الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية الصبي الذي شنقناه

احمد الحاج علي

2007 / 12 / 12
الادب والفن




1- الحكاية الأولى : كما الحلم المحفور في الذاكرة , تنبق حفلة إعدام الصبي وكأ نها حد ثت يوم أمس , نستعيدها بأدق تفاصيلها , بزمانها , ومكانها , وملامح الصبي الخائف الذي مات قبل أن يموت .

ماحكاية هذا الصبي الذي أعدمناه ؟وكيف صارت الواقعة ؟ ومتى ؟

تعود حفلة إعدام الصبي لأكثر من عشر سنوات , وقتها كنا مجموعة والأصح كنا عصابة , فاعلين للشر معتدين آثمين ,


لا يتجاوز عمر أكبرنا الرابعة عشر من عمره , نتفنن في ابتداع الشقاوة وفنون الشيطنة , وكنا نجد متعة في تعذيب الحيوانات الداشرة من جراء وكلاب وقطط وحمير, ولا نتورع عن إيذاء الأطفال الأصغر منا سنا , ولا نترك الواحد منهم حتى يبدأ في حفلة بكاء يشتم من خلالها أمنا وأبانا واختنا , وكانت متعتنا أن ننتشر في البرية أو في الكروم كل صيف ,حاملين فخاخنا وبضع جرادات , نجعلها طعما في الفخاخ , نصليها لعصافير مبهجة ألوانها وحركاتها وزقزقاتها ,

كنا نصلي الفخاخ تحت أشجار التين والزيتون القريبة من بيوتنا , وننطلق خلف العصافير بصمت وخفة وحذر الثعالب , وقد لا يطول الزمن حتى نصطاد بعضها فنطير فرحا بقدرتنا على تحويل الطيور الطائرة إلى طيور لاتقوى على الطيران وتزداد سعادتنا وهي تصوصي كفاروقع في مخالب قط .

صحيح كنا نفترق وننتشر بين الكروم , إلا أننا كنا نجتمع لدى أدنى خطر يتعرض له احدنا , فصفرة واحدة من احدنا تعني مثلا انه عثر على حردون ولا يستطيع الإمساك به ومع صفرته نتراكض لمساعدته ومن ثم نتشارك في حفل تعذيبه تميدا لقتله , وكانت الصفرتان تعني أن بعض الرفاق يحاصر أفعى أو قنفذا أو سلحفاة ويريد الإمساك بها من رقبتها وخلال ثوان نكون إلى جانبه , نتعاون لامسا ك الصيد حيا حتى نخيف الأصغر سنا منا حين عودتنا ليلا إلى بيوتنا , وتعني الثلاث صفرات أن يجتمع الجميع بأقصى سرعة , إلا أننا نادرا ما نلجأ إلى صفر الصفرات الثلاث , وتعني فيما تعنيه هذه الصفرات أن فردا أو أكثر من المجموعة قد تعرض لخطر ما , أو انه في مأزق من الصعب التخلص منه إلا بحضور الجماعة , تماما كما حدث في ذلك الصيف الذي يبعد عنا عشر سنوات , وقتها سمعنا الصفرات الثلاث فيما كنا منتشرين بين الكروم , نركض خلف فراخ العصافير, كانت صفرات طويلة , وواضحة , وقوية , وخلال ثوان معدودات كنا عند مصدر الصفرات , كان احد رفاقنا وأكبرنا سنا واسمه فهد الملقب ببغلو, يمسك بيده اليمنى صبيا لايتجاوز عمره الحاد ية عشر حسبما قال , وبيده اليسرى يمسك بنتا تصغر الصبي ربما بسنة واحدة , كانا يبكيان ويتوسلان لبغلو أن يتركهما وشأنهما , وحين سأله احد رفاقنا عن غلطة الصبي والبنت , أجاب بغلو: رايتهما بأم عيني في ظل الصخرة الكبيرة , متلاصقين رأسه على صدرها , ويده اليمنى حول رقبتها , صاحت جماعتنا بصوت واحد : يالطيف , يالطيف , وصرنا نتأمل الصبي والبنت طويلا , ودرنا حولهما عدة دورات إلى أن قال بغلو : علينا أن نعاقب الصبي حتى لايعود لمثلها أبدا : صحنا بصوت واحد موافقون , قال بغلو: مارايكم أن ننفذ العقوبة التي تختارها البنت .

صاح أكثرنا : كما تريد كما تريد .

التفت بغلو نحو البنت , كانت ذقنها ملتصقة بصدرها , تبكي وترتجف خوفا , وقال ناترا يدها نحوه: قولي يابنت يافاجرة بماذا نعاقب الصبي ؟

مسحت البنت دموعها بطرف كمها , وتاتات , وفافات , وكاكات , ولم تقوى على الكلام .

صرخ بغلو را فعا قبضته قبالة وجهها : تكلمي يابنت والا . . .

قالت البنت ودموعها على خديها: اشنقوه .

ثم طلب من احد رفاقنا أن يأتيه بحبل .

2- رواية الصبي وحكايته مع البنت .

حكايتي حكاية, حكاية لاعلى البال ولا على الخاطر, احكيها لكم من طقطق إلى السلام عليكم , بدون زيادة أو نقصان , ولم الزيادة أو النقصان, والحكاية صارت من عشر سنوات , أتذكرها كأنها حدثت يوم البارحة ,وملخصها أن أخي الكبير, أوصاني أن اعلف البقرة والعنزتين بالتبن والعلف , وبدل أن أنفذ ما أوصاني به أخي الكبير, رحت العب الكرة مع رفاق حارتي بعد أن استدعوني , ونسيت البقرة والعنزتين وماعدت اذكرهما إلى أن فاجأني أخي الكبير ظهرا وعيناه محمرتان كثور أسباني هائج قائلا : ياعكروت , البقرة والعنزات ميتين من الجوع والعطش , ثم امسكني من زيق قميصي , ورفعني مقدار ثلاثة أشبار عن الأرض وخبطني قائلا : والله ل أذبحك وكفر كفرية , أعوذ بالله لاتنزل بقبان , أما أنا فمن حلاوة الروح , قمت باربعتي كقط بسبعة أرواح شمعت الخيط وأنا احسب أن أخي الكبير ورائي , اركض , واركض , واركض , إلى أن وصلت أطراف بلدة لااعرف اسمها , وصلت تلك الصخرة الكبيرة التي بحجم صفنا في المدرسة , وصلت خائفا , باكيا , مذعورا , مرعوبا من سطوة أخي الكبير وخوفي منه

وكما في حكايات جدتي التي يختلط فيها الخيال بالواقع , خلقت خلقة أمامي بنت تصغرني قليلا مثل النقطة في المصحف , تلبس قميصا زهريا وبنطالا من الجنز المكحوت , وفمها مثل حبة الكرز الريحاوي , وكانت دموعها تسيل على خديها , بطيئة , مضيئة , مستسلمة لانحدارها, وكانت دموعي تسيل على خدي بطيئة, مستسلمة لضياعها , ورغم القهر الذي بداخلي , ابتسمت لها , فابتسمت لي , تقدمت نحوها خطوة , تقدمت نحوي خطوة مسحت دموعي بكمي , مسحت دموعها بكمها , هدا روعي , وبدأت اسمع زقزقة العصافير وصار الجو مضيئا ومبهجا , ضحكت قلت لحالي:أين كنت وأين صرت , اقتربت منها صامتا , اقتربت مني صامتة , وفي ظل الصخرة الكبيرة , ألقت برأسها على صدري ويدها حول عنقي , بينما علا نحيبها وكأنها في مأتم وبأقل من دقيقة واحدة كما اذكر , غفت كقطة وصارت في سابع نومة

عندما أيقظنا بغلو " فيما بعد عرفت أن لقبه بغلو " وقف شعر راسي , وتجمد الدم في عروقي , لقد ألقى القبض عليّ بالجرم المشهود كما قال , ثم استدعى رفاقه بصفرات ثلاث وهو يمسك يدي بقوة , كان الابن الحرام أقوى من بغلة عزو , وله وجه مثل وجه قتال الحسين , وصار يبربر بكلمات لم افهمها ,

عندما اكتمل التفاف العصابة حولنا, وأرادو معاقبتي , تركوا للبنت حرية اختيار العقوبة التي تراها .

تأتأت البنت , وصارت تبكي , صرخ فيها بغلو رافعا قبضته يهددها , تكلمي يابنت

فقالت البنت وهي تشهشه : اشنقوه .

الجماعة لم تكذب خبرا , راح بعضهم يفتش عن حبل , وراح البعض الآخر يضع حجرا فوق حجرلتكون كمنصة الإعدام , وعندما احضروا الحبل , ربطوه بغصن زيتون ومن الطرف المتدلي من الحبل عقدوا الانشوطة .

كان الخوف يجمدني وأنا اقترب من لحظة الإعدام , ويحولني إلى اخرس لايقوى على النطق , لقد تراكم الخوف من الموت فوق الخوف الذي بداخلي حتى صرت ميتا قبل أن أموت , وأدركت وقتها أني هربت من خوف إلى خوف اكبر , ثم حملوني ووضعوا الانشوطة في رقبتي , ودفع احدهم الحجر التي أقف عليها ومن حلاوة الروح رحت اصرخ بدون صراخ وأتوسل بدون توسل .

لقد كانت محاولاتي لاتتعدى فتح فمي على أخره , بلا صوت ولولا لطف الله بان أرسل لي من غامض علمه من يفك الحبل عن رقبتي في آخر روح لكنت رحت فيها , وصرت طيرا من طيور الجنة كما يقولون , وإذا لم تصدقوا حكايتي هاكم رقبتي , انظروها فما زالت آثار حبل الليف بادية عليها منذ عشر سنوات حتى الآن

3- حكاية البنت التي حكمت على الصبي بالشنق

دائما هناك من يطلب مني أن احكي حكاية الصبي الذي حكمت عليه بالشنق , لقد التوى حنكي , وطلع الشعر على لساني وأنا احكي هذه الحكاية , وكأن لا حكاية عندنا إلا حكاية الصبي الذي حكمت عليه بالشنق , آلاف الحكايات تنتظر من يرويها ولا من يرويها خوفا , أو نفاقا , أو خجلا , أو جهلا , منذ عشر سنوات وأنا احكي هذه الحكاية , حكاية من أبشع الحكايات , اتركوها تموت يا جماعة , أو اتركوني اكذب وأقول إنها ماتت , لاتوقيظوها , اتركوها نائمة في كهوف النفس , أو اتركوها تعربد في شعاب الروح , كجرذان المجارير , لاتنبشوها فتطلع رائحتها ك ...

فقد أخافنا الخوف بما فيه الكفاية , هل هي حكاية عارنا العاري وجهلنا جميعا أم حكاية الخوف المتوارث الذي بداخلنا المعشعش كما العنكبوت , دائما يظهر لي الخوف بشاربين معقوفين كخنجرين عمانيين أو يظهر لي الخوف رجلا بطربوش عثملي . يحمل عصاه للعاصين من طلابه أو يطلع بزي دركي , أو بزي رجل تزين قفاه آلة موت .

سوف تردون علي وتقولون : أنت من يتكلم هذا الكلام , أنت أيتها القاسية القلب , أنت يا مجرمة : كيف تحكمين على الصبي بالشنق ؟ إذن أنت واحدة مثلنا مثلك , وأقول نعم مثلي مثلكم لافرق , ولكني سأكبس على الجرح ملح واحكي لكم حكاية اشنقوه من أولها , وأنا اقبل حكمكم مهما كان .

في ذلك اليوم المشؤوم , وقبل عشر سنوات , كنت العب في الساحة التي أمام بيتنا مع صبيان وبنات من سني , والحقيقة أن أبي أوصاني أن لا العب في الساحة مع الصبيان والبنات , ولكن ما نفع الأوامر والتوصيات أمام إغراء اللعب , وعتد عودتي إلى البيت ظهراً , جن جنون أبي حين عرف أني كنت العب في الساحة , صار يرقص شاربه المعقوف كشارب أبي زيد الهلالي التي في الصورة غضباً , يومها نفخ اسرافيل في الصور, قامت القيامة , وفار التنور , وسقطت السماء على الأرض , نط ما حط , وهو يرغي ويزبد , لا اخفي عليكم , مرطني قتلة , دق ودوس , وقال لي كلمات لا أقولها خجلا , وأتمها بقوله : هذه آخر مرة تلعبين, وإذا ما عدت للعب في الساحة بعد اليوم سأعلق مشنقتك .

هل اروي لكم عدد المرات التي مرطني فيها وقال لامي هات الحبل لنشنقها , عشر مرات , عشرون مرة , ألف مرة , تاه العداد , تعطل , وعندما صار عمري عشر سنوات , حفظت بضع كلمات بصما لكثرة مارددها أبي على مسامعي ساعددهالكم لاتقرفو ا : بدي قطعك شقف , بدي أذبحك , بدي أسحلك , بدي اقطع رقبتك , بدي أخنقك , بدي فطسك , بدي أشنقك , بدي أعدمك , بدي أنحرك , بدي قوسك , بدي كسر راسك , بدي اسلخ جلدك عن عظمك .

قولوا لي ياافندية , أية كلمة اختار من هذه الكلمات تكون ارحم من أخواتها , لأقولها لبغلو , فانا مازلت اذكر , أني كنت ارتجف من خوف وبرد ونحن في عز الصيف .

لقد تأتأت , و فأفأت , حتى أخرجت من جعبتي هذه الكلمة "اشتقوه " نعم قلت لهم اشنقوه , لكن على أي ذنب يا ترى .



هل لان رأسه استراح على صدري ؟ يا عيب الشوم ! هل تصدقون أن الصبي حين ألقى برأسه على صدري راح في نوبة بكاء ونحيب فاجع , المقتول أبوه لاينتحب ذلك النحيب , نعم لقد غفا الصبي وهو يشهشه بألم واليوم بعدعشر سنوات , اسأل نفسي وألومها , لماذا تركت البيت , وطفشت من خوف إلى خوف , ومن ظلم إلى ظلم ؟ لماذا قلت لهم اشنقوه ؟ هل خدرني الخوف ؟ هل ربط لساني ؟

وقد ظل السؤال معلقا دون إجابة عشر سنوات إلى أن اكتشفت أن الخوف يستطيع تحويل ألاحيا ء إلى أموات أموات إلا أنهم يحتفون منتشين بموتهم صباحا ومساء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في


.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات




.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه