الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى منفى بدرة الحدودي

عبدالحسين الساعدي

2007 / 12 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


لم يكتف النظام الملكي الأستبدادي السادر في ظلمه وأستهتاره بالقيم الأنسانية من مصادرة الحريات السياسية والفكرية والشخصية للمواطنين العراقيين ، ولم يكتف أيضا بزج الشرفاء من أبناء هذا البلد في غياهب السجون الرهيبة التي كانت تغص حد الأختناق بسجناء الرأي والمناضلين من أجل قضايا شعبهم المشروعة من العرب والكورد والتركمان وبقية أبناء الطيف العراقي على حد سواء ، بل تمادى في غيه الى أبعد من ذلك فأخذ بإبعاد المطلق سراحهم من تلك السجون الى منافي أجبارية قاسية عادة ما تكون في مناطق صحراوية قفراء بالقرب من الحدود وتنعدم فيها أبسط مستلزمات الحياة ، محاولة منه في كسر شوكتهم وتحجيمهم وإبعادهم عن سوح النضال بين جماهير شعبهم ، وكان من بين تلك المنافي القاسية منفى بدرة الحدودي.
قضاء بدرة من مدن العراق الحدودية المنسية ، وكثيراً ما كان هذا القضاء معزولاً عن العالم بسبب الفيضان السنوي ( للكلال ) في فصل الشتاء ، والبيوت في بدرة أشبه ما تكون ببقايا مدن أتى عليها الطوفان فأحالها الى خرائب وركام ، ولا يوجد فيها شيء حسن سوى طيبة أهلها ودماثة خلقهم وكرمهم ، وما أشتهروا به من حسهم الوطني ، فضلا عما عرف عن بدرة بكثرة بساتين الفواكه وإنتاجها لأفضل أنواع التمور في العراق .
كان النظام الملكي قد أنشأ في بداية الخمسينات مجموعة من البيوت في القسم الثاني من المدينة لإسكان عوائل الشرطة العاملين في المخفر الحدودي ومركز البلدة الوحيد ، ففكر العقل المريض والعدواني بتحويل هذه البيوت الى شبه محاجر للناشطين السياسيين المعارضين لسياساته بعد نقلهم الى هذا القضاء لكي يكونوا تحت نظر الشرطة ورقابتها ، وبعيداً عن سوح النضال الحقيقي بين أبناء شعبهم .
بالرغم من الإجراءات الصارمة الموضوعة من قبل السلطة في عدم أحتكاك الأهالي من سكنة بدرة بالمبعدين ، في وقت كان الأهالي ينظرون لهؤلاء المناضلين بعين العطف والتضامن ويكنون لهم كل أحترام وتقدير ، ولم يبخلوا قط في تقديم المساعدة لهولاء المبعدين ، بل كانوا يتواصلون معهم بطرق سرية وملتوية خشية الكشف وأفتضاح الأمر ، وهذا الأمر شجع بعض الأحزاب والقوى على التفكير بتهريب بعض العناصر المهمة في هذا المنفى ، وبالفعل جرت أكثر من محاولة ، وكان من أبرزعمليات الهروب الناجحة هي تلك العملية الجريئة التي تم خلالها تهريب ثلاثة من كوادر الحزب الشيوعي العراقي في مطلع الخمسينات من القرن العشرين .
لقد شمل الإبعاد السياسيين والمثقفين من العرب والكورد والتركمان وغيرهم من طوائف المجتمع العراقي المعارضين للنظام الملكي آنذاك ، بل وشمل حتى المستقلين والأبرياء الذين تم أعتقالهم وإبعادهم بمجرد الأشتباه بهم ، وكان من أبرز الشخصيات التي أبعدت الى هذا المنفى هم المرحوم كامل قازانجي ، ورحيم شريف ، وكاظم فرهود ، والشاعر الكوردي الكبير عبدالله كوران ،و والأديب عبدالرزاق الشيخلي وعزيز سباهي ، وطالب عبد الجبار ، وطعمة مرداس ، وهادي طعين ، وجبار شوكت ، وإبراهيم الحريري وكاني عبدالحميد ، والمئات غيرهم . وقد حول المنفيون هذا المنفى الى ورشة أبداع حقيقية لصقل مواهب البعض وتعليم الأخرين على مهارات فردية في الفن والأدب وغيره , كما أستغلها البعض في التأليف والكتابة والتواصل مع الثقافة ، مستفيدين من تعاطف الأهالي في الحصول على الكتب والمطبوعات ، فلم ينقطعوا عن العالم المحيط بهم ، وكان الأمل يغمر نفوسهم في أن غد الحرية والأنعتاق من ربقة الظلم والعبودية والقهر والأستلاب آت لامحالة ، وأن إرادة الشعوب هي أقوى من سلاسل الظلمة العتاة وقيودهم.
وكان المبعدون من الديمقراطيين والقوميين واليسار ، ومن الطيف العراقي كافة يتحرقون شوقاً للألتحاق بصفوف المناضلين من أبناء شعبهم لمواصلة النضال ، ويحسون بالتقصير لتخلفهم عن النضال بسبب السجن أو الإبعاد ، وعندما كان يطلق سراح أحدهم أو هروبه حتى تأخذ حناجرهم تصدح بالأغاني الحماسية والثورية مودعة له ومعبرة عن ذلك الشعور الجياش تجاه أحزابهم وتجاه شعبهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدعي الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة لاعتقال نتنياهو وجالا


.. سعيد زياد: خطر وجود حقيقي لإسرائيل إذا أصدرت المحكمة الجنائي




.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يدين قرار المحكمة الجنائية الدولية


.. مذكرات اعتقال تشمل شخصيات إسرائيلية وقادة من حماس للمحكمة ال




.. الجنائية الدولية: نسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو والسن