الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الجنس ثالث المحرمات ؟

مايكل نبيل سند

2007 / 12 / 10
العلاقات الجنسية والاسرية


معروف أنة فى مجتماعتنا الناطقة بالعربية يوجد ثالوث من المحرمات و هى ( السياسة و الدين و الجنس ) , بحيث يعتبر مجرد الخوض فى أحدها كأنة تعدى على المجتمع كلة , و مجرد الكلام فى أحدها قد يزج بك خلف القضبان أو يودى بحياتك , هذا طبعا بغير نظرة الأحتقار الشديدة التى ينظر بها المجتمع لمن تخطى أحد حدود هذا المثلث , فالمجتمع مثلا ينفر من رجل السياسة أكثر من نفورة من تاجر المخدرات , و يقاطع الكافر أكثر من مقاطعتة للمرتشين و المزورين و البلطجية , بل و يحتقر المثليين أكثر من أحتقارة للقاتل و السارق و مجرم الحرب , و طالما كان صدام الحسين مثلا و هو مجرم حرب أكثر أحتراما عند الشعوب الناطقة بالعربية من أى حقوقى يدافع عن حقوق المثليين أو من أى تربوى يطالب بتدريس مادة التربية الجنسية فى المدارس , كل هذا على الرغم من أن السياسيين و المهرطقين و المثليين لا يضرون المجتمع و لا الأفراد بعشر الضرر الذى يسببة تجار المخدرات و المرتشين و القتلة و اللصوص و مجرمى الحرب
المهم أن هذا الكلام معروف و متفق علية , و لكن سؤالا طرح نفسة على عقلى فى الفترة الماضية و رحت أبحث عن أجابة لة .... كون السياسة أحد المحرمات شئ مفهوم لأنك حينما تتكلم فى السياسة تتحول إلى عدو للحاكم و تهدد بقائة فى السلطة و هكذا تتحول إلى عدو شخصى لة و حينها سيوجة كل قواة لتحطيمك , كما أن الشعب نفسة يقاومك خوفا من أن يكون أنتقام الحاكم منك أنتقام جماعى يضرهم معك .... و كون نقد الدين أو الأجتهاد فية شيئا محرما هو أيضا شيئا مفهوما لأنك حينما تنقد الدين تهدد سلطة رجال الدين و مصادر رزقهم و تتحول إلى عدو شخصى لهم و بالتالى سيوجهون كل أمكانياتهم للقضاء عليك حتى لا تفتح عيون الناس على فسادهم و فساد أقوالهم و تقضى على حياتهم ( هذا عينة ما فعلة اليهود مع المسيح , فهم صلبوة حينما بدأ يفضح فسادهم أمام الناس و يعرقل مصالحهم الشخصية ) , و الناس أيضا ستقاومك لأنهم خسروا الدنيا و يأملون فى التعويض فى الآخرة و لا يريدون أن يخسروا الآخرة بسببك .... و لكن الذى لم أفهمة هو : لماذا الجنس تحديدا هو ثالث هذة المحرمات ؟ .... فالسياسة و الدين أشياء غيرت تاريخ الشعوب , أما الجنس فهو مجرد ممارسة أنسانية بسيطة مثلها مثل الأكل و الشرب , كما أن الجنس ليس خطرا على سلطة معينة حتى يدافع عنة المجتمع بكل هذة الضراوة , فما الذى سيضرنى مثلا أذا كان الساكن بجوارى يقرأ كتب جنسية أو يشاهد أفلام البرونو ؟ ..... لا شئ ... أذا ما سبب هذة المعاداة المجتمعية الحادة لمن يخرج عن الأسلوب الجنسى العام السائر فية المجتمع ؟

فى البداية فكرت و قلت أن السبب قد يكون فى تدين المجتمع , و لكنى وقفت أمام عدة ظواهر لم أرى لها تفسيرا , فمثلا وجدت أن حوالى 40% من الخطاب الدينى فى الكنائس و المساجد موجة لمواجهة العرى و الأباحية و لا يوجد أى خطاب دينى موجة ضد الرشوة و الفساد و التهرب من العمل , فأنا طول حياتى داخل الكنيسة حضرت عشرات العظات و الندوات و المحاضرات عن الأختلاط و حدودة و ضوابط الحب الجنسى و الأستنماء و العفة و الطهارة , و لم أسمع كلمة واحدة ضد الرشوة أو التزويير أو الفساد البيروقراطى أو السلبية السياسية , على الرغم من أن هذة الأمور أكثر تدميرا للمجتمع من الأمور الجنسية .... و كذلك من خلال معايشتى للخطاب الأسلامى فى التليفزيون و زعاق ميكروفونات المساجد و كتب التعليم وجدت أن تقييد المجتمع جنسيا موضوع يشغل الخطاب الدينى ربما أكثر من موضوعات الحج و العمرة و القضية الفلسطينية , و وجدت المجتمع الأسلامى ينشغل بالنقاب و الحجاب و الغرب المنحل أكثر من أنشغالة بالجيش المصرى الذى لا يستطيع مواجهة أصغر جيوش العالم و أكثر من أنشغالة بأزمات حادة تهلك المجتمع مثل البطالة و الزيادة السكانية و حوادث الطرق و مياة الشرب التى لازال نصفنا محروما منها ...... كل هذا جعلنى أفكر , أذا كان مجتمعنا متدينا فعلا كما يقولون , فلماذا لم يحارب رجال الدين كل هذة الأمور ؟ و لماذا تركوا أهم الأمور المحتاجة إلى سنوات طويلة من الكفاح لتغييرها و أنشغلوا بملاحقة الشباب و الشابات فى كافيتيريات الجامعات ؟

فكرت و قلت : ربما لأن مجتمعنا بطبيعتة يقاوم التغيير بأعتبارة خواف ولا يميل إلى المغامرة و التجربة , و هذا يدفعة إلى محاربة الحريات الجنسية , و من البديهى أن أطلاق الحريات الجنسية سيغير الكثير من نظم و قواعد هذا المجتمع .... و لكن بنظرة تاريخية بسيطة وجدت أن المجتمع يقوم بالتغيير فعلا فى قضية الحريات الجنسية و لكن نحو التضييق و ليس التحرر , فمثلا بيوت الدعارة كانت تمارس عملها علنيا و بتراخيص رسمية فى معظم الأوقات و تدفع ضرائب منذ بداية التاريخ و حتى انقلاب يوليو , و أجدادنا الفراعنة كانوا لا يرون عيبا فى السير عراة طول تاريخهم و ظلوا هكذا حتى جائت هجرات الأسيويين و أتت معها بفلسفة العورة و الملابس , و الجداريات الفرعونية أكبر دليل على صحة كلامى , بل الأكثر من هذا كلة أنى أثناء أطلاعى على النظرية الشيوعية عرفت أن المشاعية كانت أساس حياة الأنسان البدائى و لم يكن مفهوم الملكية الفردية قد عرف بعد , و كانت المشاعية فى تلك الفترة تمتد إلى المشاعية الجنسية , بمعنى أن الأنسان البدائى لم يكن يعرف نظام الزواج الأجتماعى و كان يمارس الجنس بدون ضوابط و لا أرتباط بشريك معين , أيضا تم أكتشاف العديد من التماثيل اليونانية التى تصور أشخاص فى أوضاع مثلية بما يوضح أن هذا النمط كان موجود منذ آلاف السنين و أن المجتمعات كانت تتقبلة بتلقائية و بدون أعتراضات ..... كل هذا يؤكد أن المجتمع تغير فى طريقة تعاطية مع المسألة الجنسية , و هنا تسقط فكرة أن المجتمع يقاوم التغيير , فالأدلة أثبتت أن المجتمعات الناطقة بالعربية منذ أجتياح الأسيويين دخلت إليها مشكلة معينة جعلتها تتعمد تغيير موقفها من الحريات الجنسية و كل يوم تزيد من القيود المفروضة عليها , و كأن هناك شيئا فى الحريات الجنسية يرعب المجتمع و يؤرق منامة و يحطم كيانة
كل هذا قادنى للسبب الحقيقى الذى جعل الحريات الجنسية بهذة الخطورة , و هو أن المجتمع يخاف من الجنس .... نعم , المجتمع يخاف من الجنس , و هنا السؤال الذى يطرح نفسة : لماذا يخاف المجتمع من الجنس ؟ .... حينما جمع الفلاسفة و علماء النفس الأشياء التى يخاف منها الأنسان مثل المستقبل و الظلام و العفاريت و ما بعد الموت , وجدوا أن كل هذة الأمور بينها نقطة مشتركة وحيدة و هى ( المجهول ) , فأنت تخاف من الظلام لأنك لا تعلم ما يختبئ لك فية , و تخاف من الموت لأنك لا تعلم ما سيحدث لك بعدة, و هكذا ثبت أن الأنسان أساسا يخاف من شئ واحد و هو المجهول و هو نفس السبب الذى جعلة يخاف من النار فى بداية تاريخة , و هو السبب الذى جعلة يخاف من قوى الطبيعة مثل الزلازل و البروق و حولها لآلهة و عبدها ..... و كل هذا قادنى إلى فكرة أن المجتمع يخاف من الجنس لأنة يجهلة , فهو لا يعرف أى شئ عن الجنس و لهذا يخاف منة .... طبعا هذة النتيجة أفزعتنى فى البداية , فمعروف أن الجنس أحد القضايا الأساسية التى تشغل العقل العربى و التى يهتم بمعرفتها و الحديث فيها بأستمرار , فكيف يكون الجنس مجهولا عنة ؟
و لكن مع الأطلاع على الأحصائيات وجدت أن تعداد الغير متزوجون فى مصر و تخطوا ال 35 عاما يصل إلى 9 مليون نسمة ( أكثر من 10% من السكان ) منهم 5 مليون ذكر و 4 مليون أنثى , بل أنة يوجد 1.5 مليون ذكر من هؤلاء قادر تماما على الزواج من النواحى الأقتصادية و الأجتماعية و الدينية لكنة رافض لفكرة الزواج أساسا , و كل هذا ليس لة علاقة بالدين , فالتصوف الأسلامى لا يمنع الزواج , و تعداد الرهبان المسيحيين فى مصر لا يزيد عن 3 آلاف راهب و راهبة .... أيضا حينما أستمعت لتقارير التربويين المطالبين بتدريس مادة التربية الجنسية وجدت أنهم أجروا دراسات ميدانية مع شباب الخريجين و المقبلين على الزواج , قاموا فيها بسؤال الشباب عن معلوماتهم الجنسية و فوجئوا أن أغلب المعلومات التى يعرفها الشباب هى معلومات خاطئة علميا ( منها مثلا قضية أن جنس المولود السبب فية الأم ) .... و أكتملت الصورة عندى عندما تابعت كم قضايا الطلاق و الخلع فى المحاكم و التى تدل على وجود فشل مجتمعى فى أستمرارية الحياة الزوجية , و أيضا حينما تابعت مشاكل العجز الجنسى فى مصر ( و بنسب مهولة جدا ) و هى مشكلة تنم عن جهل بمفاهيم الصحة الجنسية .... كل هذا وفر لى أدلة قوية جدا أن الجنس مجهول كبير بالنسبة لمجتمعنا و أن لا يعرف عنة ألا أقل القليل و لهذا يخاف منة و يرتعب من فكرة الحريات الجنسية

و لم يتبقى معى سوى التطبيق , فقد أثبتنا أن الأنسان يخاف من المجهول , و أن الجنس مجهول عند مجتمعاتنا , فبقى أن نثبت تفصيليا لماذا يخاف المجتمع من الجنس ..... و مثلا لنسأل : لماذا يخاف مجتمعنا من صور الموديلات و الفتيات التى تنشرها بعض المجلات ؟ ... ببساطة لأن هؤلاء الفتيات يجيدون أظهار جمالهم , بينما فتياتنا يجهلون كيف يقومون بذلك( هناك مثل فرنسى يقول كل فتاة جميلة و لكن ليست كل فتاة تجيد إظهار جمالها ) , و لما كانت المنافسة بين البارع و الجاهل محسومة لصالح البارع فتحولت هذة الصور البسيطة عدو شخصى لكل فتاة و زوجة لأنها تظهر مقارنة بهذة الفتيات و كأنها قبيحة و هذا سيحطم فرصها الجنسية , و كذلك أصبحت هذة الصور عدو شخصى لكل أب عندة بنت يخاف من تحطم زواجها أو حتى من بقائها فى بيتة غير متزوجة , و نلاحظ أن المجتمع هرب أساسا من هذة المنافسة من خلال النقاب و الحجاب , فالفتاة تزرعت بالدين لكى تخرج من منافسة الباريسة و الأيطالية لأنها تعلم مسبقا أن النتيجة محسومة ضدها , و أصبح رجال الدين يدعون أن المرأة لا ينبغى أن تظهر جمالها ألا لزوجها و هم يخفون عن الناس أن هذة المرأة لا تعرف أساسا كيف تظهر جمالها حتى لزوجها و أن الرجل بعد الزواج يكون سقط تحت روابط أجتماعية ضخمة تقهرة و تمنعة من ترك الزواج حينما يكتشف هذة الحقيقة المرة , و هذا يكون واضحا أذا تحديتهم و قدمت هذة الصور لرجل متزوج , فستجدهم يقولون أنك تحطم الأسرة , كيف أحطم الأسرة ؟ أحطمها بأن أكشف للرجل جهل زوجتة بكيفية إظهار جمالها و أكشف لة أن هناك من تعلم أكثر .... كل هذا دليل على أن المجتمع يخاف من هذة الصور لأفتقارة للمعرفة الجنسية , و ليس عن مبادئ و أخلاق كما يتشدق

سؤال آخر , لماذا يخاف المجتمع من أفلام البرونو و بيوت الدعارة ؟ ..... بكل بساطة لأن هذة الوسائل تكشف للزوجين جهلهما عن ممارسة الجنس , فالمرأة تخاف من وجود بيت الدعارة لأنها تعرف أنها لا تجيد ممارسة الجنس و أن هناك من يجيدة أكثر منها , و أن وجود المنافسة من خلال بيوت الدعارة سيحسم المنافسة ضدها و ستكون النتيجة أن يتركها زوجها و تبقى هى محرومة من الجنس طول حياتها ... و الرجل يخاف من بيوت الدعارة لأنها ستكشف أمام عينية الحقيقة المرة و هى أن زوجتة لا تجيد ممارسة الجنس و أنة تورط معها , بل و أنة هو الآخر لا يجيد ممارسة الجنس و لكنة لم يكن يشعر بذلك حينما كان يمارسة مع زوجتة التى لا تجيد الجنس هى الأخرى , و لكن الفرق و الشعور بالنقص يظهر حينما يمارس الجنس مع محترفة ..... الأب يخاف من بيوت الدعارة لأنة ربى أبنتة جاهلة جنسيا و يعلم أن وجود هذة البيوت قد يحطم زواجها أذا كانت متزوجة , أو يحطم فرصتها فى الزواج أذا كانت عذراء ..... الرجل يخاف على زوجتة من أفلام البرونو لأنة يخشى أن تكتشف زوجتة جهلة للممارسة الجنسية و أن تكتشف أن هناك ما ينقصها , فتبدأ فى محاولة تعويض هذا النقص من خلال غيرة و يبدأ مسلسل الخيانة الزوجية الذى فى رأيى لا يضايق شرف الرجل و أنما يضايق كرامتة , فهو يرفض أن تتركة زوجتة و تذهب إلى غيرة لأن هذا يكون أعلانا صريحا أنة أقل من غيرة , فالموضوع أساسا موضوع كرامة و كبرياء و لا يوجد فية الدين و الأخلاق و الشرف كما يدعون

بقى سؤالا نهائيا , لماذا أصبح الجنس مجهولا فى مجتمعنا رغم أنة لم يكن كذلك فى البداية ؟ و ما علاقة الأسيويين بذلك ؟ و لماذا يزداد المجتمع جهلا و تضييقا مع الوقت ؟ .... القصة أنة مع هجرات الأسيويين من هكسوس و فرس و عرب دخلت ثقافة العورة , بمعنى أن هناك أجزاء من الجسم يجب أن لا ترى , و أصبحت تغطية أجزاء من الجسم ضرورة , و مع الزمن زادت مساحة هذة الأجزاء ( من تغطية الوسط فى البداية إلى النقاب فى النهاية ) , ثم تخطى الموضوع تغطية الجسد ليمتد إلى الألفاظ , فأصبحت هناك موضوعات لا يجوز الحديث فيها و أعضاء لا يليق ذكرها و موضوعات لا يجوز الكتابة فيها .... كل هذا من مفهوم العورة ( على الرغم أنة لو فكرنا بحيادية لما مايزنا بين عضو و آخر , فنحن لا نغطى أفواهنا التى نتكلم بها , فلماذا نغطى أعضاء أخرى لا تقوم ألا بوظائف طبيعية لا خطأ فيها ) , و هكذا أصبحت هناك مساحة من الظلام و الضبابية حول الموضوعات الجنسية و ظهرت مشكلة الجهل المجتمعى حول الجنس , فهو شئ غير مرئى غير مسموع غير معرف بة غير مخبر عنة , لدرجة أن المجتمع حولك يتعامل كأنة لا جنس لة , و هكذا أصبح الجنس مجهولا .... عزلة عن الواقع المجتمعى المعاش جعلة مجهولا .... و الجهل بالجنس جعل الأنسان يخاف منة فبدأ يهرب منة و يبتعد عن مواجهتة و يزيد من إخفاؤة , و بالتالى يزيد حجم الجهل بة , و هكذا دخلنا فى دائرة مغلقة .. جهل يقود إلى خوف و الخوف يقود إلى مزيد من الجهل , و هكذا .... و هذا يفسر لماذا يتجة المجتمع ناحية التضييق مع الوقت

http://ra-shere.blogspot.com









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتبة العرض المسرحي أحلام الديراني


.. الباحثات في تونس ضعف الدعم وهجرة مقلقة




.. كونفرانس ريادة المرأة نقاشات وآراء لتطوير الشابات


.. إحدى المشاركات دلال سكاف




.. الصحفية والفنانة والمغنية أمل كَعـْوَش