الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر الحكاية

البتول المحجوب

2007 / 12 / 11
الادب والفن


خيمة منصوبة وسط صحراء ودخان يُعانق عنان السماء.بباب الخيمة امرأة تلتحف سوادا..ترمي ببصرها يمينا وشمالا في بحث عن شئ ضائع.تُعيد البصر حيث الإبل تنعم في مراتعها،نظراتها الباحثة هنا وهناك مافتئت ترسلها للبعيد.تُطل شابة في مقتبل عمرها من الخباء تُقاسم المرأة نفس الملامح البدوية،تقترب منها أكثر فأكثر تسأل..تلح في السؤال:
-مابك..،مايقلقك..،عماذا تبحثين هنا وهناك..؟
يبدو من سؤالها أنها تجهل سر حكاية المرأة التي تُقاسمها الملامح ذاتها.تلتفت المرأة الملتحفة سوادا بصمت نحو وابل اسئلة الشابة،ثم تتجه بنظراتها نحو مبارك الإبل..تتفقدها،هل راحت كلها لمباركها ..؟
بعد ان تطمئن،تمرر يدها على سنم إحدى النوق النجيبات،لكن الشابة مازالت تُلاحقها بالسؤال أملا منها برد يشفي فضولها..دون جدوى،بدل الرد طلبت منها ان توقد الموقد فالمساء بارد في ليالي الشتاء الطوال،تبدأ في جمع كومة الحطب لإشعال الموقد،تجلب القدر،تضعه على النار وتجلس تستدفئ بدفئها،مدندنة بصوت شجي النغمات.فليل الصحراء بارد وطويل.وحيدة هي مع امرأة تعشق الصمت.بدأت في تكسير بعض قطع الحطب فكلما خمدت النار أطعمتها كي يزداد لهيبها.من عادة هذه المرأة الملتحفة ان تهدي من ضل الطريق ليلا،بقبس من نار.حفيدة حاتم هي في هذا الربع الخالي،تقضي الليل الطويل في إشعال الشُهب علّها تكون منارا في ظلمات الصحراء للتائهين،بل أكثر من هذا تُهيئ الطعام وتقدم أقداح لبن النوق للمارين من هنا دون تذمر. بعد ان وهبت نفسها لهذا الفضاء الغامض والجميل معا.قررت العيش هنا،بعيدا عن صخب المدن وذكراها الحزينة..ذكرى الوجع والغياب.
تنظر لها الشابة بإعجاب ثم تُعيد ماسبق ان نهتها عنه. يبدو ان الشابة القادمة من صخب المدن والعاشقة لسر الصحراء لاتمل من تكرار السؤال على مسامع المرأة الملتحفة سوادا:
-مابك..بيتك بالمدينة ينتظرك، أحبابك،جيرانك..لماذا ترفضين العودة..؟
اماان لك ان تخبريني ..؟مايمنعك من العودة..؟
لكن المرأة الملتحفة،تأبى البوح وتعشق صمت الصحراء المهيب،تشعر بالدفء بين أحضان الربع الخالي الجميل..تشم رائحة الدخان عند موقد النار مساء وتشم رائحة الثرى المبلل بالندى صباحا.تنصت كل مساء لرغاء الإبل القادمة من المراتع،رغاء يؤنس وحدتها الطويلة بعد مرارة الغياب.تلتفت نحو الشابة مبتسمة لها بدفء-هذه الشابة تقضي دوما إجازتها في ربوع الصحراء بحثا عن المجهول،بحثا عن الغائب في عيني هذه المرأة التي أصبحت لاتعرف من الألوان الا لون لحافها الأسود-لتحكي لها والحكاية تطول.
تحكي لها عن أسرار الصحراء الغامضة،عن عشقها الأبدي لهذه الأرض ولرائحة الثرى المبتل،تحكي عن صبر وتحمل الإبل..تحكي عن ابتسامة الشمس المنكسرة صباحا على كثبان الرمال الدافئة، تحكي عن عناق الشمس ألحميمي للبحر أثناء غروبها..تحكي عن ليال الصحراء المقمرة حيث دفء الكلمة الشعرية والنغم الشجي… تنصت لها الشابة في ذهول وتسأل من جديد:
-كل هذا الحب الكبير والعشق للصحراء..؟ ! تتابع ألحكي بشغف امرأة مفتونة بالمجهول:
- في الصحراء ياصغيرتي يُمكنك الصعود بحرية لقمة الجبل،يُمكنك الصراخ بأعلى صوتك حيث يتردد صدى الصوت دون خوف من جدران لها أذان..الصحراء يا صغيرتي تعلمك الصبر والشموخ،تعلمك تحدي الصعاب.في الصحراء تفترشين الأرض وتغطيك السماء،هنا ياصغيرتي تعلمت ان أنصت لصوت الرياح تهز أوتاد الخيام من جذورها.والمطر المتهاطل على خيام الوبر كعزف موسيقي.هذا الربع الخالي الممتد ياصغيرتي علمني ان أفكر بصوت عال،علمني ان الصحراء مهما قست، فحضنها دافئ حين تلفظنا أحضان الآخرين.تنصت الشابة بإعجاب وذهول دون مقاطعة علّها تكمل لها الحكاية..
قضت ليلها تحكي وتحكي عن..وعن..الاّ عن نفسها تأبى البوح وتعشق الصمت كلما طرقت الشابة باب السؤال تمنحها بسمة أمل بحب هذا الربع الخالي..

البتول المحجوب لمديميغ-طنطان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل