الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقلبات باراك وورطة حزب -العمل-

برهوم جرايسي

2007 / 12 / 12
القضية الفلسطينية


*إيهود باراك بات على قناعة بأن أية انتخابات برلمانية مبكرة لن تعيده إلى كرسي رئاسة الحكومة، وحتى لن تحسن من وضعية حزبه*


فاجأ وزير الأمن إيهود باراك، الحلبة السياسية، في الأيام الأخيرة، بإعلانه، أمام جلسة الحكومة، أن حزبه، حزب "العمل"، سيدعم مبادرة برلمانية، لسن قانون يضمن تعويضات، لكل من يرغب من المستوطنين، في المستوطنات الواقعة "خلف" جدار الفصل العنصري، بإخلاء المستوطنة بمحض إرادته.
وفي السياق الطبيعي للعمل السياسي في داخل إسرائيل، ما كان تصريح باراك سيعتبر مفاجأة، بزعم أن هذا موقف حزب "العمل" في السنوات الأخيرة، الذي يؤيد إخلاء قسم من المستوطنات، لربما أكثر بقليل مما قد يوافق عليه اليمين الإسرائيلي.
إلا أن مواقف باراك التي تمسك بها السنوات الأخيرة، وشهدت تصعيدا وتشددا في الأشهر الستة الأخيرة لوجوده في الحكومة، هي التي جعلت تصريحا كهذا على لسان باراك مفاجأة، ولكن في نفس الوقت أعادت إلى الأذهان اللقب الذي نسب إليه حين كان رئيسا للحكومة، "رجل الإلتواءات" في المواقف، أو كما اصطلح على تسميته في اللغة العبرية، "زيك زاك".
إذ لم يترك باراك، على مدى ستة أشهر، أية زاوية من المواقف إلا وقفز إليها، بحثا عن خشبة قفز قد تعيده إلى كرسي رئاسة الحكومة، الذي يطمح إليه، إلا أن سياسة القفز تبعده أكثر عن هذا المنصب، وفق استطلاعات الرأي التي تثبت أن حزب "العمل"، سيحافظ في أفضل الأحوال على قوته البرلمانية، ولربما بإضافة مقعد واحد للمقاعد التسعة عشر التي لديه حاليا، من اصل 120 مقعدا.

نماذج لمواقف متقبلة

فقبل ثمانية أشهر، وفي أوج المنافسة على رئاسة حزب "العمل" الإسرائيلي، واجه باراك ضغطا إعلاميا، ليلعن موقفه من مصير شراكة حزب "العمل" في حكومة إيهود أولمرت، على خلفية صدور التقرير المرحلي للجنة فينوغراد، المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، إلا أن باراك لم يسارع، وانتظر من ثلاثة إلى أربع أسابيع، ليعلن انه بعد صدور التقرير النهائي سيطلب من حزبه الانسحاب من الحكومة، في حال بقي إيهود أولمرت رئيسا للحكومة.
وبعد فوزه، بدأ باراك في البحث عن صياغات تجعله اقل تقيدا بتعهده، ومنها أن بقاءه في الحكومة قد يستمر في حال قرر حزب "كديما" الحاكم استبدال أولمرت بشخصية أخرى من الحزب، أو أنه سيتمهل بالخروج من الحكومة، إذا ما اتفق مع أولمرت على موعد متفق عليه لانتخابات برلمانية مبكرة.
وفي الأيام الأخيرة، سمعنا لغة أخرى من باراك، في اجتماع لكتلة حزبه البرلمانية، فقد أعلن أن حزبه لن يخرج من الحكومة نتيجة ضغط ما، وليس بالضرورة ان يحمل أمتعته ويسارع في الخروج بعد صدور تقرير فينوغراد.
والحال في المسار السياسي العام لم يختلف كثيرا، فباراك دخل إلى الحكومة حاملا معه المواقف السياسي التي تبناها بعد أن غادر كرسي رئاسة الحكومة، في شباط/ فبراير العام 2001، وحتى الآن، فهو أول من طرح مزاعم انه "لا يوجد شريك للسلام في الجانب الفلسطيني"، بشنه هجوما على الرئيس الراحل ياسر عرفات، واليوم رفع هذا الشعار من جديد تجاه الرئيس محمود عباس، "أبو مازن"، تحت غطاء عدم قدرة السلطة على فرض سيطرتها على الشارع الفلسطيني.
ولم يكتف باراك بهذا الموقف بل عمل على تصعيده، ودعا رئيس الحكومة إلى التخلي عن المسار الفلسطيني في هذه المرحلة، "لأنه من غير المجدي الاستمرار به"، ودعا إلى استئناف المفاوضات مع سورية، دون أن يذكر مدى استعداده لدفع ثمن السلام مع سورية.
واتخذ باراك مواقف متشددة ميدانيا، فعدا استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد رفض تنفيذ تعهدات رئيس حكومة أولمرت بازالة بعض الحواجز والسواتر العسكرية في الضفة، وحتى أن زاد عددها بأربعين حاجزا اضافيا، منذ ان تسلم منصبه في شهر حزيران/ يونيو الماضي، وحتى شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وليصبح عددها 573 حاجزا، وفق احصائية لإحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
ثم رأينا باراك يشارك في لقاء أنابوليس الدولي، وهناك غيّب كليا موقفه الرافض لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وبعد أيام قليلة من عودته بعد ذلك اللقاء، أطلق ذلك التصريح، الذي افتتحنا فيه هذه المعالجة.
يشار هنا، إلى أنه حتى هذا التصريح، لم يخرج عن موقف الإجماع الإسرائيلي والصهيوني، فهو لم يتحدث عن كل مستوطنات الضفة الغربية، وإنما فقط عن تلك المستوطنات التي بقيت "خلف" الجدار، وحسب مسار الجدار ستخليها إسرائيل مستقبلا، وهي تضم حوالي 70 ألف مستوطن، من اصل 470 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، والأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.

الدافع واحد

من وراء تقلبات باراك، إن كانت على المستوى الحزبي أو على المستوى السياسي، يقف دافعا واحدا، وهو بحث باراك عن أي مسار يعيده إلى كرسي رئاسة الحكومة، رغم معرفته باستحالة هذا الأمر، في الظروف السياسية الراهنة، التي تشهدها إسرائيل، والأهم من ذلك، الوضع السياسي والحزبي في داخل حزب "العمل".
وكما يظهر فإن باراك بات يدرك تماما، مع توالي صدور نتائج استطلاعات الرأي، أن أية انتخابات برلمانية مبكرة، وفي هذه المرحلة لن تخرج حزب "العمل" من محنته، وحتى أنه لن يحظى ولو بجزء بسيط من المقاعد التي سيسخرها حزب "كديما" الحاكم، (حسب الاستطلاعات سيخسر من 14 إلى 17 مقعدا)، ولا حتى من أي مقعد من المقاعد السبعة التي سيخسرها حزب المتقاعدين، علما ان حزب العمل يحصل على نسبة عالية من بين كبار السن، وجزء من هذا يعود إلى تصويت تقليدي لهؤلاء، للحزب المؤسس لإسرائيل.
وعلى ما يبدو فإن باراك اقتنع أيضا، انه حتى ولو لن يكون الحزب الأول بعد انتخابات برلمانية مبكرة، فإنه أيضا لن يكون بإمكانه تحسين وضعه البرلماني، ليكون مرشحا قويا، وذا وزن برلماني مقنع، في أي تركيبة برلمانية قادمة.
ولهذا فإن باراك يسعى الآن لتأمين فترة إضافية يعيد فيها حسابات، وترتيب أوراقه، بحثا عن اتجاه جديد، ومن أجل تأمين هذه الفترة، عليه أولا ضمان بقاء الائتلاف الحكومي، وعلى ما يبدو فإنه يضمن هذا من جميع الاتجاهات، على الأقل في هذه المرحلة، قبل صدور تقرير فينوغراد، وحتى بعده.
فعلى مستوى الائتلاف الحكومي، فإن جميع الأحزاب اجتازت "حاجز" لقاء أنابوليس، وحتى اشد المعارضين لمفاوضات الحل الدائم، من حزبي "يسرائيل بيتينو" و"شاس" ووزراء في "كديما" باتوا على قناعة أن لا سبب يُخرجهم من الحكومة.
أما بعد صدور تقرير فينوغراد، فأحد الاحتمالات القوية، هو أن أيا من الأحزاب، باستثناء "يسرائيل بيتينو" بزعامة الوزير العنصري أفيغدور ليبرمان، لن يبادر للخروج من الحكومة لسبب وواضح، وهو أن جميع هذه الأحزاب شاركت في قرار الحرب على لبنان، وكان لجميعها ممثلي في جميع أطر اتخاذ القرار في الحكومة، ولهذا فهي لا تستطيع تجاهل دورها في المسؤولية العامة عن الحرب.
أما على المستوى الداخلي لحزب "العمل"، فإنه من بين الوزراء السبعة لحزب "العمل" هناك وزير واحد ووحيد نادى بالخروج من الحكومة، وهو باراك نفسه، ومن خارج الحكومة، فإن 10 أعضاء كنيست، من أصل 12 عضوا، يطالبون بالبقاء في الحكومة، وبطبيعة الحال فإن باراك الذي بات يقتنع بضرورة البقاء في الحكومة، وحين يطرح القضية على التصويت في كتلته، فإنه سيجد أغلبية ساحقة تطالبه بالبقاء، لا بل فحتى لو طرح الأمر على اللجنة المركزية للحزب (تضم 1800 عضو) سيحظى بأغلبية قريبة للإجماع، للبقاء في الحكومة.
ولهذا فإن باراك سيسعى للبقاء في الحكومة لأطول فترة ممكنة، أو إلى حين أن يمسك بفرصة أخرى يتأكد فيها أن أي انتخابات برلمانية مبكرة، ستزيد من قوة حزبه، على الأقل.

بعد فينوغراد

على الرغم مما سبق في ما يتعلق بالتقرير النهائي للجنة فينوغراد، فإن جميع الاحتمالات تبقى مفتوحة، في حال كانت اللهجة قاسية جدا في ذلك التقرير تجاه رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، وظهور حملة إعلامية وسياسية وشعبية تضغط في اتجاه استقالة أولمرت.
حينها سيكون باراك وحزب "العمل" باتخاذ موقف راعي هذه الحملة، ولهذا فهو سيختار واحد من عدة اتجاهات، وفي كل منها مطب سياسي محرج،
الخيار الأول، وهو اشكالي، أن يتجاهل باراك الحملة، وينضم إلى مسار خط الدفاع الذي سيتبناه أولمرت، بأنه منذ صيف 2006، تم استخلاص الكثير من النتائج وإصلاح الكثير من الخلل، لهذا فإن استنتاجات اللجنة تعود إلى فترة ولت.
والخيار الثاني هو أن ينسحب حزب "العمل" من الحكومة، ليؤدي إلى انهيارها والتوجه إلى انتخابات مبكرة، نتيجتها باتت معروفة بالنسبة لحزب "العمل"، وهذا حتى الآن الخيار الأضعف.
أما الخيار الثالث، فهو أن يتفق مع أولمرت على موعد انتخابات برلمانية مبكرة، ولو بعد ستة أو ثمانية شهور، كما كان قد أعلن باراك بعد صدور التقرير المرحلي لفينوغراد، ولكن هذا موعد سيتضارب مع موعد انتخابات المجالس البلدية والمحلية، بعد اقل من 11 شهرا، وهذه انتخابات يطمح باراك لجعلها اختبارا لقوة حزبه في الشارع، كذلك فإنها تبقى انتخابات مبكرة، نتيجتها محرجة لحزب "العمل".
أما الخيار الرابع، فهو أن يعطي المجال لحزب "كديما" ليختار خليفة لأولمرت، ليتم تشكيل حكومة جديدة يستمر عملها حتى نهاية الولاية القانونية، أي حتى خريف العام 2010، ولكن في هذا أشكال من نوع آخر لباراك، خاصة إذا تم اختيار وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي تحظى بشعبية قوية في الشارع الإسرائيلي.
واشكالية باراك في الخيار الأخير، هو انه "سيتورط" في أية انتخابات برلمانية مقبلة، بشخصية أخرى ذات شعبية، وليس فقط زعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو، لتكون المنافسة أصعب.

ورطة "العمل"

إن الأزمة التي يمر بها حزب "العمل"، تعود بالأساس لتغييبه برنامجا سياسيا واضح المعالم، ومتميز عن الأحزاب الكبيرة التي تدور في فلك السلطة، وما يعمق هذه الأزمة، هو تعدد الخطابات في داخل هذا الحزب، وهذا ما زاده باراك نفسه، الذي لجأ لخطاب يميني متطرف في الأشهر الأخيرة.
وهذا الأمر سيؤدي بالأساس إلى جعل جمهور كبير من المصوتين في إسرائيل، خاصة من جمهور "وسط يسار" يرتدعون عن المشاركة في العملية الانتخابية، لأنهم لا يجدون الخيار الأنسب لهم، عليما ان هذا هو الجمهور الأكبر الذي يصوت لحزب "العمل".
وفي نفس الوقت فإن جمهور اليمين لن يلجأ لحزب "العمل" لأنه طالما ان توجهاته يمينية، فإنه سيلجأ إلى "النسخة الأصلية" لأحزاب اليمين، من "الليكود"، ومن هم على يمينه.
النتيجة التي من الممكن الآن التأكد منها، دون مخاطرة تكهنات، هو أن حزب "العمل" بوضعه الحالي لن يكون الحزب الأول في الحلبة السياسية في إسرائيل، وهذا حال قد يستمر لسنوات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة