الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

وليد الفضلي

2007 / 12 / 13
حقوق الانسان


قليلةٌ هي تلك اللحظات التي تبقى في ذاكرتنا الإنسانية، فنستعيدها مراراً وتكراراً بين لحظتي الألـم على هدر الذات ومقدراتها، والأمل في العودة إلى الإنسان كقيمة عليا في هذا الوجود، ومن أهم تلك اللحظات الخالدة يوم العاشر من ديسمبر العام1948 ؛ ففيه كانت البشرية على موعد مع “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، ليكون فاتحة أممية لما بات يعرف بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ومرجعية لانطلاق وتأسيس العديد من المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية والحكومية وغير الحكومية تسعى جميعها إلى ضمان الحقوق الإنسانية، ومراقبة الانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسانية .

ولا تأتي أهمية الإعلان من المبادئ النبيلة التي تضمنها فحسب، بل من الحكومات التي اسهمت في إصداره، فهي نفس الجهة المتهمة والمعنية بشكل أساس بانتهاكات حقوق الإنسان، كما دفع التصديق على الإعلان العالمي ببعض الدول لإدخال إصلاحات تشريعية دستورية وقانونية بغية الانسجام مع الإعلان الحقوقي والمواثيق اللاحقة، بالإضافة إلى أن الإعلان كان مصدراً مرجعياً ودستورياً للقيم الإنسانية لمجموعة من الدساتير في العالم .

وفي الوقت ذاته شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان رابطاً حقوقياً مشتركاً بين الأمم والشعوب بتعدد وتنوع ثقافاتها ودياناتها وأعراقها قائماً على الإيمان بقيمة الإنسان. لتنتقل بذلك القضايا الحقوقية من طور المبادئ الأخلاقية والنظريات الفلسفية والإيديولوجيات السياسية والتعاليم الدينية إلى طور القيـم المصونة بالتشريع القانوني والأخلاقي في ما بين الأمم .

كما أعقب هذا الإعلان العالمي تداعٍ لمجموعة من النداءات والإعلانات والمواثيق على مستوى إقليمي مثل : الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الحريات الأساسية 1950، والإعلان الأميركي لحقوق الإنسان وواجباته 1948، إعلان الجزائر العالمي لحقوق الشعوب 1976، والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب1981، وإعلان القاهرة عن “حقوق الإنسان في الإسلام” العام 1990، الميثاق العربي لحقوق الإنسان 1994. ولا أعلم بشكل دقيق أسباب هذا التداعي، هل جاء مجاملة سياسية للنظام الأممي أم استشعاراً حقيقياً لاستلاب الحقوق الإنسانية؟! وما إذا كانت هذه المواثيق روافد مكمله للحركة الحقوقية أم هي مجرد استلاب جديد يحمل الصيغة القانونية لحقوق للإنسان تحت مبررات الخصوصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية؟!

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن السبب الرئيس لهدر حقوق الإنسان ناجم عن توسع السلطات الاجتماعية، السياسية، الثقافية والاقتصادية على حساب حريات الأفراد في المجتمع ، أو نتيجة لتنازل الإنسان عن حقوقه الأصيلة للوصول إلى حقه في الحياة كحد أدنى من الحقوق الإنسانية، وأوقات أخرى يكون هذا التنازل لكي يتآلف مع الآخر .

وقد واجهت الحركة الحقوقية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجموعة من التحديات بشكل خاص منها :

أولاً : بقاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد “إعلان” يتناول القيم والحقوق الإنسانية من دون أن يأخذ صيغة الإلزام للدول الموقعة عليه، إذ أصبح أشبه ما يكون بوثيقة لإبراء الذمة الإنسانية لبعض الدول وإسقاط تهمة معاداة الإنسانية، إضافة إلى غلبة طابع الاحتفاء الإعلامي من قبل الموقعين عليه وليس كرؤية وبرنامج عمل يطمح إلى تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع .

ثانيا : الاستغلال السياسي للإعلان العالمي والشرعة الدولية لحقوق الإنسان في الصراعات الدولية وتحويله إلى أداة ضغط بيد الدول المهيمنة، وفي أحيان أخرى أداة سياسية تستغلها قوى المعارضة في محاربة السلطة والتأثير عليها من القوى الخارجية، وما بين نموذجي -المهيمن والمعارض- غُيّبت حقوق الإنسان وأصبحت ورقة لا تستخدم إلا بنوع من الانتقائية والازدواجية وفق ما تتطلبه مصلحتهما .

ثالثا : دخول الكثير من المثقفين بالمراوحة بجدليات التأسيس والمفهوم والأسبقية التاريخية في المنجز الحقوقي والتوجس من تواطؤ الحركة الحقوقية مع القوى السياسية العظمى المهيمنة ليزيد الامر من تغييب الإنسان الباحث عن رغيف خبز، وصوته المعبر عن ذاته.. اضافة إلى تحويل القيم الإنسانيةالى جبهة للتصارع الثقافي بين الأنا الإسلامية والآخر والتحشيد المضاد تجاه الحركة الحقوقية ما يعيق حضورها في المجال العربي والإسلامي .

رابعا : تركيز غالبية المنظمات الحقوقية في معالجاتها على التوعية والتثقيف من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية وكأن جوهر أزمة الحقوق الإنسانية يكمن في جهل هذا الكائن البشري الحضاري بحقوقه الطبيعية ! فلا يمكن تحجيم أو اختزال الحركة الحقوقية بالاشتغال الثقافي على الرغم من ايماننا بأن أية معالجة لابد وأن تبدأ بالمدخل الثقافي وتكون متزامنة مع مسارات سياسية واجتماعية واقتصادية...تسهم في دفع عجلتها كي تضع إستراتيجيات تتجلى بها حقيقة القيم الإنسانية على أرض الواقع وتنتقل من منظومة القيم والمبادئ النظرية إلى مشروعات إنسانية تبلسم جراحات الإنسان.

خامسا : اشتغلت منظمات حقوق الإنسان على توزيع شهادات حسن السير والسلوك الحقوقية بدلا من أن تعمل على تجسيد الاستحقاق الإنساني .

ختاماً، فإن الحديث عن الإعلان العالمي لحقوق الانسان لا يعدو أن يكون محاولة لإبقائه شابا فتيا في الأذهان على رغم تقادم الزمن عليه، وتحديات الراهن اللاإنساني، خصوصا في أفقنا العربي والإسلامي الذي يتطلب منا مراجعة ونقداً ذاتياً جاداً لتعود الحركة الحقوقية إلى سلم الأولويات لدى الدولة والمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة الرابعة | متطوعة سعودية تلفت الأنظار.. ولاجئون يسمون مو


.. الترحيل إلى رواندا.. هواجس تطارد المهاجرين شمال فرنسا الراغب




.. نشرة الرابعة | النواب البحريني يؤكد على استقلال القضاء.. وجه


.. لحظة استهــ ــداف دبـ ـابة إسرائيلية لخيام النازحين في منطقة




.. عشرات المستوطنين يعتدون على مقر -الأونروا- بالقدس وسط حماية