أو بعده بالبحث عن الفضائل والمكرمات..والحق أن من بيدهم مقاليد الأمور لا يأبهون لشيء أكثر مما يأبهون لأمنهم وسلامتهم أو لما يسمى في لغة السياسة بأمن الدولة أو مسا بالمقدسات..
وصفوة القول أنه يجب إعادة النظر في هذا النوع من التباري للأسباب التي ذكرنا..ولا ينبغي أن يفسر كلامنا على أنه دعوة لمقاطعة موسوعة "غنيس"،وإنما ندعو إلى التنافس حول ما هو إيجابي وأفيد وله مردودية أو منفعة عامة بعيدا عن الإسراف والمخاطرة والمغامرات المجهولة العواقب...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو