الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا طبيبة العراق!

عزيز الحاج

2003 / 11 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


إن القرارات التي اتخذها منذ أيام مجلس الحكم العراقي بموافقة بول بريمر أزعجت بل وأغضبت أوساطا كثيرة من العرب والدول والقوى الأجنبية التي عارضت حرب إزاحة صدام، ناهيكم عن عناصر وساسة وشيوخ قبائل، كل منهم طامح لحكم العراق.

 إن القرار 1511 قد أعطى الشرعية لمجلس الحكم، ولم تعارض فرنسا ذلك القرار. واليوم يقدم المجلس تصوره للجدول الزمني لنقل السلطة نهائيا للجانب العراقي، وهو ما طلبه القرار المذكور الذي حدد منتصف الشهر القادم لتقديم الجدول لمجلس الأمن. إن القرار لم يحدد هو مددا لتشكيل حكومة مؤقتة ولوضع الدستور ولإجراء الانتخابات النيابية التي تسفر عن حكومة منتخبة ودستورية. وكما قال الدكتور الباجه جي منذ حين فإن القرار 1511 طالب بقيام حكومة مؤقتة "ذات شرعية ولها صفة تمثيلية واسعة"، والقرار" لا يتكلم عن حكومة منتخبة أو حكومة دستورية بل يقول حكومة ممثلة للشعب.. وهذا ما نسعى إليه على أساس أن الصورة مؤقتة لان ذلك يعطينا الوقت الكافي لوضع الدستور وإجراء انتخابات لحكومة دستورية في المستقبل." وقد أعلن الرئيس الراهن للمجلس الأستاذ الطالباني عن قرارات المجلس التي تحدد محتوى الجدول الزمني المطلوب، وكما يلي:

1 ـ انتخاب جمعية انتقالية في أواخر مايو 2004. وهذه الجمعية الانتقالية ستختار حكومة مؤقتة قبل نهاية حزيران 2004، وبعدها تنقل الصلاحيات الكبرى وفي مختلف الميادين من التحالف إلى الحكومة المؤقتة.

2 ـ إجراء انتخابات عامة لتشكيل حكومة جديدة استنادا إلى بنود دستور جديد قبل نهاية عام 2005.

 وسوف تنقل السيادة الكاملة للعراق مع حزيران القادم قبل صياغة الدستور العراقي الدائم.وقال الطالباني بحق إنه لا يمكن الآن إجراء انتخابات لوضع دستور العراق المقبل، إذ لا بد من استتباب الأمن، وإجراء الإحصاء السكاني، ووضع قانون الانتخابات، وهي مهمات ستقع على عاتق الحكومة المؤقتة القادمة. ويذكّر الأستاذ جلال بأن العديد من البلدان حصلت على حكومات مؤقتة ذات سيادة حتى قبل وضع الدستور، كفرنسا وإيطاليا عندما تحررتا من النازية والفاشية  ولم تضعا الدستور إلا بعد سنين. إذن من الممكن الحصول على حكومة عراقية انتقالية ذات سيادة تامة ومستقلة حتى قبل أن يكون لنا دستور دائم. وهنا أطرح للتفكير الفكرة التالية: ألا يمكن وضع وثيقة مؤقتة تتضمن المبادئ التي جرى الاتفاق عليها في مؤتمرات لندن والناصرية وبغداد كمرشد عمل حتى الدستور الدائم؟ أو تبني دستور 1958 مع بعض التعديلات كوثيقة مؤقتة؟

 لقد كان لهذه القرارات صدى ارتياح واسع بين أكثرية العراقيين كما أكدت تقارير صحفية نتيجة مقابلات ميدانية [ انظر مثلا الشرق الأوسط في عدد 18 نوفمبر الجاري]. ولكن بعض الأقلام العراقية والعربية سارعت فورا للتشكيك. أما رد الفعل الأكثر غضبا واحتجاجا فكان من فرنسا على لسان وزير خارجيتها، الذي يطالب بالحكومة المؤقتة خلال الشهر القادم لا غير ويحدد عدد الحكومة ب15 ؟![ لا أدري لماذا 15 وليس 14 أو 16 مثلا!!]. ويضيف الوزير أنه يجب إيكال الترتيبات السياسية لمبعوث الأمم المتحدة، قاصدا بالطبع الدكتور غسان سلامة اللبناني ـ السوري ـ الفرنسي، والذي اختارته فرنسا مع كوفي عنان ليكون الشخصية الثانية في بعثة الشهيد دي مليلو للأمم المتحدة.

 إن فرنسا التي دعمت النظام الفاشي حتى النهاية، والتي تنظم منذ شهور حملة لإطلاق سراح أقطاب في نظام صدام كطارق عزيز، إنما تكشف مجددا عن انغلاقها على العقدة الأمريكية، وما يهمها أولا هو انسحاب مبكر للقوات الأمريكية وهو ما ترفضه أغلبية شعبنا جراء ما سوف يتركه الانسحاب من فراغ أمني مخيف لصالح أعوان صدام. إنها لا تهمها في الواقع مسألة السيادة الوطنية الحقيقية للعراق، إلا إذا جاءت الحكومة الجديدة على مقاس مصالحها ومن رجالات محسوبة عليها. ومن يدري. فلعل لدى دهاليز الاتصالات والدبلوماسية الفرنسية قائمة بعينها للحكومة العراقية المؤقتة! ومن غرائب الصدف، [إن كان ذلك صدفة ؟!]، أن تقترن التصريحات الفرنسية الغاضبة بشريط صوتي جديد منسوب للطاغية العراقي الهارب والذي يدعو لقتل الرموز الوطنية العراقية البارزة التي تعمل في أكثر الظروف صعوبة جرّاء جرائم الإرهاب التي ينفذها أعوانه والإرهابيون العرب القادمون من عدة دول مجاورة وغير مجاورة، وهي الجرائم التي يطلق الفرنسيون عليها صفة "مقاومة الاحتلال الأمريكي".

 إن الموقف الفرنسي هذا هو استمرار لموقف فرنسا وخطها العام قبل الحرب وبعدها، وهما يسيران بالضد من مصالح شعبنا وقضية الديمقراطية والسيادة الحقيقية. لقد مضت فرنسا لحد معارضة رفع الحظر الاقتصادي عن العراق مع أنها كانت متحمسة لرفعه أيام نظام البعث الصدامي، وقبل ذلك عارضت بقوة ان تقوم الأمم المتحدة بواجبها لكي تفرض على صدام بتوجيه الإنذار الأخير للالتزام بقرارات مجلس الأمن التي تعهد باحترامها. كما أن فرنسا هي في مقدمة الدول الصناعية الغنية التي رفضت تقديم المعونات لأغراض تعمير العراق، وتغيبت عن مؤتمر مدريد.

 إن فرنسا بموقفها الحالي من قرارات مجلس الحكم العراقي تخرج عن منطوق قرار مجلس الامن 1511، الذي لم يطلب غير جدول زمني مع منتصف شهر ديسمبر القادم. أما هي فتريد أن تفرض جدولها وبرنامجها الخاصين على العراقيين وعلى مجلس الأمن معا. فهل لا يرى السيد الوزير أن هذا الموقف هو أولا خارج قدرات فرنسا، وثانيا سيزيد في الشقة، الواسعة كل السعة، بينها وبين الأكثرية العراقية، وإن كان موقفها يرضي بعض عشاق التسلط العراقيين من شيوخ قبليين وساسة عراقيين معزولين يبحثون عن أدوار، ومن حكومات عربية، حاقدة على شعبنا ترسل له سياراتها المفخفخة، وكذلك من اليسار الأوربي المريض المزمن بالعقدة الأمريكية، والذي لم يهتز ضميره لمشاهدة مناظر المقابر الجماعية في العراق ؟!

 أعتقد أن على المسؤولين الفرنسيين أن يعالجوا مشاكلهم الداخلية من اقتصادية واجتماعية وكورسيكية، لكي تعود فرنسا للعب دور دولي أهم وأكثر إيجابية، ولكي تخرج للعافية التي تفتقدها، أو كما كتب باحثون فرنسيون مؤخرا في كتبهم بأن فرنسا "تتداعى"! وعلى فرنسا إعادة النظر في مواقفها الخارجية لا سيما من العراق، لكي تستعيد الدور الفاعل وتحاول كسب ثقة الشعب العراقي. لقد صارت القضية العراقية مشجبا ليعلق عليها كل مشاكله، وصار العراق وكأنه الرجل المريض وكل الآخرين أطباء ناجحون يقدمون [ لوجه الله] لشعبنا وصفات ناجعة، أو كما يقول المثل:" طبيب يداوي الناس وهو عليلُ." حتى تلك الدول العربية والإقليمية التي تترنح تحت وطأة تخلفها المزمن وأزماتها المتلاحقة بعد سقوط صدام تجرؤ على تقديم الوصفات السحرية لعلاج المريض. أما الأمم المتحدة نفسها فإنها كما قال الباحث أمير طاهري:" إن ما يحتاج إليه العراق، أكثر من عملية البناء، هو الحرية والديمقراطية. وهذا بالضبط ما لا تستطيع الأمم المتحدة التي، أغلبية دولها غير ديمقراطية، توفيرهما." ويبرهن الكاتب، وكما مر في مقالات سابقة لي، بفشل عمليات الانتخابات التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في كمبوديا وسيراليون وتيمور الشرقية. فإعطاء دور للأمم المتحدة في العراق غير الدور الإنساني ودور "المشجع" على عملية التغيير العراقية نحو الديمقراطية، يكون خطأ فاحشا.

 إن من حسن حظ فرنسا أن بيانات وزير الخارجية هي على الأقل أكثر جدية ورصانة من بيان السيد مقتدى الصدر، الذي أعلن أن سبب الإسراع بعملية نقل السلطة لممثلي العراق يعود لتشكيله حكومته الورقية. وكم في وسط المشكلات الكبرى من نكات أحيانا! ولعل نكتة شيخنا الجليل مقتدى الصدر تساعد على تهدئة بعض العواطف والحسابات الغاضبة، ولا سيما في فرنسا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟