الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يمكن ان يخون الخائنون ؟؟

عباس الحسيني
شاعر ومترجم وكاتب معرفي

(Abbas Alhusainy)

2003 / 11 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


  ان قدرة الله لا تتجلـّـى  في الرعد والعاصفة وحسب ، بل في جمال الزهرة والنسيم العليل أيضاً - شاعر الهند طاغور 
 أتذكر تماما تلك الدموع ، دموعي الحرى وخمسة ايام بل مطلق ايام من الجوع امام نصب الحرية 
-              واذكر
-              فقدان ذاكرتي المؤقت لما رأيته في مبنى ، يقال له - الأمن العام - !!
-              واذكر
-              ايضا " شفق " الجميلة ، القتيلة بماركسية العناصر الجديدة وصخب الحنين .
-              اذكر
-               تماما ، كيف نام " كزار  حنوش " ليال في محل خياط ٍ منزو لكي يناجي جوع حسين مردان وكنت اهمس له " لست صعلوكا مطلقا كما تروي الأساطر ، فها ثد تزوجت من جوعين وتموزين حالمين ،
-              واذكــر .....
-              حدث الحب ، الذي اودى بحياة ستة شبان فروا من الجبهة لقلب نظام الحكم عبر مناشير حالمة ، لقد اعدموا " ولنقل " ولدوا جميعا في يوم واحد ، وعندها تذكرت حبل غسيل امي القصير الذي مروا من تحته ، الى ربهم الأعلى وقامة أمي المنحنية ، وهي تحرق كتب لينين وماركس ومحمد باقر الصدر ودواوين سعدي ومظفر في تنورها الفجري ، كان اهل مدينتي يحبون لينين مثل اخ  لهم – حتى حسد ونقم البعثيون على ذلك ، فسموا الكنية فيما بينهم – رفيق -  ، ولم افهم سر ذاك الحب ، حتى بعد قراءة كل سجالات بروليتاريا الذات وإشتراكية أممية التحولات الإنسانية وكرامات المبدعين ، وكان احد نجاري مدينة الديوانية  يقول لي "  كان لينين صادقا معنا " وان كان جسده المسجى في ساحة الكرملين –  مجرد جسد محنط الخلايا ،
-              تذكرت
-              ذلك في شهادة امام ضابط الهجرة الأميركي " وانا انطق القسم الوحيد امامه ، في عدم انتمائي للحزب الشيوعي ، وكان رأي الضابط الأردني ان كل مثقفي العراق من الجنوب هم شيوعيون وان قسموا !! ،
-               وعندها تذكرت
-              ذلك الرجل القروي من مدينة المشخاب ، والذي قادوه من مدارس محو الأمية الى إجتماعات الحزب الإجبارية ، وقد كان الدرس الأول بعض شعارات وبيانات الحزب ومنها " ان الشرفاء والــــخ هم بعثيون وان لم ينتمـــوا ، فعاد القروي المسكين الى حقله وداره ، ولم يعاود إجتماع الأسبوع التالي ، لأن المسكين فهم كلمة " ينتموا "   على انها " يلتمّــو " ،وكما في اللهجة العراقية الدارجة ،  وهو ذات القسم الذي أديته في مبنــى الأمن العام عام 1999 ، من انني لست عضوا في حزب الدعوة العميل !! حسب كليشة القسم ، وللآن لا اعلم سبب تسمية الشيوعي والدعوة بالعميلين ، وكذلك القسم بعدم إنتمائي الى تنظيمات ثارات الصدر الأخير ، وليس الآخر ، وذلك القسم على جميع افراد عائلتي من شيوخ واطفال نساء ورجال ليسوا اعضاء في تنظيم او على إتصال بجهة خارجية ، فقد قسمت مع علمي ان كل افراد عائلتي وجيرانهم ومن جاورهم شيوعيون وفي حزب الدعوة ايضا ،
- وعندها ايضا تذكرت نصائح صديقي الدكتور ريكان إبراهيم ، الذي أخبر لفيفا من  ادباء ورجال المعارضة في مقهى السنترال في عمان ، من انه قد اكمل آخر قصائده العمودية في حب صدام ، وهو ما جعلني أرتبك وعيا ، كيف يكون هذا الرجل ، طبيبا بل أخصائي في علم النفس ، وشاعرا وناقدا ولغويا لا يشق له غبار ، وهو في ذات الحين ، ممن يدمنون حب صدام وسلطته ايضا ؟؟؟
-              وهنا تذكّرت ....
-              ما قرنني بخبز الشعير في سوق الحلة الفيحاء ، وكيف كانت قصائد حب الوطن تهرب او تأتي متزامنة مع وجبة باقلاء الحلة الشهيرة ، انه الرجل الضرير صاحب المحل عاشق الشعر ، والذي يعلق صورة المجد –  كما يسميّها –  والتي أخذها مع شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري – أيام إقامته في مدينة الحلة الفيحاء - على إحدى جدران مطعمه الصغير جدا ، وقد أدرك الرجل تعب رجال الحزب والأمن والمخافر والشرطة والفدائيين والمخابرات والـ . . . . .  وجزعهم في مراقبة الناس وكتابة التقارير عند أول الصباح ، وعلى وجه الخصوص  ـ  تحت تاثير رائحة الباقلاء بالدهن الحرّي ،  فما كان منه إلا ان حول مطعمه الى وكر عز ثقافي ، وعرين مجد أدبي ، وملاذ تجمّع لمن أراد قول شيء ، او نقد حالة ، أو إلقاء قصائد حقيقية أو كلمات نثرية  ، فصحى كانت أم شعبية ، يسارية كانت أم حسينية ،  خلسة ، في حب الناس والعراق ، ـلقيت قصيدتي ، وكانت طويلة بل لا تتلائم وحيثيات المراقبة لعمال ، واصدقاء وجيران الشعر عند مطعم الرجل الضرير عينا والمبصر روحا وقلبا ، وتذكرت بهـــا صمت شعراء ، ومثقفي الخارج دون الداخل ، الذين صاروا ينطقون الآن  ، لا بل ويتشاجرون ويتعانفون ويتضاربون إن شأت ، ولله الحمد ، فقد ظننتهم كباقي أمــة العرب ، أو ممن طـُــبع ، ولنقل خُتـِم على سَمعهم وعلى أبصارهم ، وعلى قلوبهم بغشاوة الجيل والتجايل والفئات والشتات والصداقات والإنتماءات   وصولا الى منع التجول شعرا – إلا على موائد العرق المجان في اتحاد الأدباء ، وايام صعاليك المربد والتربيد والترديم والتحطيم ، والتي كانت تنقل على التلفزيون مباشرة ، وفيها ، ينصب الفاعل ويرفع المفعول ويجر ظلما وجورا القتيل على ذمة القاتل والمسؤول ، وتذكرت ان هذا ما حدث في بلد قدم ثلاث حواضر لغوية لأمة الضاد مدعومة بالمتنبي والجواهري والسياب والحاج زاير ايضا !!!
-  واتذكر هنا  سجني اللا آمن في زنزانة قصيدة عمرها عشرون عاما كتبت لتقرأ وتكرّم ، في غربة دون اهل البلاد ،
 وتذكرت منام الفقراء تحت  تمثال عبد المحسن الكاظمي ، وتمثال السياب الحزين ، وقد اشتكت عائلة بدر شاكر السياب ، وعلى صفحات مجلة - ألف باء -  من ان ضيافة زوار قرية جيكور ودار السياب ، وتمثاله من الدارسين والباحثين والشعراء ، قد اصبحت تمثل ثقلا على كاهلهم في تقديم الشاي والقهوة وبعض الإجابات ، وغيرها ، فما كان إلا ان خصّص كرم القائد – مبلغا لمضيف السياب – ويروي لي اخي الذي كان يدرس الطب في البصرة ، ان الحزب إشترط على عائلة السياب تقديم تقارير مفصلّة ، عن كل وافد وزائر لقبر وبقايا اثار السياب الخالدة ، فتذكرت
قول السياب :
 

"  اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون ؟؟
 ايخون انسان بــلاده ؟؟ "
 

وتذكرت . . . .
حنين الحلاج وبراءة الجنيد البغدادي ، ورز العنبر بالمجّان ، في ضريح الإمام  عبد القادر الكيلاني –  كان الخبز شحيحا والأيام عجاف ،
وتذكرت من ليالي تموز تلاميذ العراق وهم يذاكرون ليلا ، ليؤدوا امتحاناتهم الوزارية في الشوارع ، وكيف نقل ضابط المخابرات ذلك الى بغداد ، فجاء الأمر بقطع التيار الكهربائي حتى عن الشوارع بحجة الشحّــة في موارد الطاقة ، فأين تدرس النساء ؟؟ 
وقد اعمَت القراءة على الفانوس عيوني ، وعيون طلابي ، والله والفانوس ، على ما اقول شهيـــدان .
-              وتذكرت طلابي في سجن معسكر ابي عبيدة – في الديوانية ، الذين كانوا  وكما سمّــتهم سجلات الحرس الجمهوري  ووزارة الدفاع عن صدام ، متخلفين ، وذلك لرسوبهم في الإمتحانات وعدم ذهابهم الى تجانيدهم لأنهم كانوا يساعدون جاهدين ، في إعالة عوائلهم ، وهو ما أخرهم عن الإلتحاق لاداء الخدمة العسكرية الجائرة ، كانت زيارة الجملونات بــ ( 1000 ) دينار والجلوس لأسرة السجين بـ ( 300 ) دينار للجلوس تحت ( الشمس ) اي ليس الظل و( 500 ) دينار في ظل الجملون اللاهب ، وحبوب الآرتين الشهيرة ، كمخدرات بـ ( 2000 )  دينار للشيت الكامل المكون من 10 حبات ، وتلك الحبوب قد جعلت من اولئك الصبية في سن 17 و18 و19  مجرد اشباح  يلوح للناظر انهم بعمر 60  وبرؤوس رمادية ، وجلود غائرة مع موات حواسهم ودوافعهم الطبيعية الى الجنس والحركة او حتى الشهية في الإقبال على الطعام ، صبية في عمر الورد مهمـّــشون تماما ، ومنسيّيون كشخوص غابريا غارسيا ماركيز او كضحية - مستوطنة العقاب -  لفرانز لكافـكا ،  فيما كان الضباط  ، واحدهم بعشرة اضعاف اولئك الصبية ، وكأن العرب كانت امة واحدة ، فجاء محمد العربي ( ص ) ليكونوا 70 فرقة ، على ان كل فرقة بقتلها الأخرى ، تدعي انها الفئة الناجية ونحن الهالكون على ذمة حسني مبارك ، ومجمع أزهر اللا إردة ، وتذكرت
-             هدير جمال  القرآن " وترى الأرض هامدة ، فإذا انزلنا عليها الماء اهتـزت وربَت وأنبتت من كل زوج  بَهيج " فلا مياه في مستنـفع العذاب هناك ، بل مجرد خزان بسعة لترين لكل فرد ، ولمدة اسبوع ، فكانوا يدخرون به ، ويجمعونه على بعض على  بعض ، لأيام لا ماء فيها ولا يسمع في الرجاء في فضاءها  .
  ، وعندها تذكرت ، ان التأريخ لا يمكن ان يتوقف عند مشهد او مشهدين ليقرأ بهما ومن خلالهما ، لا بل انه متكرر واضطراري حتى يقال انه يعيد نفسه ، ان الإسقراء الماحق ، والمثولوجيا الملطخة بوصمة عار على اكملها ، وان تلك الأسطورة التي رويت عن الحجاج بن يوسف الثقفي ، من انه كان يرسل رئيس شَــرَطته – بفتح الشين والراء والطاء -  لإستفزاز أهل المصر في العراق ، وذلك للإستخفاف بهم واشعارهم بقرب السلطة الماحقة منهم ، وقيل ان رئيس الشرطة هذا قد خرج ذات يوم ، فوقعت عيناه على تاجر ناجح ومعتمر ومقتدر ، فما كان منه إلا ان قتل حاشية التاجر ، وسلب بضاعته بحجة انه سبّ  ونال من شخص ولي اكر المسلمين – الحجاج بن يوسف الثقفي –  فأخذ ذلك التاجر ، ليقتله ، وقد لاحتا على قرب شجرة الشنق ، حمامتان متباينتان في حجميهما ، أي أن إحداهما صغيرة ، واختها كبيرة ، فقال التاجر المسكين الذي ضاقت عليه أرض بلاده بما رحبت : " انما قتلتني فسأشهد عليك هاتان الحمامتان " فضحك رئيس شرطة الحجاج وحــز رأسه ، دون رحمة ، وقد واخبر سيده الحجاج  بذلك بعد ان وضع طباخو الحجاج دجاجتين بذات تباين الحجم الكبيرة للحجاج  طبعا والأخرى لقائد شرطته المقدام ـ وقد قصّ على الحجاج تلك الشهادة من امر ذلك التاجر الذي غلب على حقه ، فما كان من الحجاج إلا سأله : "
اوقتلته ، بعد ان أشهد عليك ؟؟ "
 فقال : " نعم "
-  فدنى الحجاج إليه فقتله في الحال ، وعندها صفّــق الغوغاء من حول الحجاج ، وهم يهتفون " لا أبقى ، وأعــز الله لهذا البلد غير جودك ، يا عــــدل الله في الأرض "
- وهنا تذكرت لم كان اهل بلادي  يعشقون  لينين ومحمد باقر الصدر و فريد الأطرش ، فالأول يمثل كناية بزوغ بروليتاريا الجمع والتوحيد على جباه الفقراء دون قتل البرجوازيين ولا النبلاء ، والثاني  فيمثل وعي وتفكير الإسلام ، محررا من المجاهيل وعقد نقائص الذات ، وأما الثالث فيمثل هروب روح الفنان للغناء ، بمنأى ً عن طائلة يد القاتل والسلطان ،                                                        
 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال


.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا




.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق


.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما




.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال