الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الثقافة البدوية – الأمريكية .. ودمشق ...( دمشق عاصمة للثقافة العربية )2008

حازم العظمة

2007 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ما الذي يصنع انطباعنا عن مدينة نعيش فيها أو حتى نزورها ، لا بد أنه مزيج من المشاهد ، لايتعلق الأمر بالأبنية ، الشوارع ، المحلات ، الأزياء ، الوجوه فحسب إلا أنه جميعها معاً ، الأصوات ، هدير الشارع ، الألوان ، مساء ما حول طاولة ، صحبة ما ، و غير ذلك و سوى ذلك

شكل الحافلات مثلاً في مدينة كدمشق ، الكتابات التي ألصقوها على جوانبها ، الإعلانات ، الصور ، حِكَم ، أبيات للمتنبي ، اسم الحافلة " العَنود " مثلاً أو " شحرورة الوادي " ، أبيات في الحب ، عصافير تتقبل من مناقيرها ، ثم يتبعها " god gerny " .. يقصد "good journy " أو " no fear " .. يقصد الآية : " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ...
فوقها تماماً صواريخ ساذجة تتقابل في تناظرٍ على الطرفين ... هذه أيضاً ثقافة ، ثقافة " شعبية " بامتياز

يمكن لأحد أن يقدم دراسة كبيرة في دلالات ما يكتب و يرسم على الحافلات ، هذه "الثقافة " تقابلها في المقلب "الثاني"، في ما يتعلق بالسيارات و الحافلات ، إن كان ثمة ضرورة للمقابلة ، السطوح الفارغة ، الألوان " نظيفة " خالية من الإضافات ، الغياب المترفع للعبارات الإشارات ، إلغاء " الزوائد" الإبتعاد عن الدلالات و الدالات ، ثقافة "الغُفلة ، " لا تعترف إلا بالأداء ، بالكفاءة ، أيضاً الصمت ، الحيادية ، الموضوعية ...، الإنحياز يكمن في طبقة ثانية مغلفة جيداً ، بعد السطح ، ورائه ...
ثمة أيضاً غُفلة الزجاج "المدَخَّن" القاتم و النظارات السوداء حتى في الليل .. أيضاً ثقافة ريفية وبامتياز ، ولكن ثقافة الريف الأمريكي هذه المرة ثقافة "الأرياف المدينية " من دالاس إلى هيوستون ، المثل العليا للطبقة الجديدة ...

في شوارع بأكملها في وسط المدينة واجهات المحلات تعرض الملابس النسائية الإسلامية، من حجاب الرأس حتى الجوارب ، المعاطف الرمادية أو البنية وظيفتها ليس إتقاء البرد بل إخفاء الجسد ، بصرف النظر عن حرارة الجو ، إخفاء الجسد حتى في شكله العام ،
إخفاء كل المعالم : لا إنحناءات لا نتوءات لا إستدارات لا شيئ سوى سمت رمادي أو ترابي أو أسود .. هذه أيضاً " ثقافة "
أيضاً هنا ولكن من منظور مختلف يجري إلغاء "الزوائد " ليس لصالح مفهوم " الأداء" هذه المرة بل لإعلان " العفة " ، هنا أيضاً الإنحياز يكمن في طبقة ثانية ، الإنحياز لإيروسية لا تنفجر إلا في غرف النوم ، و لاستيهامات إيروسية مؤجلة حتى الآخرة ...


يتنقلون بطلاقة مدهشة بين قناة 2 أو action ... والجامع ، التسمر المزمن أمام التلفزيون لمشاهدة سلسلة لا تنتهي من الأفلام الأمريكية لا تقطعه إلا الصلاة ..
يستريب أحدهم : " ماذا لو أن ما من جنة هناك وما من حوريات .. تكون راحت علينا البنات السيكسيات .. "

ربما تذهب إلى أعلى الصالحية في الفجر ، المصلون القليلون يذهبون فرادى إلى الجامع بالجلابيب اليضاء ، ولكن على بعد أمتار من ضريح " محي الدين ابن عربي " قد تصادف ساهرين في آخر الليل أتوا ليُطعَموا فولاً ، جاءوا من ركن آخر في المدينة و بقيت عليهم هيئة سهّار محترفين وحاناتٍ تركوها في ركن آخر من المدينة

هكذا هي دمشق : " ثقافات" عديدة تتجاور ، ولا أقول أنها تتآلف

في باب شرقي لن يفوتك أن ترى كؤوس البيرة المترعة على طاولات الرصيف تتجاور و الجامعَ القريب ، وأن دير الفرانسيسكانيات أو الأرمن على بعد خظوات من هؤلاء و أولئك

... تهبط مساءً في "باب توما " كأنك في حي من " أثينا" ربما ، أو في " صوفيا" أو "روما"... المشهد مختلف تماماً عن ذلك الذي تراه في الأحياء " المحافظة" ، الفتيات و الفتيان يعرضون فنون أزيائهم ، حيويتهم و جمالهم ، الطاولات على الأرصفة ، الحياة على الأرصفة ، ثمة فتى و فتاة يتخاصران ، تسند رأسها على كتفه ، هكذا في الشارع ( كأنك في روما ) ..
التعابير على الوجوه ليست متزمتة ولا التعبير مفقود أو مكتوم أو متجهم ، ثمة أثير من طلاقة يجري مع الهواء ، كأن هذا الجزء من المدينة ذهب في تطور مختلف عن ما حوله ، كأنه ما يزال يستمد من تاريخه العريق اليوناني و الروماني ، و ربما الآرامي ، أو من تاريخ بغداد العباسي أو دمشق الأموي في زمن زهوته ، في لحظات طلاقته .. النادرة ، أو أنه كل هذا و ذاك

الإشارات و الدالاّت هنا لا تشبه التي للميدان و لا المهاجرين، قد نحسب أن الأمر يتعلق بالشرائح الإجتماعية ، الثروةِ و رغدِ العيش ، هذا جزء من المسألة ، باب توما أو باب شرقي حي شعبي ، ليس موسراً والناس هناك ليسوا تماماَ و ليسوا دائماً في رغد العيش ، المسألة مسألة " ثقافة"

في دوما ، الضاحية الملاصقة ، أو لنقل أنها الآن طرف في المدينة ، يتبادلون على الهاتف المحمول فيلم فيديو يصور ذبح الجمال ، بسيف رفيع وحاد جداً السيّاف بسرعة خاطفة يضرب الجمل تماماً على الشريان السباتي في العنق الطويل والمكشوف فينفر الدم كخيط أحمر طويل ، الجِمال - حوالي عشرة منها - أوقفوها، حتى لا تهرب ، حتى تنزلق إن حاولت ، على أرض مبلولة في قاعة شاسعة تشبه ملعباً
تبحث عن الدلالات في" ثقافة" كهذه .. التباهي بالذبح ، ذبح الجمل وأكله "سنة" ، كالمسواك و التمر و الجلباب

يتبادلون أيضاً فيلماً عن فتاة أهلها يجتمعون عليها ويذبحونها لأنها هربت مع من أحبته ، و من أحبته كان من طائفة غير التي لها
من جديد تبحث عن الدلالات في" ثقافة" كهذه ..

البيوت البلوك العارية تتراكم في أطراف المدينة ، وأحيائها المسماة عشوائية ، الزرائب أصلح منها للحياة الإنسانية ، الضواحي لم تعد ضواحي، المدينة نفسها لم تعد كذلك تماماً ، في اتساعها العشوائي ضمت كل شيء أكلت المساحات الخضراء ، قضمت الغوطة من أطرافها ، ومن قلبها ، أكلت البيوت الحجر القديمة و البيوت الطين الجميلة في كيوان و في المزة و الصالحية و دمر ، والشعلان ، بيوت شعبية ، أو ربما للطبقة الوسطى ، لكن كانت ثمة ذائقة رفيعة في هذه البيوت ، الشرفات و أسوارها من حديد مشغول ، الأرضيات الخشب لها صرير حين تمشي عليها، الشبابيك ، الأدراج ، ذائقة تآكلت ، حلت مكانها ذائقة الأثرياء الجدد ، اللاذائقة بالأحرى
البيوت تلك هي أيضاً ثقافة ، يأخذونها إلى مكب النفايات .. ، لتحل محلها في العمارة ذائقة أثرياء الدولة ، وذائقة أثرياء الخليج، و تجارالعقارات ، ذائقة صاحب المكتب العقاري أيضاً ، ثقافة "المول " و الجامع متجاورة

قلب المدينة القديمة نفسه موضع نزاع طويل ، يتنازعون على تدميرها لينشؤوا مكانها أبراجاً و مكاتب و مولات ، المدن" المتمدنة" تذهب إلى الإحتفاء بتاريخها المعماري بكل مراحله ، في مدن العالم كل ما بقي من أبنية قديمة من حواري و ساحات أعيد تأهيله و ترميمه تماماً كما كان ، إلا في مدن العالم "الثالث" ، المسألة ليست مسألة سياحة ، المتمولون و المتنفذون يريدون مسح كل شيء ، مسعورين باندفاعات الإثراء السريع الطفيلي و الفاسد ، هذه أيضاً مسألة ثقافية

الثقافة في سورية معاقة- بالمعنى السريري - منذ الستينات من القرن الماضي ، أو أنها معاقة منذ زمن أقدم من هذا بكثير ، الثقافة العربية كلها كذلك بدرجات متفاوت ، الإعاقة أو الإعاقات متشابهة ، احتلّ التديّن الحيز الذي للثقافة ، المشكلة في هذا النوع من التدين أنه ينظر بعين الشك لكل ما عداه من نشاط إنساني
التدين كان رد الفعل الجاهز على الفساد و العَسَف ، و فيما مُنعت وأُغلقت ولوحقت المنابر العلمانية و المدنية ، بقيت و انتشرت و أُنعشت مراكز الأصولية والفكر السلفي ، وثمة من يرعاها .. بأموال لا تنضب ، كل ثقافة حيّة تذوي و تَضمر في غياب الحريات ، المدن المتمدنة لاتتنفس إلا هواء الحرية ، هكذا وجدنا " خلسة" المدن العربية في حالها هذه ، التدين جنباً إلى جنب مع رموز الإستهلاك الرأسمالي المعاصر بأشكاله الأشد ابتذالاً و فجاجة ، في تحالف و"ألفة" لا ينبغي أن تدهش أحداً على كل حال، هكذا نعود للوراء في عصر ليس فيه من محل لهذا " الوراء"

في وسط " هرج" كهذا ما الذي سيعنيه في " دمشق عاصمة للثقافة العربية " ، على لافتات الإعلان في الشوارع ، ظهور قصائد لشعراء كنزار قباني و منذر مصري و نوري الجراح و أنسي الحاج ، وسليم بركات ، شعراء العربية المعاصرين وشعراء سورية المعاصرين... ، أحد الفعاليات المفترضة خلال الإحتفالية ، هذا الإحتكاك المثير بين الشارع و الشعر .. ، لا أعرف ، ولكن النتيجة لن تكون سيئة ، رغم أن الأغلبية ، أعني الجمهور "المتوسط" ، الشائع ، سيهز الرؤوس عجباً ..
التلوث الدلالي و التلوث البصري للشارع سيجد من يتحداه و يأخذه إلى سجال ما
بعد أن كانت دائماً الساحات و الشوارع حكراً لدعايات البسكويت و لصور مرشحين ما في إنتخابات ما ... أو لدعايات السيارات الجديدة

ما الذي سيأتي يفعله هنا بيتربروك ، الذي ستستضيفه دمشق في هذه الإحتفالية حسب ما هو مبرمج .. ، هل يفهم عليه أحد ، طبعاً سوى نخبة من المثقفين ... هو تحد أكيد ، و لا تنقصه الإثارة

هل لنا أن نفكر في دمشق عاصمة للثقافة بمفهوم العرض défilé .. كأن نتخيل أنه مؤلف من قافلة من العربات تعبر على طول شارع ما طويل وأن العارضين على تنافرهم يمرون هكذا متجاورين و قد ارتدوا كل إكسسواراتهم " الفولكلورية "

هل تشتبك " الثقافات " بالمعنى الإيجابي ، بمعنى الحوار و التبادل و الإغناء .. ، أم تشتبك بالأيدي و الشتائم و الإتهامات ...
هي مغامرة ، كما أن كل فعل ثقافي حقيقي هو مغامرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا