الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة السياسية العراقية اختيار القيادة الجديدة للعراق اشكالية مخاض

أسعد الخفاجي

2003 / 11 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من المثالب التي ذكرتها الصحافة الأمريكية عن اداء مجلس الحكم الانتقالي، ان الحاكم بريمر عندما كان ياتي اليه للاجتماع باعضائه لا يجد سوي خمسة او ستة منهم ليتحدث معهم. اما الآخرون فهم منشغلون اما بالسفر او الادلاء بالتصريحات الصحفية، او بتصريف المصالح التجارية او السياسية الحزبية الخاصة. وكانت تلك الادارة قد انتخبت اعضاء مجلس الحكم قبل ستة اشهر لكي يشارك في تمشية امور الحكم وتحمل مسؤوليات ادارة واعادة الاعمار في البلاد.

 

ومن الجدير بالذكر، انه في غضون تلك المدة، دار الكوكب الارضي نصف دورة حول الشمس. قطع مسافة 450 مليون كيلومتراً. ومجلس الحكم الانتقالي لم ينتقل الي مرحلة نوعية متقدمة، وظل ثابتاً يراوح في مكانه، اللهم اذا استثنينا الخطوات المعدودات المتواضعات التي خطاها!   وفي مقابل ذلك، سجلت الصحافة لاعضاء المجلس قطع مسافات سفر الي الدول الاقليمية والدولية تقدر بمئات الالوف من الكيلومترات، بالاضافة الي ما صنعه وبذله واستهلكه مساعدوهم واقرباؤهم الذين كانوا يرافقونهم من فوائد ووقت واموال تكبدتها الخزينة.   وكلما جاء بول بريمر الي المجلس سائلاً عن البقية الغائبة من الاعضاء، يأتيه الجواب علي الفور: انهم مسافرون.

 

سحر كرسي الحكم

 

وقد كان علي الحاكم المدني بول بريمر حل هذه الاشكالية التي اشتهر بها بلدنا العراق؟ وهي التأثير السحري للكرسي علي الحاكم العراقي!   ويقيناً فان هذا المسؤول الامريكي الذي تربي علي استغلال الساعة والدقيقة والثانية من وقته المتاح للانتاج، غير قادر علي ادراك هذا التأثير، وعليه ان يتبين ذلك بنفسه من خلال عمله مع اعضاء مجلس الحكم.   وتعد اشكالية العلاقة بين العراقي وبين كرسي الحكم جزءاً من تراثه، وقد عجز عن تجاوزه او حله لمدة الف عام؟   فهل يفلح بول بريمر فيما اخفق العراقيون؟   هل سيسعفه العقل الالكتروني، والذكاء الاصطناعي، وكل (سوفت ويرات) الولايات المتحدة التي يصنعها العبقري بيل كيت منذ نصف قرن في استئصال نقطة الضعف تلك من نفسية الحاكم العراقي؟   لا اعتقد ذلك!   لان اعظم كمبيوتر امريكي سوف ينتحر منفجراً اذا ادخلنا في ذاكرته قاعدة المعلومات السياسية العراقية!   كنا في العهد الملكي اذا اردنا بضاعة ممتازة نقصد محلات اورزدي باك لابتياعها.   البضاعة الجيدة الخالية من العيوب. اين يا تري نجد اليوم قيادة حكيمة بلا عيوب تنقذ العراق الغريق؟   وهل ابقي النظام المقبور علي مدي عشرات السنين اورزدي باكاً واحداً لكي نبتاع فيه بضاعة جيدة؟ وهل ابقي لشعبنا قائداً جيداً؟

 

كيف ينتخب العراقيون حاكمهم؟

 

وهكذا يجد القارئ نفسه، من جديد، امام مسألة الحكم في العراق. حكاية العراق الازلية!  الحكاية التي بدات كمشكلة قبل مئات السنين، واستحالت الي عقدة!  فمنذ انتقال الخلافة الي هذا البلد، الذي وصفوه يوماً بمهد الحضارة الانسانية، ثم بأرض الشقاق والنفاق، فبلاد الف ليلة وليلة، ثم بلاد القتل و السحل، واخيراً بمتحف المقابر الجماعية، منذ ذلك التاريخ، والناس دائخون حائرون! لايجدون جواباً ناجعاً للسؤال السرمدي الذي طرحه التاريخ عليهم وما يزال بانتظار الجواب الشافي من دون جدوي:  (كيف تنتخبون اميركم ايها العراقيون؟)   اصابهم الصداع النصفي لعجزهم عن العثور ولو علي نصف جواب!  تشاوروا قليلاً، وتخاصموا طويلاً وتقاتلوا طيلة المدة، اوجدوا ومارسوا جميع انواع الشرور الانسانية والحيوانية من أجل ذلك، لكنهم لم يدركوا الحل المطلق الذي يرضي الجميع! دعي بعضهم الي اعتماد مبدا الوراثة في الحكم، فرد عليه البعض الآخر: لماذا، الغرض تحنيط الفساد وتراكمه؟  واقترحوا: ما رأيكم باعتماد البيعة الدينية؟ انتفض آخرون متربصون لأي طرح بناء او هدام هاتفين: بيعة! كيف والامة ممزقة الي بضعة مذاهب؟! وكلها بالطبع، نشأت في العراق!!  واخيراً، جاء صوت صادر من احدي الزوايا اطلقه شخص مترددعلي استحياء:  اقترح استخدام صناديق الاقتراع والانتخاب الشعبي المباشر كما هو معروف في بلاد الفرنجة منذ الفي عام؟ لم يحترمه احد!  لم يسمع راياً في مقترحه الغريب عن تقاليد الامة!

 

كارتيل المعارضة الارستقراطية

 

من المعلوم لدي الجميع انه عندما استوت الطبخة في بداية العام الحالي، وحانت ساعة الصفر، لاقصاء صدام عن الحكم، فكر المعنيون بتلك المهمة بالبديل الذي يجلسونه علي كرسي الحكم. وفي الواقع، لم ينظر المكلفون في ادارة البنتاغون وغيره من الادارات بانتقاء (البدائل) ليتسنموا مناصب السلطة الجديدة الي ابعد من ارنبة الانف للعثور علي هؤلاء!  فمن المعروف ان (لوبيات) وزارات الدفاع والخارجية وباقي (الوكالات) الحكومية وشبه الحكومية في الولايات المتحدة وبريطانيا كانت مكتظة بالمرشحين!  والحق انه يوجد هناك معين لاينضب من هؤلاء المرشحين (المؤهلين) ذي الاصول العراقية!  فعلي مدي اربعين عاماً من عمر العهد الصدامي، تكونت مجموعة كبيرة من المنشقين والمتضررين والعاصين في هذين البلدين العملاقين بالاضافة الي بلدان الاتحاد الاوروبي.  لقد شكل هؤلاء علي مر العقود، كارتيلاً عملاقاً من المعارضين المخضرمين.  وقد نبتت علي قمة هضبة ذلك الكارتيل العريضة قمم بارزة استفادت من خصوبة ارض الغربة، ومن الظروف المناخية الملائمة! نشا جيل من المثقفين والتجار والمقاولين والخريجين، الذين يمتلكون ارصدة مالية عالية و يتقنون لغة العم سام ويجيدون طراز الحياة هناك، ويتميزون فوق هذا وذاك بلغة اتصال كفؤة مع الاحزاب والقيادات السياسية لدول القرار. ويطلق، عادة، علي تلك المجموعة المخضرمة من الناس لقب (السياسيون الناجحون)! ففي تلك البلدان لا يفهم احد مسميات مثل (الاغنياء)، وانما، يسمونهم (الناجحون)!  اتخذوا مع مرور الزمن شكل القالب الذي ترعرعوا فيه. واصبحوا يشكلون طبقة ارستقراطية مهيمنة علي كل النشاطات العراقية في الغربة.  وجلهم ينتمي، بالاصل، الي الأسر العراقية المعروفة، سابقاً، بسطوتها او جبروتها المالي، والتي اغتربت نتيجة الخلافات الشخصية مع السلطة الصدامية.  ولكي نعود الي اسلوب قصر النظر وعدم الانتباه لمن هم ابعد من ارنبة الانف، لم يجد القائمون علي التغيير في العراق من موظفي البنتاغون والخارجية وغيرها سوي تلك المجموعة الارستقراطية المتميزة التي استحوذت علي صالونات براقة انيقة للمعارضة العراقية! صحيح ان هؤلاء يحملون الشهادات العليا، التي حصلوا عليها من ارقي الجامعات الامريكية والبريطانية متمتعين ببعثات منحهم اياها النظام السابق، او نتيجة القدرة المالية الممتازة لعوائلهم ، لكنهم في اي حال من الاحوال لا يعدون من التكنوقراط بسبب انتمائهم اولاً واخيراً الي مصالحهم الشخصية، والي الوسط الذي (تكونوا) فيه كونهم جميعاً اعضاء متنفذين في الاحزاب الامريكية والبريطانية، ورجال اعمال اثرياء، ومدراء عامين في الوزارات و(الوكالات) الحكومية المختلفة.  نعم! انهم يفهمون اللغة العربية، ويمكنهم ان يلقوا بها خطاباً جماهيرياً حماسياً، لكنهم لا يستطيعون ان يتحدثوا عن هموم العراقيين او يوقعوا الصكوك المليونية التي يتعاملون بها الا باللغة الانجليزية. هؤلاء جئ بهم، بعد سقوط النظام، الي العراق كحكام جدد وجئ، في الوقت نفسه، باصدقائهم ومعارفهم وذويهم، معهم، لقاء عقود سنوية بقيمة لا تقل عن مائة الف دولار سنوياً. في الوقت الذي يقبض فيه المهندس العراقي او الطبيب العراقي من الداخل 80 دولاراً في الشهر! لقد عجز هؤلاء الارستقراطيون عن مخاطبة الجاليات العراقية في الغربة، وما كانوا ليتواجدون بين عامة العراقيين المغتربين للفارق الطبقي والثقافي والانتمائي الهائل الذي يفصلهم عنهم! واذا صادف ان التقوا بهم يوماً لضرورات حزبية دعائية، فانهم كانوا يستخدمون اللغة الانجليزية للتفاهم معهم، ويتعالون علي اللغات التي يفهمها عامة المغتربين العراقيين.

 

الفرصة اليتيمة للبديل التكنوقراطي المستقل؟

 

ومن الطبيعي ان يفشل هؤلاء في قيادة العراق الجديد، عراق المحاصرين والجائعين والعاطلين عن العمل! عراق ابناء وبنات الشهداء! لانهم فقدوا صلة التفاعل مع العراقيين علي مر العقود الاربعة التي جعلت منهم مواطنين يغتربون عن ابناء جلدتهم البسطاء مرتينً! في الخارج والداخل! وما سبب وجود هؤلاء حالياً علي هرم السلطة العراقية الجديدة غير التحامهم بوطنهم (الآخر) الذي منحهم المال والجبروت والعلاقات المؤثرة! وما العراق الحالي بالنسبة اليهم الا وسيلة ارتزاق اضافية. ناهيك عن مراكز النفوذ (الجديدة) التي يخلقونها حولهم ليكونوا في ما بعد القاعدة (الجماهيرية) التي قد تمكنهم، في ما بعد، ان يهيمنوا علي مقدرات البلد المغلوب علي امره.

كذلك لن يكون البديل افضل من هؤلاء! انما سيجري انتقاء مجموعة ثانية مشابهة لتلك تاتي من الخزين الارستقراطي الهائل الذي يشكل امبراطورية الغربة! اما حملة الشهادات العليا من التكنوقراط الذين لاينتمون الي ذلك الكارتيل المعارض فلن تتاح امامهم اية فرصة ولو بحجم خرم الابرة، لانهم ما كانوا يوماً من المترددين علي صالونات المعارضة الارستقراطية، ولانهم منهمكون في عملهم الجاد من اجل توفير اللقمة لعوائلهم واطفالهم!

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله